You are currently viewing السوق النفطية والسقوط الحر للأسعار

السوق النفطية والسقوط الحر للأسعار

السوق النفطية والسقوط الحر للأسعار

 

أ.م . د حيدر حسين آل طعمة

تشرين الثاني / نوفمبر 2015

 

تفصح معظم العوامل المحددة لأسعار النفط العالمية الى استمرار التراجع السعري خصوصا مع تراجع التوقعات الاقتصادية بشأن النمو الاقتصادي العالمي واستمرار تخمة المعروض النفطي من داخل وخارج اوبك، مما يدعو البلدان المصدرة للنفط الى ضرورة انتهاج سياسات قصيرة ومتوسطة الاجل لتحفيز الاقتصاد المحلي وتنويع مصادر الدخل، دون التعويل على تحسن سريع للأسعار ناتج عن تعافي الاقتصاد العالمي او انحسار تدفق النفط الصخري الى الاسواق.


محددات اسعار النفط بعد عام من التدهور

دخل انهيار اسعار النفط عامه الثاني في ظل استمرار المؤشرات الاقتصادية والسياسية والفنية الداعمة لهبوط مزمن في مستويات الاسعار. ورغم تعدد الدراسات والتقارير التي تناولت مستقبل اسعار النفط خلال الاشهر والسنوات القادمة، الا ان الحذر والتشاؤم وسم عدد كبير منها، نظرا لطبيعة الصناعة النفطية وتعقد التطورات الجيوسياسية من جهة وغموض افاق الاقتصاد العالمي من جهة اخرى

 

 ¤ افاق الاقتصادي العالمي

اقتصاد الصين واسعار النفط والسياسة النقدية الأمريكية ثلاثة أسباب رئيسة وراء خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي لعامي 2015 و2016 الى قرابة 3%، فقاطرة النمو الاقتصادي “الصين” لازالت تعيش مرحلة انكفاء ناشئة عن ازمات مالية متتالية وضعف معدلات الاستثمار وتدهور مستويات الطلب على السلع الصينية بسبب اضطراب الوضع الاقتصادي في أوربا وروسيا وعدد من الاقتصادات الصاعدة، في حين يشكل هبوط اسعار النفط عاملا اخر في تدهور الاقتصاد العالمي خصوصا مع برامج التقشف المالي وضغط النفقات الذي تعيشه البلدان النفطية، واخيرا كان لاتجاهات السياسة النقدية وامكانية رفع اسعار الفائدة ومن ثم صعود قيمة الدولار الامريكي اثرا بالغا في انحسار النشاط الاقتصادي العالمي نظرا لارتباط الدولار بمجل العلاقات المالية والتجارية والاستثمارية في العالم.
 بالإضافة الى ذلك لعب ضعف أسعار السلع الأساسية وتأثيرها على الدول المصدرة في جميع أنحاء العالم دورا كبير في انخفاض توقعات نمو الاقتصاد العالمي، ووفقا لتحليل صندوق النقد، يعزى السبب الأساسي في انخفاض أسعار السلع الأساسية طوال السنوات الثلاث الماضية إلى عوامل دورية وهيكلية على حد سواء.

 

 ¤ تخمة السوق النفطية

قدّمت كلّ من وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «أوبك» توقعات حول الأسواق النفطية لعام 2016، تبين ارتفاع معدلات المخزون التجاري، ما يعني استمرار التخمة النفطية والسبب في ذلك، ترجيح تباطؤ معدل زيادة الطلب، إضافة الى تدفّق إمدادات النفط الايراني وزيادة الانتاج النفطي في العراق، فضلا على ارتفاع الانتاج الروسي من النفط الخام الى قرابة 10.78 مليون برميل يوميا، وهو أعلى معدل انتاج مثبت بعد الحقبة السوفيتية. ومن المستبعد أن يكون الانخفاض المتوقع في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، نتيجة هبوط الاسعار، كافيا لخفض تخمة المعروض بشكل كبير. ويتوقع المراقبون أن يزيد فائض المعروض عن مليون برميل يوميا خلال العام الحالي، خصوصا مع تأكيد المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج في منظمة اوبك مؤخرا مواصلة التمسك بسياسة الدفاع عن الحصص السوقية عن طريق الحفاظ على رفع الانتاج والبيع بأسعار تفضيلية.

 

¤  الخزين الاستراتيجي

يفصح مسار اسعار النفط العالمية عن ارتباط محكم بين اسعار النفط ومستويات المخزون من النفط الخام في الولايات المتحدة الامريكية، لذا دأبت الدراسات والتقارير على متابعة تطورات حجم المخزون لأجل تحديد الاتجاهات المستقبلية لأسعار النفط الخام. وقد انخفضت اسعار النفط للعقود الآجلة في التعاملات الاسيوية مؤخرا بعد ان اظهرت بيانات معهد البترول الامريكي زيادة في مخزونات الخام الامريكي تجاوزت بفارق كبير توقعات المحللين. وبين المعهد ان “مخزونات النفط التجارية في الولايات المتحدة زادت بمقدار 4.9 مليون برميل في 15 تشرين الاول/اكتوبر لتصل الى 465.96 مليون برميل مقابل توقعات سابقة بزيادة المخزون بمقدار 2.8 مليون برميل

انزلاق اسعار النفط دون عتبة ال 50 دولار للبرميل يزيد من محنة البلدان النفطية، خصوصا مع دخول موجة الهبوط عامها الثاني واستمرار برامج التقشف والاقتراض لعدد كبير منها. ويبدو إن توقّع أسعار النفط الخام للسنة المقبلة مهمة صعبة لصناع القرار في هذه البلدان، في ظل جو عدم الاستقرار المهيمن على اسواق النفطية العالمية خلال هذه الفترة، إذ يتطلّب الأمر النظر الى عوامل ومتغيرات عدة. فهناك مثلاً، معدل نمو الاقتصاد العالمي، وحجم المخزون التجاري النفطي، إضافة الى تطورات الاقتصاد الدولي والصناعة النفطية، وهي تختلف مع تطور الأحداث وهناك الأزمات الاقتصادية والمالية المتواصلة في الدول الصناعية الغربية التي قلّصت معدلات نمو استهلاك النفط في معظمها، كما هناك انعكاسات الزيادة العالية والسريعة لإنتاج النفط الصخري الذي حقّق الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة، والأخطار الجيوسياسية لاحتمال انقطاع الإمدادات بسبب التوتر الامني في سوريا والعراق وانخراط روسيا في الصراع مع داعش وحرب الخليج “بقيادة السعودية” على اليمن، واستمرار منظمة اوبك بقيادة السعودية وعدد من دول الخليج بسياسة الدفاع عن الحصص السوقية عن طريق الحفاظ على رفع الانتاج وبيع النفط بأسعار اقل من سعر السوق.

 وتفصح دراسة حديثة أعدها صندوق النقد الدولي عن استمرار انخفاض أسعار النفط عالميا عام 2016، نظرًا لزيادة العرض عن الطلب بأكثر من مليون برميل يومياً، ومن المرجح أن تستمر الاسعار في الانخفاض بسبب تدفق النفط الصخري وانتشار تكنولوجيا استخراج النفط بكلفة أقل وهيمنة السعودية على القرار في اوبك.