أزمة الاقتصاد وفرص الإصلاح د.احمد

 

أزمة الاقتصاد وفرص الإصلاح

 د. احمد إبريهي علي

 

 

 

المشكلة المالية من نتائج فشل التنمية:

أصبح سعر نفط برنت في 10 أيلول 47 دولارا و58 سنتا ونفط غرب تكساس 44 دولارا و15 سنتا. وقد تحسن السعر، بعد الانهيار الذي بدأ في الفصل الأخير من العام الماضي، إلى 62,5 دولار في المتوسط للبرميل أواسط أيار من هذا العام 2015 . لكن اتجاه التحسن أحبط في حزيران على اثر زيادة الفائض من بلدان اوبك، ومنها العراق والسعودية، ومن خارج اوبك فانتكس السعر نازلا.

وإذا صحت تقديرات منظمة الطاقة الدولية حول عدم زيادة العرض من خارج دول منظمة البلدان المصدرة للنفط ( اوبك) في العام القادم ، 2016، فإن تحسن السعر سوف يعتمد على سياسة دولها ، وخاصة المملكة العربية السعودية، لأنها تستطيع التحكم بالعرض. ولما تقدم من المتوقع بقاء عجز الموازنة في العام القادم وقد يتسع رغم إجراءات التقشف. وذلك نتيجة الحاجة المؤجلة للأنفاق الجاري لإدامة تشغيل دوائر الخدمات والأمن والدفاع، وسداد الدفعات المستحقة للمشاريع تحت التنفيذ لتشجيع المقاولين على مواصلة العمل. ونفقات التطوير والتشغيل للشركات المتعاقدة في القطاع النفطي.

ومازالت تدابير زيادة الإيرادات من المصادر المحلية غير النفطية مرتبكة سواء من الضرائب بمختلف انواعها، والرسوم على السلع والخدمات الاستهلاكية ورسوم الجمارك وجباية اجور الكهرباء وغيرها. ويبقى النجاح في تطوير مصادر إيراد من غير النفط ضئيلا في السنة القادمة، ويحتاج بناء مؤسسيا محكما في وزارة المالية يستبدل طرق التفكير والأساليب القديمة بأخرى تعبر بصدق عن الإحساس بالخطر حول استدامة الوضع المالي في العراق.

من جهة أخرى تنحسر تدريجيا المصادر المحلية لتمويل العجز وهي الودائع المصرفية الفائضة عن الائتمان والتي استنفدت تقريبا.أما اقتراض الحكومة من الجمهور فما زال في بداياته وأدواته محدودة وأسواقه غائبة ولا يعول عليها بحجم يعتد به .

إن عجز الموازنة العامة أهون بكثير من مشكلة ميزان المدفوعات الخارجية وهي النتيجة الثانية لانخفاض سعر النفط ، إذ لا تكفي العملة الأجنبية من صادرات العراق لتغطية استيرادات الحكومة والتزاماتها الخارجية إضافة إلى حاجة القطاع الخاص.والأخير يطلب العملة الأجنبية للاستيراد من السلع والخدمات، وتحويلات للعراقيين في الخارج، واستثمارات في اسواق الدول الأخرى. والطلب على العملة الأجنبية كبير في العراق لأسباب عدة أهمها ضآلة الطاقة الإنتاجية الوطنية، وسعر الصرف المنخفض للدولار اتجاه الدينار، والوضع الأمني، والآثار السيكولوجية للحروب والحصار،والأعلام السياسي. ويؤدي استمرار مستويات الطلب الحالية على العملة الأجنبية إلى استنزاف احتياطيات البنك المركزي.

كما ان النهوض بالإنتاج الصناعي والزراعي، لتعويض المستوردات وزيادة التصدير من غير النفط الخام، يحتاج الى سنوات ويتطلب اعتماد سياسات اخرى تستند إلى مقاربات ليست مألوفة لوعي الناس، ولذلك قد لا تحظى بالدعم الضاغط كي تؤثر في دائرة القرار. والبيروقراطية في تشكيلتها القائمة انسجمت مع إدامة الوضع الاقتصادي الراهن، وتخشى التفريط في مواقعها.

لقد بينت سنوات الحصار حقيقة الاقتصاد العراقي، مجردا من النفط الخام، حيث الإمكانات الإنتاجية محدودة، بمجموعها، والصناعة التي نشأت في كنف الدولة لا تمتلك مقومات اقتصادية ذاتية للاستمرار والتمويل كانت في الغالب قناة إضافية لتبديد موارد النفط وكرست الاعتماد عليه، وعندما توقفت صادرات النفط اختفت من المشهد العديد من المنشآت الكبيرة بالرغم من ارتفاع سعر العملة الأجنبية والذي هيأ فرصة سانحة لتعويض المستوردات وتنويع الصادرات خارج النفط الخام . وحتى ان الكثير من الأنشطة الإنتاجية الأخرى التي كانت تبدو ناجحة ماليا واقتصاديا هي في الحقيقة ليست هكذا بل إن أسعار الطاقة الواطئة وأشكال اخرى مضمرة من الإعانات أخفت قصورها في الكفاءة وهي لا تبرر بالفعل ما أنفق عليها.

وبعد عام 2003 أهمل صناع القرار ومستشاريهم المعضلة الاقتصادية وبرروا العزوف عن تحمل المسؤولية بمقاربات سطحية وجاهزة مثل أن القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي كفيلان بازدهار العراق بمجرد إطلاق الحرية لعملهما. وتعرض اقتصاد العراق لنكبة اخرى، الا وهي فشل الاستثمار الحكومي: في ارتفاع تكاليف المشاريع، من المدرسة إلى محطة توليد الكهرباء، والمستويات الواطئة للمواصفات والتصاميم والتقنيات، وانحراف التنفيذ عن الضوابط وشروط التعاقد، وطول فترة التشييد، والمعدلات المنخفضة للإنجاز السنوي من المشاريع المكتملة. فاتسعت فجوة البناء التحتي في جميع القطاعات من الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي إلى ابنية المدارس، مرورا بالموانئ والسكك الحديد، وتعثرت او توقفت برامج تطوير شبكات الري والمبازل. وحتى ان عمليات تطوير النفط الخام والغاز لم تكن بالسرعة المرجوة والتكامل المطلوب فنيا واقتصاديا.

إن فشل الاستثمار الحكومي بعد عام 2003 هو أكبر عيوب إدارة التنمية وسياسة الاقتصاد في العراق. وتقاعست الحكومة والقوى السياسية الفاعلة عن التحرك الجاد لإصلاح هذه العملية الحيوية التي هي عماد التنمية وتحسين حياة الشعب. وروافد الخلل معروفة: في منظومة الدوائر المسؤولة عن إدارة المشاريع، وقطاع المقاولات، وغياب الوحدات المتخصصة في التدقيق الهندسي والتكاليف والأداء التنفيذي.

ويتمثل الفشل الثاني في اتساع حجم الجهاز الحكومي وأدائه الواطئ وإسرافه في تبديد الموارد ، وخدمته النزوات الشخصية، وتخاذله عن مواجهة السرقة والابتزاز، وتواطؤه مع قيم مضمونها ان الدولة حق شخصي لمنسبيها في تراتبية إقطاعية.

أما مشكلة البطالة ، ظاهرة ومقنعة، فهي الوجه الثاني لضآلة الطاقة الإنتاجية، مع التخلف التقني والتنظيمي، او بتعبير آخر يكمن سبب البطالة في توقف التنمية. والذي تجلى في عجز العراق عن توظيف موارده البشرية بإنتاجية مناسبة لتوليد الدخل الكافي للأسرة،حسب معايير الحضارة السائدة، وظروف وعلاقات عمل ترضي إحساس الإنسان بالكرامة، وتشيع في نفسه الثقة بالمجتمع والأمل بمستقبل افضل.

ومن الضروري أن يفهم ان الحل الحقيقي للبطالة في التنمية الاقتصادية بمعناها التقليدي. وهي على الرغم من شمولها جميع قطاعات الاقتصاد إلا ان محورها التصنيع وليس لها طريق آخر. وقوامها الاستثمار المشروط بالكفاءة اي استثمار يولد عوائد مجزية ماليا واقتصاديا.

وللإيضاح، يقدر سكان العراق الآن 36 مليون نسمة ، والسكان في سن العمل بحوالي 59 بالمائة من مجموع السكان، ولنفترض ان السياسة الاقتصادية تهدف إلى تشغيل ثلث مجموع السكان او 56 بالمائة من السكان في سن العمل، فهذا يعني الوصول بالاقتصاد إلى إمكانية توفير حوالي 24 مليون فرصة عمل عام 2040 خارج القطاع النفطي، وفي الوقت الحالي يوجد مالا يزيد على 8,4 مليون منها . فكم هي رؤوس الأموال المطلوبة لتحقيق هذا الهدف؟ ويعتمد الجواب على الناتج المحلي غير النفطي للفرد الذي يراد تحقيقه آنذاك وليكن 15 ألف دولار، وهو ليس بكثير بل يبقي الاقتصاد ضمن فئة البلدان النامية، ودون عتبة البلدان حديثة التصنيع بفارق مهم. ويتطلب هذا الهدف مالا يقل عن 3 ترليون دولار من دولارات عام 2015بمتوسط سنوي مقداره (120) مليار دولار، يبدأ بحوالي 47 مليار دولار سنة البدء وهو متواضع وينتهي بمقدار 241 مليار دولار سنة انتهاء المسار عام 2040 .

و لنضمن ان هذا الجهد الاستثماري يوفر فرص العمل المطلوبة ينبغي ان تعتمد سياسة اقتصادية تؤثر في اختيار التكنولوجيا المنسجمة مع عرض القوى العاملة المراد توظيفها. والتعبير الاقتصادي عن خصائص تلك التكنولوجيا بالمتوسط ان رأس المال للعامل آنذاك بحوالي 140 الف دولار، وتدخل في هذا المؤشر جميع رؤوس الأموال المباشرة وغير المباشرة اي للبناء التحتي، الاقتصادي والاجتماعي، والاستثمار المنتج مباشرة في المعمل والحقل. ولا يعني هذا المثال تأجيل الحل لسنوات طويلة بل إن الأهداف الاقتصادية للأمد البعيد هي التي تقود مسار الاقتصاد بالاتجاه الصحيح نحو التقدم، وهي التي تستجيب للمطالب المشروعة وتظهر ثمارها الطيبة منذ المباشرة بها.

في عام 2003 اقترحت سيناريو لتنمية اقتصاد العراق على اساس استراتيجية النمو المقاد بالصادرات الصناعية وهو النموذج الآسيوي ( الياباني ، الكوري ، والصيني حاليا). وتوصلت إلى إمكانية وصول العراق عام 2030 عتبة البلدان المصنعة حديثا. وبينت عناصر السياسات المالية والنقدية والتجارية المنسجمة مع تلك الاستراتيجية. واقترحت ان تباشر دوائر الدولة تقديم برامج استثمار اولية لتنمية القطاعات، لتشكل مادة معلوماتية تساعد على الاختيار. وان يضبط الأنفاق الحكومي بعلاقة واضحة بالناتج المحلي الإجمالي( مجموع الإمكانية الاقتصادية)، وتلتزم الحكومة بسقف للأجور والتشغيل في القطاع العام ينسجمان مع الدور الاقتصادي للقطاع الخاص من جهة والرصانة المالية من جهة أخرى، ولم يؤخذ بتلك المؤشرات.

في النصف الثاني من عام 2008 انخفض سعر النفط وكانت تلك مناسبة لتدارك الأمور. أعددت دراسة الاقتصاد السياسي لعجز الموازنة العامة في حينها، واصبحت فيما بعد الجزء الأول من كتاب الاقتصاد المالي الدولي والسياسة النقدية. في تلك الدراسة اقترحت آلية لكيفية خفض النفقات استنادا إلى فحص العمليات التي تزاولها الدوائر واتخاذ المديرية العامة وما يماثلها نقطة انطلاق. وهي خطوة اولى لإعادة النظر في الموازنة، آنذاك، ويتواصل العمل لإعادة بناء الأجهزة الحكومية على اساس خفض الكلفة في سياق ضمان الكفاءة وحسن التصرف بالموارد. و بينت الدراسة ايضا التمويل الداخلي لعجز الموازنة العامة مع التزام سقف للأنفاق الحكومي يراعي إمكانية الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي في سد عجز ميزان المدفوعات، والمدة الزمنية التي تسمح بها تلك الاحتياطيات تحت فرضيات مختلفة، وأهملت تلك المقترحات مثل سابقاتها.

لقد كان خفض سعر الصرف من 2000 دينار للدولار إلى 1500 دينار وفيما بعد إلى 1170 دينار خطأ الحق الضرر بالاقتصاد وفرص تنميته. ومن المعروف ان المغالاة في تقييم الدينار العراقي بالعملة الأجنبية ( أي خفض سعر صرف الدولار) تؤدي إلى تدهور القدرة التنافسية الدولية للاقتصاد الوطني اي تقلص الإنتاج السلعي لصالح المستورد وانحسار إمكانات التصدير. ومع الأسف الشديد كان الخبراء واصحاب القرار يستعجلون الرد دون طلب الإيضاح بالقول ليس لدينا ما نصدره، بينما المقصود ليس التصدير مما لدينا. بل قرار الاستثمار في الإنتاج السلعي هو المقصود وهو جوهر الفعل التنموي. لأن بنية الأسعار والتكاليف وضمنها سعر الصرف واسعار المدخلات المحلية والكلفة الأجرية، لوحدة المنتج في ظل التكنولوجيا والتنظيم السائدين، هذه العناصر هي التي تحدد الجدوى المالية والاقتصادية للمشروع الاستثماري. والتنمية الصناعية لا تبدأ إلا في اللحظة التي يكون فيها الاستثمار مجديا ، وسعر الصرف عنصر مهم في هذه المنظومة. لقد عبر خبراء مسموعي الكلمة وشخصيات مؤثرة اجتماعيا عن رأيهم حرفيا ” دعنا نمتلك قدرة على التصدير اولا ثم نعدل سعر الصرف”، ومن ابلغ دلالات سوء الحظ انهم لا يدركون تناقضهم الذي لا يختلف عن القول دع المريض يتعافى اولا ثم نعطه الدواء.

وفي ميادين النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص توجد الكثير من الدراسات التي حاولت تشخيص المعوقات على المستوى التفصيلي. لكن المقاربات الشائعة اخفقت في الانطلاق من آلية قطاع الأعمال الخاص في أتحاذ القرار وهي دائما محورها الأسعار والعوائد والتكاليف والمخاطرة …وهكذا. لم يتحدث من استشارتهم الحكومة اقتصاديا في موضوع الاقتصاد ولم يبينوا علاقة سعر الصرف والأجور والتضخم والضريبة والإعانة وسعر الفائدة في الداخل والعائد على الاستثمار في الخارج … بالقرار الاستثماري للقطاع الخاص ، ويتهمون الآخرين بأنهم نظريون او مركزيون حكوميون. وهناك إخفاق مشابه في سياسة الاستثمار الأجنبي لأنها لم تأت البيوت من ابوابها. ولم يتحدثوا ولو لمرة واحدة عن الإطار الاقتصادي الكلي للاستثمار الأجنبي، وصلته بمعدلات العائد والمخاطرة في العراق، وعمق السوق المالية. وماهي الآثار المحتملة لتدفق الاستثمار الأجنبي، على فرض حصوله، في اقتصاد نفطي عندما يكون ميزان المدفوعات في حالة الفائض وكيف تختلف عندما يحصل العجز، والعلاقة بين تدفقات الاستثمار من الخارج واحتياطيات البنك المركزي، وعلاقة الاستثمار الأجنبي بالحجم الكلي للنشاط الاستثماري والادخار الوطني … وأن الاستثمار الأجنبي يبحث عن نجاح اقتصادي ينتفع منه لا ان يصنع قصة نجاح تنموي للعراق، وقد بينت ذلك في كتابي الاستثمار الأجنبي (2014). ولو كانت دوائر الدولة مملوكة حقا للأمة وليس لشاغليها لما وصلت الأمور إلى ما نحن عليه.

الاستجابة العاجلة للمعاناة الشديدة قدر الإمكان

لا شك في المستوى المنخفض للأداء الخدمي. ولنذكر الشكوى المريرة من مستوى التعليم والإدارة المدرسية، والأبنية وملاءمتها البيئية والصحية،ومستلزمات التعليم. والناس يكدحون ويصبرون على شظف العيش، لكنهم فقط يريدون لأبنائهم واحفادهم مستقبلا افضل والتعليم صناعة المستقبل.والخدمات الصحية لم تتحسن بالتناسب مع ما ينفق عليها من الموازنة العامة، ويذهب العراقيون إلى الهند لطلب العلاج وإيران و تركيا ولبنان. ولم تفلح وزارة الصحة في الارتقاء بالخدمات العلاجية من جهة التقنيات والمستلزمات التكميلية وأماكن الرقود. ولم تنجح ايضا في تطوير القطاع الصحي الخاص بسياسة تتعرف عليها من تجارب العالم واستقطاب الكفاءات الطبية العراقية من الخارج لهذا الغرض.

وفي البصرة مثال على استعصاء مشكلة مياه الشرب. وفي كل المدن امثلة على نقص خدمات البيئة، ومنظومات الصرف الصحي التي لا تغطي سوى القليل من الاحتياجات، ومشاريع تأسيس و توسيع تلك المنظومات متلكئة. و الكهرباء معروفة في عدم كفاية التوليد ومعوقات الوقود مع نواقص منظومات النقل والتوزيع. وهنا ومثلما هو الاستثمار الحكومي في كل القطاعات : مبالغة في التكاليف، مع شكوك حول كفاءة التصاميم والمواصفات وضعف، او غياب، الرقابة الهندسية والسعرية وشركات المقاولات غير المؤهلة من وجوه عدة بما في ذلك الاستعداد للفساد.اما دوائر الإجازات والتراخيص والضرائب والجمارك وتسجيل الملكية وفرض القانون والأمن و… وغيرها فهناك الكثير الذي ينتظر الإصلاح.

في حياة الأسرة تبرز عدة مشاكل ملحة منها:

إضافة الى السكن، تلاحظ مشقة حياة الأسر تحت خط الفقر، واغلب النازحين والذين يقدر عددهم 3,1 مليون نسمة وهذه الفئات بحاجة ماسة إلى الدخل. وذلك إضافة إلى معاناتهم في نقص الخدمات او غيابها.

العاطلون عن العمل وخاصة فئات الشباب ومن الخريجين بالذات.

مصائب الوضع الأمني ومجازر المفخخات، وقوافل الشهداء من مناطق المواجهات ومآسي ما تبقى من المدنيين هناك.

معاناة الأهالي في التعامل مع دوائر الدولة المدنية والأمنية في الانتظار والتعنت،وتعقيد الإجراءات، وصعوبة فرض القانون، والطريق الطويل والمتعرج لإنقاذ الحقوق.

فما هي الاحتياجات الملحة التي تسمح الموارد بالاستجابة لها في محاولة الانتفاع من البيئة السياسية التي احدثها التوجه للإصلاح والحضور الفعال للجماهير. وربما يكون من الأنسب والأكثر موضوعية تجنب تسطير قائمة جديدة من التوصيات، او رفع التطلعات فوق حدود الإمكانية ما يؤدي إلى إحباطات جديدة. والاكتفاء خلال الأشهر القادمة وحتى نهاية عام 2016 بالمهمات التالية:

الضغط لتوجيه موارد إلى الأسر تحت خط الفقر والنازحين لضمان إيصال الدخل الكافي لتغطية الاستهلاك الضروري من السلع الجارية والمقدار المناسب من التجهيزات المنزلية.

الإصرار على الحل العاجل لجميع المشاكل في التعليم والصحة والخدمات الأخرى التي لا تحتاج إلى موارد إضافية، بل قرارات تتعلق بالإدارة واساليب العمل وشاغلي الوظائف. والإصرار على معاقبة الفشل الإداري، وان تتحمل السلطة التنفيذية مواجهة الفساد بما لديها من صلاحيات الإزاحة والنقل والإعفاء، وهذه الإجراءات لا تتعارض مع دور الأجهزة الرقابية والقضاء.

المطالبة ببذل المزيد من الجهود واتخاذ القرارات لتحسين الوضع الأمني في بغداد وبقية المحافظات التي تحت السيطرة الكاملة للدولة، وتغيير اساليب العمل الأمني وعلاقة الشرطة بالمجتمع. ومكافحة الجرائم بمختلف انواعها وان يضمن الإصلاح التقدم الحثيث نحو بيئة آمنة للنشاط الاقتصادي والحياة الطبيعية للأسرة.

المطالبة بإصدار دليل عمل لإعادة بناء اجهزة الدولة بمشاركة الناس وتوظيف اكفأ خبراء العراق لهذا الغرض بمنتهى الوضوح والشفافية. وأن تجري إعادة البناء على اساس الوظيفة دون ادنى لبس ويعاد تصميمها على مبدأ الكلفة  الفاعلية.

ايضا المباشرة بتغيير جذري لعملية الاستثمار الحكومي. وذلك بأن تعلن الحكومة: المباشرة بإعادة هيكلة التشكيلات المسؤولة عن إدارة المشاريع في جميع مراحلها : الأعداد الأولي ؛ التصاميم ؛ وثائق المشروع ؛ إجراءات الإحالة؛ الأشراف على عمليات التشييد والتركيب ؛ الذرعات والمدفوعات ؛ وفحوصات الاستلام النهائي والتشغيل التجريبي. وتباشر تطويرا جذريا لقطاع المقاولات بالعمل على تكوين شركات متخصصة كبيرة الحجم وعالية التأهيل، بملاكات هندسية وإدارية وحسابية وحقوقية ثابتة وكافية، وتجهيزات تقنية وابنية إدارة ومخازن … ، ورؤوس اموال تكفي لإدارة عمليات التنفيذ دون دفعات مسبقة، وعلاقات رصينة بالجهاز المصرفي ، وتخضع للرقابة والضرائب. وأن تستحدث ، من الآن، وحدات تدقيق هندسي صارم للمشاريع يقوم على الفحص والاختبار، ومطابقة المواصفات،ومقارنة التكاليف الفعلية بالمعيارية، ومجريات التشييد والتركيب وما يكتنفها من إدارة وتنظيم واسانيد قانونية وضوابط.