الأزمة المالية العالمية…تأملات وتساؤلات

الأزمة المالية العالمية…تأملات وتساؤلات
د. ياسر سعد


شغلت الأزمة الاقتصادية, التي زلزلت النظام العالمي المالي وألقت بعلامات استفهام عليه وعلى مستقبله, العالم. وأثارت الكثير من النقاشات والمداولات الفكرية والسياسية والمالية, وكانت محورا للكثير من المقالات والتحليلات. سأتوقف عند بعض التداعيات والوقفات وحتى التساؤلات التي أثارتها الانهيارات المتداعية في الأسواق العالمية.

تفجرت الأزمة في سبتمبر الماضي, أي قبل أسابيع من نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش لتساهم وتشارك مع الأزمات السياسية والانتكاسات العسكرية في وداع أسود لرئيس ولغ بدماء المسلمين وسبب معاناة إنسانية لملايين منهم.

أمريكا قادت العالم في الانهيار المالي كما فعلت في حروبها ضد ما أسمته “بالإرهاب”, متزعمة العالم في نسج الأكاذيب وفي التداعي الأخلاقي والقيمي.

هناك حملة كبيرة من إعلاميين وسياسيين غربيين على رجالات البنوك والاقتصاد وجشعهم البالغ رغم الخسائر الكبيرة، والتي منيت بها الأسواق والمستهلكين. الحديث عن طمع العقول الاقتصادية يظهر فقدان البعد الأخلاقي للنظام الرأسمالي واستغلال أصحاب النفوذ مكانتهم على حساب عملائهم ومساهميهم.

تدخل الحكومة الأمريكية والعديد من الحكومات الغربية لإنقاذ مؤسسات مالية في بلدانها, يضع علامات استفهام على فلسفة السوق الحرة في الوقت الذي كانت فيه مؤسسات دولية مثل البنك الدولي تفرض شروطا وقيودا على القروض المقدمة لدول فقيرة تمنعها من التدخل ودعم المواد الأساسية في أسواقها ولو كانت النتائج الاجتماعية مأساوية.

– (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي اعتبر أن ما جرى يضع نهاية للسوق الحرة, كما ارتفعت الأصوات التي تنادي بإعادة النظر في القوانين الرأسمالية. سقوط الخيار الرأسمالي بعد السقوط الشيوعي يجعل من الحل الإسلامي خيارا مهما وأساسيا أمام الإنسانية الحائرة.

انتشرت كتابات ومقالات لمفكرين واقتصاديين غربيين تنادي بتطبيق بعض أحكام الشريعة الاقتصادية لضبط حركة الأسواق. ترى ماذا كان الموقف العالمي لو أن هناك دولا إسلامية تتبني الأحكام الإسلامية في معاملاتها الاقتصادية وتقدمها للعالم نموذجا ومثالا؟؟ الدعوات الغربية تشكل انتصارا معنويا للإسلام والذي يمتلك قوة ذاتية برغم العبء الكبير والذي يشكله تخلف المسلمين وتبعيتهم.

التبعية الاقتصادية للدول العربية للغرب لها أثمان باهظة, فدولنا تكتفي من النظام المالي العالمي بالغرم دون الغنم. الخسائر العربية من الأزمة المالية غير معروفة تماما وإن كانت تقدر بمليارات الدولارات بسبب الاستثمارات العربية الكبيرة في الأسواق المالية الأمريكية والغربية. العديد من الدول العربية عدلت في السنوات الأخيرة من إجازاتها الأسبوعية لتصبح الجمعة والسبت بحجة أنها تريد أن تواكب الأسواق المالية الدولية, ولعل نتائج تلك المواكبة كانت مزيدا من الكوارث والخسائر.

التقدم الصيني والآسيوي المالي والاقتصادي عالميا جاء من خلال المثابرة والمصابرة. انتقال المصانع الأمريكية والغربية للدول الآسيوية ذات العمالة الرخيصة نقل الثقل الاقتصادي الحقيقي إليها, فيما اكتفى الاقتصاد الأمريكي إلى حد كبير بدور المضاربات والبورصات والذي يهوي بالاقتصاد عند الأزمات كبيوت الورق. من المؤسف أن معظم المليارات ولاستثمارات العربية تصب إما في سوق العقارات أو أسواق المال أو الأندية الرياضية, وهي استثمارات أساساتها واهنة ولا تتحمل الهزات والأزمات. الاستثمار الحقيقي والذي يمكن للأجيال القادمة أن تستفيد منه هو في تكوين قاعدة صناعية وأساسات العلمية والتي تقف على أرض الواقع راسخة وثابتة.

هل شكلت الأزمة الاقتصادية سببا أم نتيجة للغزو الأمريكي للعراق؟ بمعنى آخر هل سببت الخسائر الأمريكية هناك وصلابة المقاومة العراقية عامل استنزاف إضافي للموارد الأمريكية, أم أن الأوضاع الاقتصادية الأمريكية المترنحة هي التي دفعت بصانع القرار الأمريكي لشن حربه على العراق والتي كانت محطة أولى في توسع أمريكي لم يكتب له النجاح؟

هل تكون دول عربية الخاسر الأكبر من التراجع الأمريكي مع انعدام مقومات القوة الذاتية عندها؟؟ هناك عدة سيناريوهات محتملة منها أن تنكمش أمريكا على نفسها جراء خسائرها العسكرية والاقتصادية وعندها قد يجد من يحتاج الحماية الأمريكية بوجه الطموحات الإيرانية أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه. أما السيناريو الآخر, فهو أن تجد أمريكا في سيطرتها المباشرة على المقدرات العربية وسيلة لبقائها قوة عالمية مهيمنة وذلك بالتحكم في مصادر الطاقة العالمية, وبالتالي فهل سنشهد عودة للاستعمار المباشر كحل للمعضلة الأمريكية؟؟ الذرائع دائما موجودة كدعم الإرهاب أو التعويضات الخيالية من جراء أحداث سبتمبر وما شابهها.

العالم كان وسيبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها ساحة للصراع والتدافع, وما لم يمتلك العرب أسباب القوة والتي مكمنها الأساسي العودة لمنابع الدين والتي من خلالها فقط سطر العرب في التاريخ أمجادهم, واحترام المواطن وكرامته وحقه في المشاركة السياسية, والتخطيط الاستراتيجي علميا وسياسيا واقتصاديا, ونبذ ثقافة التملق والنفاق فإنهم سيبقون الخاسر الأكبر في الأزمات بل وحتى في الانفراجات العالمية.