وهم الأصول المالية

 

 

 

 

وهم الأصول المالية

 

عبد الفتاح محمد صلاح

من المعلوم أن الاقتصاد يختص بدراسة إشباع حاجات الأفراد باستخدام الموارد الطبيعية المتاحة بكل وسيلة ممكنة بأقل وقت وجهد وتكلفة , فالاقتصاد هو علم الثروة الذي يعتمد في إشباع حاجات الأفراد على الموارد المادية وهي تنقسم إلى :

موارد طبيعية : وهي الثروات التي خلقها الله للبشر دون دخل للإنسان في وجودها , وتتمثل في كل الموارد المخلوقة سواء أكانت يابسة أم مائية وما فوقهما وما تحتهما كالنبات والحيوان والبترول والمناجم وغيرها الكثير .

موارد مصنوعة : وهي كل مورد طبيعي اختلط بجهد بشري ولم يستهدف منه الاستهلاك المباشر كالعدد والآلات والمصانع التي تستخدم في العملية الإنتاجية وتعرف بالأصول المادية أو الأصول الرأسمالية .

مفهوم الأصول

علم المحاسبة يعرف الأصل بأنه شئ مملوك له قيمة قادرة على سداد ديون الغير , ومع ظهور المشروعات الضخمة والشركات المساهمة تطور مفهوم الأصل لينظر إليه كأحد عوامل الإنتاج التي يتولد عنها دخل للمشروع في المستقبل يستخدم في سداد الالتزامات , فالأصل بهذا المعنى يجب أن تتوفر فيه شروط الملكية والحيازة وتكون له قيمة ذاتية حقيقية .

إشباع الحاجات البشرية في أي مجتمع يتم من خلال النشاط الاقتصادي العيني الحقيقي , الذي ينتج السلع والخدمات باستخدام الأصول المادية الملموسة التي تمثل أصل الثروة المملوكة للمجتمع , كالأراضي , والمباني , والآلات , والمواد , والمعادن النفيسة , والحبوب والفاكهة , وسائر السلع الاستهلاكية التي هي أساس حياة البشر .

وقد اكتشفت البشرية مبكراً أن تبادل الأصول المادية عن طريق المقايضة ” المبادلة ” داخل الاقتصاد العيني الحقيقي , يحتاج إلى وسائل وسيطة لتسهيل عملية تبادل ملكية الأصول العينية بين الأفراد , وكذلك تيسير عملية الاشتراك بين مالكي هذه الأصول العينية في إقامة مشروعات لإنتاج سلع استهلاكية واستثمارية لإشباع الحاجات البشرية المتزايدة على الدوام .

هذه الوسائل الوسيطة التي تسهل عملية تبادل ملكية الأصول العينية بين الأفراد , وتيسر الاشتراك بين مالكيها في العملية الإنتاجية , تطورت على مر العصور حتى وصلت إلى النقود الورقية المتداولة التي تعطي حائزيها حق الحصول على السلعة أو الخدمة منالاقتصاد .

منطلقات مفهوم قيمة النقود الورقية

بعيداً عن الدخول في الخلاف بين العلماء حول أن ثمنية النقود محصورة في الذهب والفضة , وبعيداً عن أن النقود الورقية سندات دين أم عروض تجارة أم عمله قانونية إلزامية قائمة بذاتها ليس لها غطاء ذهبي , فإنه من المهم تحديد منطلقات مفهوم قيمة النقود الورقية لأن فكرة الأصول المالية مرتبطة بمفهوم قيمة النقود الورقية .

1- النقود الذهبية والفضية ذاتية القيمة لأن قيمتها مستمدة من المادة التي ضربت منها وهي مرتبطة بها ارتفاعاً وانخفاضاً , أما النقود الورقية فليس لها قيمة ذاتية وقيمتها اصطلاحية مستمدة من القانون ومن القوة الاقتصادية للدولة فإذا ألغي التعامل بها أصبحت بدون قيمة .

2- القيمة الأسمية للنقود ذاتية القيمة مساوية للقيمة الحقيقية لها , أما النقود الورقية فلها قيمة اسمية مسجلة عليها كجنيه أو خمسة أو عشرة تختلف عن قيمتها الحقيقية المتمثلة في قوتها الشرائية , أي ما نستطيع أن نحصل عليه بواسطتها من سلع وخدمات .

3- النقود الورقية كانت مغطاة بالذهب في بداية التعامل بها لذا كانت تنوب عنه , أما اليوم فقد انفك الارتباط بينهما ولم تعد مغطاة بالذهب لذا فقيمتها قانونية فقط .

4- النقود الورقية لا تطلب لذاتها بل لوظائفها وما يمكن الحصول عليه من سلع وخدمات بواسطتها , وهذا يجعل قيمتها مرتبطة بمستوى الأسعار فكلما ارتفعت أسعار السلع والخدمات نقصت القوة الشرائية للنقود وانخفضت قيمتها .

الأصول المالية

رغم أن معظم الاقتصاديين المعاصرين أو كلهم يعرفون أنه لا يوجد سوى الاقتصاد العيني الذي يتعامل في الموارد المادية قادر على إشباع الحاجات البشرية , وأن ما يسمى بالاقتصاد المالي ما هو إلا أدوات مالية وسيطة كالنقود الغرض منها خدمة الاقتصاد العيني , إلا أنهم لا يجدون غضاضة في القول بوجود أصول مالية .

الأصول المالية ليس لها قيمة في حد ذاتها , ولكنها انعكاس لما تعبر عنه في الاقتصاد العيني , كما أنها لا تولد دخولاً بذاتها , ولكنها وسيله مساعدة لتسهيل توليد الدخول من الأصول العينية , ومع هذا يتعامل معها الاقتصاد العالمي باعتبارها قادرة على توليد قيمة بذاتها في انفصام تام بينها وبين الاقتصاد العيني , فمعظم الاستثمارات توجهت للمراهنة في الأصول المالية على حساب إنتاج الأصول العينية, وتضخم حجم المراهنات وتقلص حجم الإنتاج لدرجة أن حجم العقود المالية الآجلة في العالم أصبح 57 ضعف حجم التجارة الدولية وفقاً لتقرير البنك الدولي .

الأصول المالية التقليدية : هي الأوراق المالية وهي إما أن تكون صكوكاً مثبتة لحقوق الملكية كالأسهم التي تعبر عن حق الشريك في صافي الأصول المادية المملوكة للشركة , وإما أن تكون صكوكاً لإثبات المديونية كالسندات , والكمبيالات , وأذون الخزانة , وشهادات الإيداع .

المشتقات المالية : ليست أوراقاً مالية بالمعنى التقليدي كالأسهم والسندات , وإنما هي عملية توليد لأدوات تعاقدية صورية من الأصول المالية لتنفيذ عمليات رهان وقمار تتعلق ببنود خارج الميزانية في موعد لاحق وفقاً لما هو مجدول لها , ويعبر عن هذه الحقيقة بوضوح تعريف المشتقات المالية المقدم من بنك التسويات الدولية التابع لصندوق النقد الدولي , الذي يرد في مضمونه أن المشتقات المالية عقود تتوقف قيمتها على أسعار الأصول المالية محل التعاقد , ولكنها لا تقتضي أو تتطلب استثمار لأصل المال في هذه الأصول , ويكفي تبادل مدفوعات فروقات الأسعار بين طرفي العقد , وأنه ليس من الضروري انتقال ملكية الأصل محل التعاقد .

تأثير الأصول المالية على النشاط الاقتصادي

من المعلوم أن السيولة المالية ضرورية للنشاط الاقتصادي , فاستخدام الأموال المحلية أو الخارجية في الاستثمار المباشر من خلال تأسيس مشاريع إنتاجية وخدمية جديدة , أو تطوير مشاريع قائمة لزيادة طاقتها الإنتاجية , يساهم في عملية التنمية الاقتصادية للمجتمع .

أما تداول السيولة في عمليات صورية قائمة على الرهان والقمار تحت مسمى الاستثمار غير المباشر في الأصول المالية التقليدية أو المشتقات المالية في البورصات المحلية أو العالمية , فإن ذلك يعد اخراجاً للموارد المالية من دائرة النشاط الاقتصادي الإنتاجي إلى النشاط المالي الطفيلي الذي لا يستفيد منه المجتمع , فإذا ما تم خسارة هذه الأموال في البورصات العالمية فإن ذلك يعد إهداراً لهذه الأموال وتدميرا للنشاط الاقتصادي الحقيقي .

مما تقدم يتضح أن ما يسمى بالأصول المالية التي يتم تداولها في العالم ما هي إلا أوراق ومستندات وهمية بشروط تعاقدية , يتم بيعها وشراؤها في سيل من المراهنات الشكلية دون تسليم أو تمليك فعلي للأصول العينية , وهي سبب الأزمة المالية العالمية الراهنة.