You are currently viewing الموازنة العامة والدولة الحضارية

الموازنة العامة والدولة الحضارية

الموازنة العامة والدولة الحضارية :
ا.د. حمزة محمود شمخي


الموازنة وثيقة مالية اقتصادية واجتماعية وسياسية، تضمن البعد القيمي للمجتمع وفق منظور الدولة الحضارية المعاصرة، ومن خلالها تسعى الدولة الى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الظلم الاجتماعي المتمثل بالفقر والجوع وسوء الصحة العامة، وتدهور منظومة التربية والتعليم وانكسار سلوكية المجتمع .كما وتسعى الدولة من خلال الموازنة الى ضمان التنمية المستدامة وفق الأهداف الأممية المعلن عنها من خلال استيعابها للأوجه الثلاثة للتنمية المستدامة وهي:
الرفاهية الاقتصادية.
التنمية الاجتماعية.
والحماية البيئية.
ان هذا البعد القيمي للموازنة يجب ان يكون هدف الحكومة الجديدة في موازنتها فهي المسؤولة عن اعداد موازنة 2022 دون غيرها بعد حصولها على الثقة في (قاعة ذات حرمة عالية المستوى) وتقديمها للتشريع.
تجربتنا في العراق تشير ان الموازنة العامة التي تعدها الإدارة المالية للدولة لازالت ريعية تعتمد في جزئها الاعم على إيرادات النفط مع محدودية تنويع تمويلها بالإيرادات الهائلة الأخرى التي ينعم بها العراق مثل إيرادات المنافذ الحدودية والجمارك والضريبة وغيرها والتي لا يستطيع احد ان يعرف مقدارها ومصادرها وطريقة جبايتها.
وتجربتنا في العراق أيضا ان الجزء الأكبر من تخصيصات الموازنة هي تشغيلية تغطي الرواتب والأجور اذ تقدر الحصة التشغيلية بحدود 85%،مما افقدها أي دور تنموي او تحقيق للعدالة الاجتماعية او ضمان التنمية المستدامة مما زاد في الظلم الاجتماعي على بعض فئات المجتمع.
وتجربتنا في الموازنات العامة انها تجاهلت ما يفكر به الشعب وما يحتاجه فظلت الأمور فوضى في التخطيط المالي والاقتصادي مما أفقد العراق أية فرصة للتباهي برقي اقتصاده واحتضان قوة عمله الهائلة رغم المطالبات المستمرة بتوفير فرص العمل.
وتجربتنا في العراق ان الرئاسات الثلاث تستحوث جزءا كبيرا من تخصيصات الموازنة دون وجه حق.
وتجربتنا أيضا ان الموازنة قبل تشريعها تدخل في مناكفات سياسية وإعلامية تغطي الجزء الأكبر من المحطات الفضائية كل يدلو بدلوه بين مؤيد لها ومعارض سواء في تحديد إيرادات الدولة او تحديد سعر برميل النفط الافتراضي الذي تقدر بموجبه إيرادات النفط او سعر صرف الدينار المعتمد .
وتجربتنا في العراق ان المنهج السياسي للموازنة مرتبك بين ضمان حق الإقليم او تجاوز الإقليم على حقه وبين سلب حقوق المحافظات الأخرى المنتجة للنفط والممولة للموازنة وضمان حصة المحافظات في البتر ودولار.
وتجربتنا في العراق ومنذ عام التغيير 2003 حتى موازنة2021 ان الإدارة المالية للدولة تعتمد على موازنة (البنود)في اعدادها لأنها الاسهل والاقرب الى فهم من يعدها وفهم من ينفذها بل الأقرب الى استغلال المال العام لمن سعى الى ذلك فهي تخصيصات عشوائية لانفاق وحدات قطاع الدولة والإدارة التنفيذية مما يجعل جهد الحكومة في تنفيذ الموازنة رقابي على الصرف دون الاهتمام بالخدمات والاهداف التي حدد الصرف لها. ويقال عن هذه الموازنة بانها موازنة جامدة، وبطبيعتها فهي وسيلة لإهدار المال العام.
وتجربتنا اننا لم نلمس من موازنات السنوات السابقة اي تقدم تنموي فالاقتصاد متعب وراكد واهم قطاعين فيه الزراعة والصناعة يسيران بهامشية واضحة وعيون الكهرباء عمياء، إضافة الى اتساع هوة الفقر والجوع وضعف الصحة وتدهور منظومة التربية والتعليم.
والمعروف ان اعداد الموازنة يعتمد على عدد من النماذج هي: الموازنة التقليدية المعروفة بموازنة البنود، وموازنة البرامج والأداء والموازنة الصفرية. 
نامل من الحكومة الجديدة ان تبتعد عن موازنه (البنود)والاتجاه نحو موازنة (البرامج والأداء)،التي يضمن اعتمادها تحقيق جوانب العدالة الاجتماعية.
وتعتمد موازنة البرامج والأداء على ثلاث عناصر هي(تصنيف العمليات الحكومية حسب البرامج والأنشطة، ووضع مقاييس للاداء،والتقرير عن الأداء)وحسب ما نعتقد ان اعتماد هذا النموذج في اعداد الموازنة سوف يضمن تحقيق بعض برامج التنمية التي تلتزم بها الحكومة
ان موازنة2022 اذا ما اقرت من الحكومة الجديدة، لا قيمة لها اذا لم تضع في أولوياتها الابتعاد عن الاقتصاد الريعي وتنويع مصادر دخل الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وانهاء الظلم الاجتماعي وذلك بالقضاء على الفقر والجوع التي ابتلى بها المجتمع ليشكلان متلازمة اجتماعية شديدة الخطورة والالم، فأثارهما أكثر ألما (للعقل والضمير، وأخطر تأثيرا على الأخلاق والسلوك، وأشد تحطيما للكرامات والنفوس).
ومن أولوياتها أيضا فض الجدل الشعبي بإعادة الهيبة للدينار بإقرار سعر صرفه السابق، وضمان صحة المجتمع وتحسين منظومة التربية والتعليم وضمان حقوق الاجيال القادمة في ثروة بلادهم بأنشاء صندوق الثروة السيادية باستقطاع نسبة من إيرادات النفط لتمويل الصندوق.
ومن أولويات الموازنة المتوقعة الحد من الاسراف والهدر ومعالجة الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة بشكل مخجل.
وان تحقق ذلك فهو تمهيد لبناء الدولة الحضارية.