اهمية المراجع الداخلي داخل المنشأه

أهمية المراجع الداخلي “داخل” المنشأة!

نايف آل خليفة

 

في الوقت الراهن، لا يخفى على كل متابع أو مهتم بأداء ونتائج الشركات الخاضعة لنظام هيئة سوق المال وغيرها من الشركات التي بادرت بتطبيق نظام الحوكمة؛ ما للمراجعة الداخلية من أهمية قصوى في تعزيز نظام الحوكمة، والرفع من مستوى الدور الرقابي، وتزويد الإدارةالتنفيذية بالمخاطر المحتملة، لمعالجتها بعد تقديم الدور الاستشاري في صورة توصيات مقترحة. 

تلك التوصيات المقترحة ستساهم في  معالجة المخاطر وإقفالها بأسلوب احترافي يمنع جزئيًا وقوع تلك المخاطر أو تكرارها. 

شركة “موبايلي” قد تكون أبرز الشواهد على دور وأهمية المراجعة الداخلية؛ مما جعل بعض الشركات المعروفة تتدارك تقارير المراجع الداخلي والتعامل معها بجدية ومهنية قبل أن يقع “الفأس بالرأس” مثل ما وقع مع “موبايلي” مؤخرًا.

في الحقيقة، ليس هذا المقال عن أهمية المراجعة الداخلية ودورها الحيوي في الشركات؛ حيث أن الوعي المتنامي بأهمية المراجعة الداخلية جعل منها معياراً يُقاس من خلاله مدى وعي ونضج بعض رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات في الشركات.

إنما يهدف المقال إلى إجابة سؤال يتواتر دائماً من قبل بعض رؤساء لجان المراجعة الداخلية في الشركات، حول آلية تنفيذ برامج المراجعة الداخلية؛ هل تتم من خلال إنشاء إدارة متخصصة للقيام بمهام وبرامج المراجعة، أو التعاقد مع مكاتب التدقيق والاستشارات أو ما يعرف بـ (Outsource)؟.

قبل الإجابة على هذا السؤال بشقّيه الفني والمالي، أود الإشارة إلى أن تسمية المراجع الداخلي (Internal Auditor) بهذا الأسم يعود بالتأكيد على أن هذا النشاط يتم من خلال فريق خاص داخل المنشأة، حيث أن المراجع الخارجي (External Auditor) يقوم أيضا بعمليات فحص وتدقيق داخل المنشأة، ولكن لم يطلق عليه بالمراجع “الداخلي” مما يؤكد على أن المسميات كذلك لها دلالاتها واعتباراتها في التعاطي مع المهنة بشكل احترافي والاستفادة من مخرجاتها.

للعودة على إجابة السؤال السابق هو أن إنشاء إدارة متخصصة للقيام بمهام وأنشطة المراجعة الداخلية من الناحية الفنية، تعتبر أكثر كفاءة و فعالية من الاستعانة بالمصادر الخارجية. ذلك لكون المراجع الداخلي الذي يعمل في المنشأة لديه معرفة و دراية عميقة بأصناف المخاطر والقدرة على تخمينها. 

إضافة إلى أن ارتباطه المباشر داخل المنشأة؛ يعتبر قيمة مضافة في تفعيل النظام الرقابي الداخلي وبناء تصور متكامل عن فاعلية نظام الحوكمة وإدارة المخاطر والقدرة على تقييم المخاطر الناتجة عن بيئة العمل من خلال معطيات واضحة تتبلور كل يوم أمام تقييمه المستمر للمخاطر، فهو بكل ذلك يستطيع أن يقدم قيمة مضافة وملموسة لدى الجهة المستفيدة من تقارير المراجعة سواءً كانت هذه الجهة هي لجنة المراجعة أو أعلى مسئول في المنشأة.

أما على الجانب المالي فإن المراجع الداخلي أكثر اقتصادياً من خلال تحقيق المنفعة بناءً على التكلفة. حيث أنه تزداد منفعته وتنخفض تكلفته من خلال استمراريته في المنشأة، وتعميق الخبرة و المعرفة بالنظام الداخلي.

هذا السياق يقودني إلى ذكر مثالًا حيويًا،  حيث إن إحدى المنشآت تمكنت من زيادة برامج و أنشطة المراجعة الداخلية إلى أكثر من ٧٠٪ في مدة خمس سنوات، مع انخفاض في التكلفة الناتجة عن انخفاض في عدد المراجعين بنسبة ٣٠٪ تقريباً. هذا الأمر يضاف إلى مدى قدرة المراجعين الداخليين من تنمية مهاراتهم و أدائهم مما يؤدي إلى تحقيق قيمة مضافة من البرامج والمهام التي يقومون بتنفيذها؛ فضلاً عن قيامهم بتقييم مستمر للمخاطر و التي تعتبر تكلفه منفصلة عن البرامج المنفذة من قبل المصادر الخارجية “مكاتب التدقيق والاستشارات“.

أما الجانب الأهم و المرتبط كذلك في إجابة السؤال السابق؛ هو أن كثير من الإدارات التنفيذية تقاوم وجود المراجع الداخلي داخل المنشأة؛ و تمارس التضييق عليه و التأثير كذلك على أصحاب القرار من خلال المحاولة بإقناعهم على الاستعانة بمكاتب وشركات خارجية لتخفيض التكلفة وتحقيق جودة مهنية عالية!

ما السبب وراء ذلك؟

باختصار، بدأت عملية الثقة بمكاتب التدقيق والاستشارات تنفرط منذ الأزمة الأولى التي وقعت بين شركة (إنرون) للطاقة و (أرثر آندرسون) إحدى أكبر خمس مكاتب التدقيق و الاستشارات حول العالم في حينها. 

وبالرغم من صدور دراسات ومعايير تعالج تكرار “السيناريو” الذي حدث بين الشركتين عام 2001م، إلا أن المفاهيم المادية “الرأسمالية”لدى بعض تلك الشركات جعل منها غطاء لتظليل المستفيدين من صبغتهم التأكيدية على صحة وسلامة كثير من القوائم والنتائج المالية المظللة، وذلك بهدف ضمان استمرارية تجديد العقد مع تلك الجهات المتلاعبة. 

وللأسف انتقلت عدوى تلك المكاتب من مسقط رأسها إلى فروعها في شتّى أصقاع الأرض مما أفقد الثقة فيها يوما بعد يوم.

وما تعميم هيئة سوق المال في الأيام الماضية منا ببعيد، حيث حذرت فيه من التعامل مع كل من شركة “ديلوت آند توش – بكر أبو الخير وشركاهم” Deloitte  اعتبارا من 1 يونيو 2015م، كما لا يخفى على الجميع ما جرى في شركة “موبايلي” و المسؤولية التي تقع على شركة التدقيق “برايس ووتر هاوس كوبرز“.

المراد من ذكر ما تقدم بأن جميع التجاوزات التي تمت؛ كانت تتم غالبًا ما بين الإدارة التنفيذية وبين تلك الشركات التي تبحث عن كسب ودهم ورضاهم لتحقيق مصالحها الذاتية حتى في ظل وجود معايير مهنية تضبط استقلالية المراجع فإننا أصبحنا نرى ونسمع عن سطوة بعض الإدارة التنفيذية على إدارات المراجعة الداخلية بعد أن ابتلعوا مراجع الحسابات الخارجي , وهنا للآسف يكمن الخطروتقع الأزمات!