You are currently viewing المجتمع العراقي و مخاطر بروباغاندا الاعلام الاقتصادي في زمن كورونا

المجتمع العراقي و مخاطر بروباغاندا الاعلام الاقتصادي في زمن كورونا


أ.د.طالب حسين فارس الكريطي
استاذ الفكر الاقتصادي / قسم الاقتصاد

يواجه المجتمع العراقي و الانسانية عامة اليوم جائحة خطيرة , فرضت واقعا استثنائيا على كل الصعد , ووضعت شعوب العالم في جبهة واحدة لمواجهة العدو المشترك ، الذي باغت العقل العلمي بكينونة تأبى التعريف المحدد عن نفسها ، و بسلوك فتاك بضحاياه يتحدى المتأهب منهم و المتهاون على حد سواء ، مما اضطر القرية المعولمة الصغيرة ان تتنادى الى التمترس خلف اسوار الاغلاق الجزئي و الكلي للأنشطة الاقتصادية بشكل خاص و كل انشطة الاجتماع الانساني بشكل عام ، و تَحمُل كل ما يترتب على ذلك من اعباء و كلف و اثار ، و انتهاج التباعد الاجتماعي بأشد حالته ، بوصف ذلك نوع من التنظيم الاضطراري لحين امتلاك وسائل المواجهة ، مع عدو اصم ، لكنه مبرمج تكوينيا على الفتك بشكل ممنهج نافذا من ثغرات محددة في نمط الحياة للشعوب المعاصرة و نظمها الصحية و التغذوية .
معطيات المواجهة مع هذه الجائحة ، انتجت ظرفا استثنائيا تميز بوضع الجميع في دور الدفاع و التعبئة لتقليل خسائر المواجهة ، و تمكين ادارة الازمة من اعادة ترتيب مسرح الحياة بما يمنع او يعيق جيش كورونا من المزيد من التقدم ، و في ذات الوقت تستنفر الطاقات العلمية المتاحة للتوفر على السلاح المناسب لإجهاض قدرات العدو التدميرية.
وهنا برزت اهمية البعد الاقتصادي كمتغير اساسي في معطيات المواجهة ، و صار الاهتمام الاساسي منصبا حول المتطلبات الاقتصادية لتأمين ديمومة النشاط الحياتي الانساني تحت ظرف الاغلاق الجزئي او الكلي ، و امام تداعيات متوالية عصية على التنبؤ بمساراتها من حيث طبيعة الوقائع او مداها الزمني الافتراضي ، في خضم هذا الواقع اصبح الامن الاقتصادي الانساني يعتمد الى درجة عالية على الاجراءات الموقفية لإدارة الازمة، بقيد طبيعة النظام الاقتصادي و ما تتيحه من عناصر تمكين لمتخذ القرار الحكومي او المؤسسي او الفردي ، و للإعلام الاقتصادي دورا محوريا في تغذية الحالة الجمعية بالمعلومات المكونة لصورة الاحداث و الوقائع الاقتصادية الحالية او المرتقبة ، هذا الدور المحوري في ظرف التباعد الاجتماعي و تعاظم هامش الواقع الافتراضي ، جعل الاعلام الاقتصادي من اهم فواعل مسرح المواجهة مع جيش كورونا ، فمن خلال الاعلام بمعناه الواسع اصبحت تنظم العلاقة مع الواقع الحقيقي المحدود و الواقع الافتراضي الذي يمثل النافذة التي يطل منها المجتمع المتحصن في المنازل للامن من الجائحة الكورونية .
و الاعلام الاقتصادي بدوره الخطير و المحوري ، يتهدده وباء من نوع خاص به و هو وباء البروباغندا ( Propaganda) ، التي جعلت العديد من مصادر الاعلام الاقتصادي تجنح لمنهج البروباغندا في نشر المعلومات والاخبار و التحليلات عن الاحداث و الوقائع و التطوارت الاقتصادية ، بطريقة موجهة أحادية المنظور عبر توجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص، و اجتزاء المعلومات والامتناع عن تقديمها بصورتها الكاملة، وهي تمارس هذا المنهج بهدف تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لأجندات سياسية عادة ، و البروباغاندا المعاصرة تستغل التقنيات الحديثة للتأثير في الرأي العام وتوجيه أفكار وقرارات الناس السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، وذلك باستخدام تقنيات وأساليب سايكولوجية متنوعة من بينها القولبة والتنميط وتسمية الأشياء بغير مسمياتها وأيضاً إطلاق الشعارات والاعتماد على الأرقام والإحصائيات .
و في العراق كما في فضاء العولمة المتقارب تعد البروباغندا ( Propaganda) من اخطر آفات الاعلام الاقتصادي اليوم التي تفتك بدوره كعنصر قوة في مواجهة وباء كورونا ، و تمثل هذه الظاهرة تحدي اضافي يبطل من مفعول السياسات الاقتصادية و ما يتصل بها من اجراءات تنفيذية موجهة لتلبية متطلبات مواجهة الجائحة ، و لتجاوز الازمة الاقتصادية الناتجة عن الاغلاق ، وتحد بروباغندا الاعلام الاقتصادي من فاعلية القرارات المتخذة لموجهة الازمة بشكل كبير ، و من ابرز القضايا الاقتصادية المتعلقة بأزمة كورونا التي شوهتها بروباغندا الاعلام الاقتصادي في العراق هي :

1) تطورات السوق النفطية و تذبذب اسعار النفط : فقد خلقت بروباغندا الاعلام الاقتصادي تصورات غير موضوعية لدى المتلقي العراقي عن مدى تأثر العراق بتطورات السوق النفطية العالمية و تذبذب اسعار النفط التعاملات الدولية ، فمثلا اتفاق (اوبك+واحد )، بالرغم من انه تطورا ايجابيا في صالح الاقتصاد العراقي الا ان المعطيات التي تداولها الاعلام عن حصة العراق من التخفيض عكست الصورة ، و طبعا الاعلام لم ينقل معطيات لا اصل لها لكنه اغفل الصورة الكاملة عن برنامج التخفيض المتناقص تدريجيا عبر مدى زمني شهري و من ثم يستقر في مدى سنوي قصير الامد ثم يتوقف ، مقابل قوة دفع سعر تدريجي للاعلى يستهدفها الاتفاق ، تحسن من اسعار النفط و ترفع مستوى الايرادات ، و في واقعة الامس القريب عندما ادت المضاربات في الخام الامريكي (نيوماكس) الى انهيار اسعار العقود الاجلة بفعل حيثيات تخص تلك السوق بالذات ، سوق الاعلام ذلك الحدث بأنه انهيار كارثي للسوق النفطية لاكبر اقتصاد في العالم دون ان يبين حقيقة خصوصية هذا الحدث و تأثره غير المباشر المحدود على سعر النفط العالمي و العراقي بوجه خاص .
2) الامن الغذائي و امدادات السوق : ساور الناس في العراق قلق بالغ من قدرة السوق المحلية على الاستمرار بإمدادات كافية تلبي الطلب المستجد من السلع الغذائية و لوازم واجهزة لها علاقة باوضاع الوباء ، و كان مطلوبا من الاعلام ان ينقل بشكل موضوعي و بمعلومات متكاملة وقائع استمرار امدادات التجارة الداخلية و الخارجية ، وحجم رصيد الخزين السلعي لدى شركات تجارة الجملة ، فضلا الخزين الاستراتيجي لدى الدولة .
3) فاعلية نظام التكافل الاجتماعي في دعم الامن الغذائي : نظام التكافل الاجتماعي في المجتمع العراقي هو جزء من التكوين المؤسساتي للنظام الاجتماعي و مستند الى اسس عقائدية و نابع الرؤية الكونية للمجتمع العراقي ، لذلك فهو ركيزة حقيقية في الحماية الاجتماعية للاسر من الصدمات الاقتصادية ، ووقائع التاريخ الاقتصادي المعاصر تشهد على فاعلية هذا النظام في الازمات ، لذلك كان دوره في دعم الامن الغذائي للاسر المتعففة متوقعا في ظل جائحة كورونا ، لكن الاعلام صور هذا الدور على انه فقاعة صورية مما قلل من اثر رسالة الامان الاجتماعي لهذا النظام التي عبرت عنها حملات التكافل .
عافى الله اعلامنا الاقتصادي من وباء البروباغندا ، ليتحلى بالموضوعيةار في نقل الحقيقة الكاملة ، لتمكين المجتمع العراقي من الانتصار الاقتصادي و الصحي في معركة كورونا .