بقلم ا.د.حمزة محمود شمخي
في مقالنا (القيادة الادارية الجافة)المنشور في 2021/1/3،أنهينا المقال ،بجملة لها أهميتها الانسانية(لنتعلم من حكم القرآن الكريم إنسانية العلاقة مع الاخرين عندما تمنحنا الفرص في ان نكون قادة إداريين).ورابط قولنا هذا هو تاكيدنا ان المرؤوس دائما(ينظر لقائده بعين التطلع لانعكاسات معاملته،فالقائد الحكيم يجب أن يعامل مرؤوسه كمساو له وليس بالتعالي وإشعار المرؤسين بالدونية،ويجبرهم على التصنع والنفاق،وفرض سلطته للحد من حرية وخيارات مرءوسيه).
لقد نورنا القرآن الكريم بعدد من الايات،تنظم التعامل بين الناس بالرحمة الإلهية.ولنا في سورة التوبة المباركة توصية الاهية مقدسة لشكل التعامل المطلوب بين الناس تستمد من الحالة العامة للتعامل، ومنها أيضا تستوحي صبغتها وأركانه،ففي الاية109نقرا المنهج الانساني المتكامل للعلاقة ،حيث يقول الله تعالى ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
والاية الكريمة منهج إلاهي وتوصية دقيقة لشكل العلاقة التي يجب ان تسود بين من يقود ومن يقاد من خلال الجمع والتميز بين (العقل والعاطفة، وبين الترغيب والترهيب، بين الإقبال والإعراض بين التوافق والاختلاف) ولذلك وضح القرآن الكريم الأساليب الرحمانية للتعامل الانساني.
لقد توسع الفكر الاداري ولازال في اهتماماته في استعراض المضامين المختلفة لانواع وانماط القيادة الادارية دون غيرها من المرتكزات الاخرى للعملية الادارية،حيث شغلت الكثير من المنظرين وعلماء الادارة ولازالو دون اتفاق جماعي حولها ،وذلك لما للقيادة من اثر مباشر في ضمان مستقبل المنظمة وديمومتها،وبسبب ذلك نجد في الفكر الاداري المعاصر الكثير من الانماط والتقسيمات القيادية تتباين في المسميات وتتوحد في المضمون، غايتها ضمان الاستقرار والرقي لمنظمة الاعمال،ودون ذلك ستكون سببا مباشرا في تردي العمل الاداري وإنهيار المنظمة ولربما زوالها.
وعلى وفق مضامين الفكر الاداري فان القيادة الادارية تركز على ثلاث عمليات رئيسة هي(:
أ) تحديد الاتجاه والرؤية.
ب) حشد القوى تحت هذه الرؤية.
جـ) التحفيز وشحذ الهمم)
كما تقسم القيادة الادارية من وجهة الدوافع الى قيادة إيجابيةpositive leadership وقيادة سلبية negative leadership.وهو تقسيم له مبدعيه ومنظريه.
والقيادة السلبية سلوك ومسعى من خلالها يدفع القائد الاداري(اعضاء منظمته الى العمل باستعمال العنف والشدة،واستخدام الحوافز المعتمدة على الخوف والتهديد) ومن يلجأ الى هذا النمط المخيف والمؤثر هو(القائد المحبط له صفات سلبية على بيئة العمل، فهو يسعي لتثبيت قدمه في المنظمة وتقوية مكانته دون النظر لأي اعتبارات،ولا يعترف بآدمية الناس ولا يراعي إنسانيتهم،ويقرر ويطلب التنفيذ مباشرة دون طلب المشورة ممن حوله،ولا يثق إلا بنفسه، وفى كثير من الأحيان يتحدث بكذب وغلظة وفظاظة،ولا تستغرب أن يدفعك إلى الاستقالة أو يمارس نوعا من التهديد إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو يجبرك بطريقة تعامله معك على الاستقالة، عندما تختلف معه حتى وإن كنت من ذوي الكفاءة في العمل).
القائد السلبي يزيد من اهتمامه بالمرؤوسين من ناحية تخويفهم(افعل ما اطلبه منك)وهو جوهر القيادة السلبية وان يجعل نفسه سيدا عليهم،دون الاهتمام بمستقبل المنظمة وضمان ديمومتها ورقيها.وهي حقيقة تشير الدراسات الى تواجدها في كثير من منظمات الاعمال مما سببت ارباكا في العمل وتوجها نحو عدم رضا المرؤوسين مما حداهم الى ترك المنظمة والابتعاد عن هذا التصرف الذي قد يقود الى مشاكل.
فالقائد السلبي قد ينجح او يفشل في تحقيق اهداف المنظمة،الا انه ينجح بامتباز في خلق الاستياء والتذمر وينجح بامتياز ايضا في خلق الاتهام والتخطيط لهذا الاتهام لبعض المرؤوسين الذين يقفون امام جبروته الشخصي.
ان القيادة الادارية وبغض النظر عن مستواها في هيكل التنظيم في المنظمة هي تكليف وأمانة، وليس تشريفا، وأنها ابتلاء شخصي لا بد لمن يتحملها ان يجتازها بنجاح،وقد ذكرها الله سبحانه في سورة الاحزاب الاية 72(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا).فكل اداء يكلف به الانسان امانة،فالواجب أداؤها بطيب نفس وإخلاص والرغبة فيما عند الله.
اذا كنت تعمل في بيئة سلبية (كن قويا في مواقع الضعف، وصالحا في أماكن الفساد،وحليما في مواطن الغضب،وصادقا في مواطن الكذب،وشريفا في حالات الابتزاز،وكريما عند دواعي البخل).
وكما يقول توماس جيفرسون( كلما وضع الإنسان المناصب نصب عينيه، يبدأ الفساد في سلوكه).
ان اجمل منظمة ،ممكن ان تعمل فيها وتضمن الرضا هي تلك التي لايديرها السلبين.