القيادة الإدارية الأخلاقية (6): التنمر الإداري
ا.د.حمزة محمود شمخي
يعد التنمر ظاهرة سلوكية ونفسية معقدة تسببها عوامل عديدة تصنع من الفرد ذاته او تصيبه ،وفي كلا الحالتين فهي مسببة لأوجاع سلوكية ونفسية مزعجة وقد تكون قاتلة، و هذه الظاهرة التي اتسمت بالزيادة المفرطة في السنوات الأخيرة، اصابت جميع المجتمعات في العالم واصابت الجميع صغارا وكبارا، ويشار ان اكثر المصابين بالتنمر هم فئة الشباب وطلبة المدارس مما حدا بالمنظمة الدولية والكثير من الدول ان تضع قواعد لمعالجتها وعقابية للحد منها.
وفي استطلاع أجرته الأمم المتحدة بين الشباب، ذكر 20 % أنهم اضطروا لعدم الذهاب إلى المدرسة بسبب التنمر، كما أن واحداً من بين كل 3 شبان تعرض للتنمر عبر الإنترنت، وذلك في 30 دولة شملها الاستطلاع الذي يعود لنحو عامين.
وحسب موقع المنظمة فإن ما يصل إلى 7 من كل 10 شباب قد تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت في مرحلة ما، وفقاً لأبحاث تعود لسنوات سابقة، كما أن واحداً من كل 3 ضحايا للتنمر قد تعرض لأذى ذاتي من جراء ذلك، وأقدم 1 من كل 10 على محاولة الانتحار.
تعرف اليونيسف التنمّر bullying بكونه(سلوكاً متكرراً يهدف إلى تخويف الأشخاص المستهدفين أو إغضابهم أو التشهير بهم).
وينتج هذا السلوك عن(حب الذات والعدوانية تجاه الآخر. ويعني استخدام القوة، أو التهديد، أو الإكراه وسوء المعاملة، أو الترهيب أو الهيمنة العدوانية على الآخرين).وحب الذات والعدوانية انما هي مسببات تعود إلى النزعات الاجتماعية الخفية للأحكام المسبقة والتمييز.
ورغم ان التنمر مرض عصري يصيب الافراد من مختلف الاجناس والاعمار، الا ان هناك تنمر(أقسى وأعنف وقد يكون أشرس) هو التنمر الإداري او التنمر في مكان العمل او الوظيفي، حيث يمارسه القائد الإداري على مرؤوسيه في منظمة الاعمال لأسباب سلوكية وذاتية، والتي انتشر اثره في الفترة الأخيرة بشكل مضطرد خصوصا بعد جائحة كورونا.
ان اول استخدام للتنمر الإداري او التنمر في مكان العمل ظهر في كتاب المبدعةAndrea Adams
عام 1992(التنمر في العمل: كيفية مواجهته والتغلب عليه
Bullying at Work: How to Confront and Overcome it)
وعلى وفق نظرتها للتنمر الإداري فهو (ميل الأفراد أو الجماعات لاستخدام سلوك عدواني بشكل مستمر ضد زميل في العمل أو مدراء ضد مرؤوسيهم)وهذا السلوك العدواني يمكن أن يأخذ شكل التنمر اللفظي او الجسدي او الاجتماعي او على الانترنيت او الجنسي او العرقي وهي الأنواع الشائعة له.
وتشير الدراسات الحديثة ان التنمر الإداري تحول الى ظاهرة بسبب انتشار السلوك العدواني في الممارسات الإدارية لكثير من القادة الإداريين تجاه المرؤوسين في منظمات الاعمال، حيث يستغل القائد سلطته القيادية باعتباره راس الهرم السلطوي ويمارسها للاستهداف الشخصي او الإساءة لاحد افراد التنظيم او ظلمه بدون وجه حق، وهو سلوك اداري يوصف بأنه أخطر أنواع الفساد الإداري. وقد ساعد ذلك في تحول بيئات عمل منظمات الاعمال إلى بيئات مرتبكة غير متجانسة ومتعبة للمرؤوسين وطاردة لهم بسبب سلوك القائد الإداري وانغماسه بأعمال عبثية وممارسات غير إدارية (لا تمت بصلة للإدارة الصالحة، وضرر ذلك لا يتوقف عند المرؤوس نفسه بل يشمل منظومة العمل بأكملها وقد يقودها للانهيار أو الفشل).
ان التنمر الإداري وليد عملية الاستبداد في (ممارسة السلطة الإدارية ،ويتحقق ذلك من خلال الظلم الواقع على الافراد، وتعمد استهداف نوعيات معينة من العاملين، وأيضا الاستبداد في عملية الإدارة، والديكتاتورية في صناعة واتخاذ القرار بشكل فردي وأحادي).
وبهذا الوصف فالتنمر الإداري كونه( ظاهرة خفية وعلنية، كامنة خلف ركام العمل الإداري ومتخفية في العديد من مظاهره، وهي نوع من أخطر أنواع الأمراض الإدارية)التي تصيب العاملين.
وترجع أسباب التنمر الإداري الى مركب النقص الذي يحيط بسلوك القائد الإداري وتأريخه المؤذي وتناقض شخصيته وارتباكها و(سلوكه العنيف والتي يتوقع من العاملين تحملها على الدوام في سبيل البقاء في العمل)ويتحقق ذلك بسبب جهل العامل بحقوقهِ المتاحة له ضمن القانون داخل منظمة العمل وغياب القانون الملزم بحفظ حقوق المرؤوس وعدم الاعتداء عليه.
ان التنمر الإداري هو نتاج القيادة السلبية، غير الأخلاقية، وهو نوع من العدوان الذي يمارسه بعض القادة مع العاملين في المنظمة .
ويتسم أسلوب التنمر بالهجوم والعدوان تجاه موظف أو مجموعة من الموظفين حيث يستخدم القائد الإداري أسلوب التنمر رغم أن حجم الخطأ لا يتناسب مع ما يقوم به من ردود فعل قوية تجاه من ارتكب الخطأ).
وفق ما تقدم تظل القيادة الإدارية الأخلاقية البعيدة عن صنع التنمر جوهر العمل الإداري، والتي تمارس بتشبع القائد الإداري بقوى الاخلاق وان يمارسها بدافع قيمي ومعرفي وسلوكي خلاق، لان الأخلاق هي قلب القيادة الإدارية وفنها وجوهر عملها، والسمة أن يكون القائد شخصا أخلاقيا بعيدا عن تنمر المرؤوسين.
التنمر الإداري نتاج سلوك قيادي غير أخلاقي.