الاستثمار الأجنبي المباشر في بلدان آسيوية مختارة مع الإشارة إلى الفرص المتاحة في العراق
رسالة مقدمة
إلى
مجلس كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة كربلاء وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية
من قبل الطالب
عادل عيسى كاظم الوزني
بإشراف الأستاذ المساعد الدكتور هاشم الشمري
شهد الاقتصاد العالمي في أخريات القرن العشرين تزايد الاهتمام بموضوع الاستثمارات الأجنبية لأنها تعد الظاهرة الأكثر قوة وفاعلية في العلاقات الاقتصادية الدولية ولاسيما الاستثمارات الأجنبية المباشرة متمثلة بالشركات العابرة القومية , اذ أصبح لها دور كبير في مفاصل الاقتصاد العالمي كلها الذي يعكس الامكانات والمزايا الكبيرة التي تتمتع بها تلكم الشركات سواءً المالية ام التسويقية مروراً بالتكنلوجية وصولاً الى الاعلامية , وهذا الدور المتعاظم للشركات العابرة القومية جاء بعد موجة الاندماجات الكبيرة ناهيك عن التحالفات الاستراتيجية التي تتم فيما بين تلك الشركات , التي دفعت بقوة الى زيادة قدرتها التأثيرية في الاقتصاد العالمي لتتوافر في ظلها امكانات لبعض الشركات تفوق الامكانات المتاحة لبلدان قائمة بذاتها ليكون نتاج ذلك ان اصبحت تلكم الشركات احد الفواعل الرئيسية وأضحت كيانات تعمل على رسم مسار الاحداث الدولية وتوجيهها .
كان لتداعيات الأنموذج الاشتراكي وشيوع ظاهرة تبني اقتصاد السوق الحر ممكنات لزيادة مرونة حركة هذه الشركات وتحررها من القيود التي فرضتها النظم الوطنية ما قبل التحررية الاقتصادية أصبح بمقدورها ان تفرض نفسها ومعاييرها وشروطها من خلال تعميم الأنماط المتوائمة مع مصالحها بجوانبها المختلفة ( الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية .. الخ ) لتمتد الى الجوانب السياسية وحتى العسكرية .
وعليه أضحت الشركات موضع اهتمام العديد من البلدان النامية لكونها تعد المصدر الرئيس للتمويل الدولي وللحصول على التكنلوجيا المتقدمة وبدأ كثير من البلدان النامية تتسابق فيما بينها لأجراء تغيرات جذرية في قوانينها ونظمها من اجل توفير البيئة الجاذبة لتلك الاستثمارات الأجنبية وان العراق بوصفه بلدا من البلدان النامية كان يتبنى نهجاً قائماً على رفض الاستثمارات الأجنبية , الا ان التغيرات التي حصلت في طبيعة النظام السياسي في نيسان ( 2003 ) ترك تداعيات تمثلت بالتحول نحو اقتصاد السوق الحر وتبني فروض منظمة التجارة الدولية حيث منح العراق صفة مراقب في المنظمة وحددت نهاية عام (2007 ) للحصول على العضوية الكاملة في المنظمة باشتراط تطبيق برامج الإصلاحات الاقتصادية في ضوء توجيهات المؤسسات الاقتصادية الدولية وبرامج لإعادة جدولة ديونه في نادي باريس وكل تلك التطورات تفرض مسألة تعامل العراق مع الشركات الأجنبية , وبالفعل بدأ العراق بتغير جذري لبيئته القانونية التي كانت تحد من دخول الاستثمارات الأجنبية , فأصدر عددا من القوانين الخاصة التي تخدم استقدام الاستثمارات الأجنبية والشركات فضلا عن إنها تهيئ لها بيئة جاذبة .
لذا يمكن القول ان العراق يمر بمرحلة تاريخية دقيقة تستدعي التوقف والتأمل والمراجعة لما ينبغي عمله , إذ يعيش مرحلة التكون الجديد ومن الطبيعي يلف هذه المرحلة كثير من الجدل والاختلاف بشأن تحديد طبيعة المرحلة القادمة من مستقبل العراق سواء الاقتصادي او السياسي وهو في مواجهة التغيرات الجديدة سواء على المستوى الداخلي وما ينطوي عليه من تغيرات تمثل مدخلات ستتفاعل مع متغيرات البيئة الخارجية التي من اهمها الاستثمارات الاجنبية ومنظمة التجارة الدولية وبرامج الاصلاح الاقتصادي التي يمكن عدّها مدخلات مضافة ستسهم في افراز مخرجات يكون لها اثر كبير في رسم المسار المستقبلي وتوجيهه للعراق ودوره في البيئة الاقتصادية الدولية .
والعراق الجديد بتراكماته القديمة الناتجة عن نمط السياسات المعتمدة وظروف الحصار الاقتصادي يحاول ان يتخطى مرحلة الانغلاق والعزلة إلى مرحلة الانفتاح والتحول نحو اقتصاد السوق الحر وهذه المرحلة ينبغي ان تكون مقرونة بسلسلة من السياسات الاقتصادية التي تؤمن له التحول والانتقال التدريجي السليم , مما يتطلب التفاعل مع التطورات الجديدة خاصة في مجال التطور التكنلوجي اذ لا يمكن للعراق ان يبقى بعيداً عن حركة التطورات الدولية ولا يمكن ان يبقى منغلقاً على ذاته , اذ لا بد من تفاعل ايجابي مع التطورات والمتغيرات الاقتصادية الدولية بما يقلل من السلبيات ويعظم الايجابيات التي تفرزها المرحلة . وهنا تأتي الاستثمارات الأجنبية بوصفها احد اهم التطورات في الاقتصاد العالمي , اذ لا يمكن ان يبقى العراق بمعزل عن التعامل الايجابي مع الشركات العبر قومية وان يستغل الوضع الدولي المتهيأ له من اجل النهوض بعملية التنمية المستقبلية وان يوظف حالة الدعم الأمريكي على انه عامل مساعد لدعم الجهود الذاتية كما فعلت اليابان سابقاً من اجل تحقيق تنمية حقيقية في العراق .
لكن تجدر الإشارة الى ان مصالح الاستثمارات الأجنبية والشركات ليست متوافقة ومتطابقة مع مصالح واهداف التنمية في العراق بشكل دائم بل هي في حالة تقاطع احياناً , مما يستوجب التعامل معها ببعد استراتيجي يستظل بمبدأ الاعتماد المتبادل بين المركز والمحيط , أي من الضروري وضع خطوات عملية تؤمن عملية التعامل الايجابي معها , فلا يكون تعاملنا معها تعاملاً عشوائياً ومطلقاً , ويجب ان نبلور رؤية وإدراكاً مفاده حتمية التعامل مع سياسات الانفتاح الاقتصادي وما تنطوي عليه من دخول الشركات الاجنبية من جهة والعمل بها لا يؤدي الى الإخلال بجوهر عملية التحول والتنمية الصحيحة على وفق مصالح التنمية العراقية ورؤاها وليس على وفق مصالح المؤسسات الدولية والشركات العابرة القومية ورؤاها.