متطلبات تعزيز القدرة التنافسية لموانئ العراق
رسالة مقدمة الى
مجلس كلية الادارة والاقتصاد – جامعة كربلاء
وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية
من قبل الطالب
جعفر عبد الأمير عزيز الحسيني
بإشراف
الأستاذ المساعد الدكتور عبد الحسين محمد العنبكي الأستاذ الدكتور هاشم مرزوك الشمري
للعراق السبق في إقامة ميناء بحري على سواحل الخليج العربي منذ عام 1919 , واستمرت بالتوسع ومواكبة التطورات في هذا المجال حتى نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي , وكانت تعكس طبيعة أنظمة الانتاج والأسواق والتكنولوجيا المستخدمة في تلك المرحلة . إلا أن انشغال العراق بعدة حروب منذ مطلع الثمانينات قد ألقى بظلاله على نشاط تلك الموانئ لتعيش حالة من السبات دامت زهاء ثلاث عقود , عانت فيها الدمار والإهمال ومخلفات تلك الحروب. في المقابل فإن تلك الحقبة كان قد شهد فيها العالم تنامي مفاهيم العولمة واحتدام المنافسة التجارية العالمية , فاستحدثت أنظمة الانتاج المتكاملة التي تعتمد سلسلة التوريد والإمداد (اللوجستيك Logistics) والتي تطلبت توافقاً وتناغماً بين أطراف تلك السلسلة , فبرز النقل باعتباره قلب المنظومة اللوجستية , وكان لظهور ثورة المعلومات والاتصالات ونظام التحوية ونظام النقل متعدد الوسائط دوراً في وصل وإحكام الحلقات المكونة لتلك المنظومة , فنالت أنماط النقل المختلفة , في ظل مواكبتها لتلك الأنظمة الحديثة للإنتاج , حظاً وافراً من ذلك التطوير, ولما كان نمط النقل البحري يضطلع بنقل معظم التجارة العالمية , لذا كان من الطبيعي والمنطقي أن تكون له الأسبقية في ذلك , وتجسد هذا التطوير بالقفزات النوعية والكمية التي شهدتها كل من وسائل النقل البحري والموانئ خلال تلك الحقبة , فتمخض عن ذلك ولادة بيئة تنافسية عالمية ذات معالم جديدة , مما تطلب تأطيرها بنظم دولية تكفلت بها الهيئات والمنظمات العالمية التي أسست لهذا الغرض.
وفي ظل هذا الواقع , إذ ظهرت الأجيال الجديدة من الموانئ لتبلغ الجيل الخامس , تطور فيها مفهوم الميناء من اعتباره مدخل (Port gate) إلى مركز للإمداد , فتطورت فيها وظائف الميناء وخصائصه , وترتب على ذلك تغير جذري في أنظمة وأساليب إدارته , وظهور أجيال جديدة من المعدات المتطورة التي تحاكي الأجيال الجديدة من السفن , فقد أصبحت السرعة والدقة وخفض التكاليف هدفا للأجيال الجديدة من الموانئ , وعلى أساسها تقوم المنافسة فيما بينها , واتخذت من أتمتة مرافق الميناء المختلفة وتطبيقها لاقتصاديات الحجم الكبير وسيلةً لتحقيق ذلك الهدف , وقد وفر لها ذلك إمكانية اختصار الزمن وتقليل الأخطاء وزيادة الانتاجية ومنحنها القدرة على التخطيط الدقيق للمستقبل.
وظلت موانئ العراق إزاء كل ذلك في تقهقر مستمر حتى أنها أضحت عاجزة عن أداء وظائفها كموانئ من الجيل الأول , مما حدى بالعراق إلى استخدام الموانئ المجاورة والقريبة لأغراض تجارته الخارجية , كما أفقده تخلف تلك الموانئ إمكانية الاستفادة من موقعه الجغرافي لنقل التجارة المتنامية بين الغرب المتقدم واقتصادات الشرق الصاعدة .
وتمثل الموانئ لاقتصاد العراق أهمية استراتيجية لخصوصية المرحلة الحالية , فمن ناحية يمر العراق بحالة تحول اقتصادي نحو الاقتصاد الحر , وهو يسير لإنجاز ذلك بخطى مترددة وفي طريق غير واضح المعالم . لذا فإن إنعاش الموانئ سيوفر بيئة ملائمة لإنشاء مناطق حرة عالمية تكون على شكل دويلات اقتصادية تطبق أنماط متطورة من الاقتصاد الحر بشكل متكامل , تسهُل دراستها وتقييم نتائجها , ومن ثم تكرار الناجح منها , ليتم سحبها بشكل تدريجي على أنحاء الاقتصاد العراقي ككل . فتكون عملية التحول قد تمت بأقل ما يمكن من الوقت والخسائر.
ومن ناحية أخرى يعاني العراق من تهالك جهازه الانتاجي , واعتماده شبه الكامل على عوائد تصدير النفط كمصدر للدخل , وبالتالي فهو يعمد إلى سد احتياجاته عبر الاستيراد من السوق الخارجية , مما ترتب على ذلك بروز مشاكل اقتصادية جمة . لذا يسعى العراق جاهداً لبناء جهازه الانتاجي ورفع قدرته التنافسية أملاً في إيجاد مصادر جديدة للدخل والتخفيف من حدة المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد.
هنا يمكن أن يكون للموانئ دوراً فاعلاً لتحقيق هذا الغرض , ففضلاً عما يمكن أن تسهم به الموانئ بخلق مصادر جديدة مباشرة ومستدامة للدخل , فإن وجود موانئ متطورة منخفضة التكاليف وعالية السرعة وتتوفر فيها شروط السلامة والأمان , وما ستوفره من بيئة ملائمة لإقامة المناطق الحرة , ستؤدي إلى ازدهار الحركة التجارية والصناعية واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر. الأمر الذي سيكون له دور فاعل في بناء الجهاز الانتاجي , فمن جانب سيؤدي ذلك إلى استقدام التكنولوجيا المتطورة وتطوير عامل الذكاء الصناعي واكتشاف أساليب الادارة والتسويق الحديثة بفعل ذلك الاستثمار , وتنشيط حركة القطاعات الاقتصادية الاخرى عبر التشابكات الأمامية والخلفية , كما ستتمكن تلك الاستثمارات من تلبية جانب من الطلب الاستهلاكي والاستثماري المحلي بأسعار أقل عوضاً عن الاستيراد . ومن جانب آخر سيؤدي تقليص وقت وتكاليف النقل إلى المساعدة في تسريع عملية إعادة إعمار العراق , سيما البنى التحتية , وكذلك تخفيض أسعار مستلزمات الانتاج التي تدخل في العملية الانتاجية , وتكاليف التسويق مما يسهل عملية وصول منتجات العراق إلى الأسواق الخارجية , وبعبارة أخرى تعزيز قدرتها التنافسية .
إن هذه الأهمية الإستراتيجية والحساسة لموانئ العراق وما يمكن أن تؤديه من دور في تعافي الاقتصاد العراقي وفي هذا الظرف الاقتصادي الخاص , هو الذي دعا الباحث إلى الخوض في إمكانية تعزيز قدرتها التنافسية ودراسة المتطلبات اللازمة لتحقيق ذلك , وقد شرع الباحث في دراسة هذا الموضوع وهو على إدراك تام للصعوبات التي ستعترضه بسبب الافتقار شبه التام للمصادر والبيانات التي تتطلبها هذه الدراسة , إذ تفتقر موانئ العراق لأنظمة حديثة للحسابات , كما لا يتم تقييم أداءها بموجب المعاير الاقتصادية كما هو عليه الحال في سائر الموانئ . لكن الباحث قد عقد العزم على المضي قدماً مستعيناً بالله تعالى , ومتغاضياً عن كل التحذيرات من احتمالات الوصول إلى طريق مسدود , إذ لم يجد بداً من ذلك لما لمسه من غبن واضح بحق موانئ العراق في مجال البحوث والدراسات الأكاديمية والتطبيقية وأهمية القيام بذلك في هذا الوقت بالذات . وبتوفيق منه تعالى فقد تم تناول هذه الدراسة إذ تم تحديد كل من مشكلة الدراسة وفرضيتها والهدف منها كالآتي : –