القيادة المستدامة وإستدامة القيادة:
ا.د.حمزة محمود شمخي
عندما ظهر التوجه المستدام للتنمية الذي اقرته الامم المتحدة عام (1992) وأوصت به كمنهج عمل والتزام دولي بإعلان عام 2015، توجهت غالبية الدول تنشد (التنمية المستدامة) لضمان ظروف معيشة أفضل لجميع الافراد دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما (يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل).
وبذلك جرت التنمية المستدامة في ثلاثة مجالات رئيسة هي (النمو الاقتصادي، وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة، والتنمية الاجتماعية).
هذا التوجه الأممي تطلب من منظمات اعمال ان تكون صديقة للبيئة، منظمات مستدامة هدفها (المحافظة على الموارد البشرية والمادية والطبيعية، منظمات ذو توجه نحو تنمية مجتمعية حقيقية، فتناقص الموارد الطبيعية، والتلوث البيئي، وعدم المساواة الاجتماعية في العديد من بلدان العالم، حتم ذلك كله توجيه الانشطة بطريقة فاعله).
ولكي يتحقق ذلك فإن المجتمعات بجميع منظماتها بحاجة الى نمط جديد من أنماط القيادة يؤمن باستدامة التنمية، (نمط يؤمن بحق الاجيال القادمة في نصيبها من الموارد الطبيعية وحقها في استغلالها بما يتوافق مع احتياجاتها ومتطلباتها) قيادة تتسم بالاستدامة، ولهذا ظهر مفهوم القيادة المستدامة كنمط قيادي في الفكر الاداري المعاصر، فالاستدامة منهج (وذراعها القيادة المستدامة). تلك القيادة التي تؤمن بالمسؤولية والمشاركة الفعالة لمختلف القوى المؤثرة في المنظمة والحفاظ على (مواردها البشرية والمادية والطبيعية وعدم استنزافها بدون مبرر والابتعاد عن الممارسات الضارة على كل من المنظمات والمجتمع والاهتمام بالتنوع التنظيمي الذى يقوي ويعزز تألق وامتزاج الافكار الجيدة والممارسات الناجحة).
والقيادة المستدامة Sustainable Leadership هي ممارسات القائد الاداري (لإلهام المرؤوسين ودعم العمل نحو مستوى أفضل، وذلك من خلال تبني طرق جديدة واستخدام حلول مبتكرة ومستدامة لحل المشاكل وتحسين النتائج وإحداث تغيير عميق).
وتعرف ايضا بانها (القيادة الملهمة والداعمة لكافة الآليات الاحترافية والاستدامة الفاعلة من أجل مستقبل أفضل من خلال الرؤى الاستراتيجية والتفكير المنظومي واليات التفاعل بما يؤدي حلول مبتكر ومستدامة) في منظمة الاعمال.
ويعرف معهد القيادة المستدامة القادة المستدامين بأنهم (أشخاص جبلوا على صناعة الفرق عن طريق زيادة وعيهم لطبيعة أنفسهم فيما يخص علاقتهم بالعالم حولهم. وهم يتبنون أساليب جديدة في النظر والتفكير والتفاعل وهي أساليب تؤدي الى الحلول المبتكرة والمستدامة).
وينظر للقائد المستدام بأنه (القائد الذي يلهم ويدعم مرؤوسيه على العمل لجعل العالم أفضل). وكل ذلك يمكن تحقيقه من تعميق ابعاد هذا النمط القيادي المستدام وهي (التنوع لتعزيز الإبداع، والعدالة التنظيمية، وتطوير العاملين، والتوازن بين حياة العمل والحياة الشخصية). ومثل هذه الابعاد تشكل ذراع القيادة لضمان مستقبل المنظمة والعاملين فيها، منعا للارتجال الاداري الذي يعمل في ظله من هو جاهل اداريا وقياديا ويتبع السلبية والقرارات المرتجلة التي لا تضمن سوى النفور والتردي في العمل.
أن القائد المستدام هو القائد الذي يؤمن أن لمنظمته (دور أبعد من مجرد تحقيق مكاسب آنية قصيرة الاجل، حيث يقوم بوضع استراتيجيات الاعمال وتنفيذ الانشطة، ويتأكد من أن نتائج الاعمال تحقق وتلبي الاحتياجات المجتمعية الثلاث (الاقتصادية والبيئية والاجتماعية) والتي تمثل الابعاد الاساسية للتنمية المستدامة.
في بعض الاحيان قد (تحترم إنسانا دون ان تحبه، او تحب إنسانا دون ان تحترمه)، وهي ثنائية الاستدامة لأي قائد اداري، وان فقد اي من الحب او الاحترام بسبب ضعفه او كذبه او ريائه فقدت القيادة هدفها في تحقيق الرضا للمرؤوسين وفقدت النجاح.
وعندما (يندمج) حب المرؤوسين واحترامهم للقائد يتمكن من صنع (إلهام المرؤوسين واكتساب ثقتهم وإتباع خطواتهم). وأهم شيء لهؤلاء القادة انهم يحصلون على اقصى دعم من تابعيهم خاصة في أوقات الشدة.
ان القيادة المستدامة سلوك قيادي جديد لم يدرك اسلوب ممارسته الكثير من القادة الاداريين، وهي الابتعاد عن الكذب والرياء وظلم المرؤوسين بدون حق، لذلك إذا أردت أن تصبح قائد مستدام عليك باستدامة القيادة من خلال التركيز في ان تنال حب واحترام المرؤوسين وان تضمن حقوقهم وتبتعد عن ظلمهم وسوف يفهم هؤلاء ان عدم رضا المرؤوسين هو ظلم لا يرضاه الله وسيشاهد القائد الاداري بعينه نقمة ذلك التصرف، ان آجلا ام عاجلا.
في القرآن الكريم ورد صنفان للقادة فمنهم قادة (يدعون إلى الخير ويمتثلون المنهج الإلهي) وغق قوله تعالى
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (الأنبياء، 73).
وصنف (يضلون اتباعهم، ويهلكونهم، ويحلونهم دار البوار)
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} (ابراهيم،28).
لا تظلم احدا، لكيلا يؤلمك دعاؤه.