نظرة قانونية لحالات العنف الاسري في العراق

الدكتور حيدر عبد الرضا الظالمي

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}، (سورة الروم: 21)
تعد الأسرة، المؤسسة الإجتماعية المهمة التي تنشأ نتيجة شراكة بين الرجل والمرأة وقد عرفت المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية العراقي، الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة، تحل له شرعاً، غايته إنشاء الحياة الزوجية المشتركة والنسل، وفي المادة (38) من القانون المدني العراقي، جاءت لتبين أن أسرة الشخص تتكون من ذوي قرباه، ويعد من ذوي القربى من يجمعهم أصل مشترك، وكذلك انسجاماً مع ما جاء من نصوص دستورية تتعلق بحقوق المرأة والأسرة، في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، فقد نصت المواد (14،15،29،30) باعتبار الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمتها الدينية والأخلاقية وتعطي الفرد الحق في الحياة والأمن والحرية وتمنع كافة أشكال العنف والتعسف والتمييز بكل أشكاله، وتماشياً مع المعاهدات والإتفاقيات التي انضم اليها العراق والتي تتعلق بهذا الشأن، ولخصوصية الأسرة والمرأة والطفل، وبما يتلاءم مع حقوق الإنسان والمعايير والمواثيق الدولية بهذا الخصوص. سعت القوانين المتعلقة بالأسرة إلى حمايتها من أشكال التعسف والعنف، لأن الأسرة تساهم بشكل فاعل في تحقيق الأمن الإجتماعي واستمرار الحياة الإجتماعية في البلد، فكلما كانت الأسرة قائمة على أساس متين بعيدة عن التفكك، كلما كان المجتمع أكثر تماسكاً لأنها تمثل خط الدفاع الأول ضد حالات تمزق المجتمع وانحرافه.
وتعد ظاهرة العنف الأسري من الظواهر الخطيرة التي تعترض حياة الأسرة، وهي ظاهرة قديمة قدم الإنسان، إلا أن اشكاله ومظاهره تطورت وتنوعت، فمنها العنف ضد المرأة والعنف ضد الأطفال والعنف ضد المسنين، العنف الأسري: هو نمط من انماط السلوك الذي يتضمن إيذاء الآخرين ويكون مصحوباً بالإنفعالات القوية، ويسبب الضرر النفسي والجسدي بالآخرين من أفراد الأسرة، وتعد من أهم العوامل الرئيسية للعنف الأسري، هي ضعف الوازع الديني وسوء الفهم وسوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة وسوء الإختيار بين الزوجين والظروف المعيشية الصعبة كالفقر والبطالة.
هذه العوامل جميعها وغيرها من العوامل الأخرى تدفع الزوج أو الزوجة إلى إرتكاب العنف ضد أعضاء الأسرة الواحدة، وقد أوجدت العديد من الدول ضمن منظومتها القانونية نصوصاً تتعلق بمعالجة حالات العنف الأسري ومنع وقوعها وبحث الحلول الإصلاحية بعد وقوعها، وهناك من الدول من ذهب إلى أبعد من ذلك، حين أصدرت قوانين خاصة بحماية الأسرة ومعالجة حالات العنف الأسري والحد منها، أما في العراق صدر قانون العنف الأسري في إقليم كردستان رقم (8) لسنة 2011 الخاص بمناهضة العنف الأسري، ويجرم القانون (13) حالة من حالات الإعتداء الأسري واستقلال المرأة، أما على مستوى القوانين الاتحادية فلا يوجد قانون خاص بمناهضة العنف ضد الأسرة، بل عالجت بعض القوانين كقانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، وكذلك قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 وقانون رعاية الأحداث رقد (76) لسنة 1983 وبعض القوانين الأخرى، ولكن لم تصل هذه النصوص إلى معالجة شاملة وكاملة لحالات العنف الأسري في المجتمع العراقي الذي يعاني من حالات العنف بشكل متزايد، ونأمل من المشرع العراقي الإسراع بإقرار مشروع قانون حماية الأسرة المعروض في أروقة البرلمان للمناقشة، ونتمنى أن يلم بحالات العنف وصوره وأن يشمل ليس فقط العنف ضد الزوجة أو المرأة بل لابد أن يشمل الزوج والأبناء والآباء والأمهات والجميع ممن يكونون أفراد الأسرة، لكي يكون هناك تناسب في الحقوق والتوازن في العقوبات، وهذا يجعل الطرفين في حالة توازن مستمر مبتعدين عن حالات الاستغلال للآخر، لأن ميلان القانون لجهة الزوج أو الزوجة يجعل منه أداة أو وسيلة للتمرد على الآخر وبالتالي تهديم الأسرة وانفكاك الحياة الزوجية. ولنا في الإسلام أسوة حسنة، هـــــذه الشريعة الغــــــــــــراء العظيمة التي لا تبخس حق الزوجــــة أو الــــــــزوج عــــلى الســــواء، فقد وازنت بينهما كلٌ حسب موقعه ووظيفته، فقد وازنت بينهم موازنة عجيبة تعجز عنها عقول البشر فلم تسمح لأحد باستغلال حقوقه ضد الآخر، ونأمل من المشرع العراقي أن يأخذ من عذب مائها الصافي وأن يضمن نصوصه هذه الأحكام الغراء.
وحسناً فعلت وزارة الداخلية العراقية في عام 2010 بناءً على توصية اللجنة العليا لحماية الأسرة المشَكلة بموجب الأمر الديواني رقم (80) في 2009 الصادر من مجلس الوزراء باستحداث مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري، حيث أصبحت هذه المديرية إحدى تشكيلات وزارة الداخلية ونظم مقر المديرية (16) قسماً (اثنان) منها في بغداد الكرخ والرصافة وقسم في كل محافظة وتختص هذه المديرية بقضايا العنف الأسري، وهو الإعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الفكري أو الإقتصادي الذي يرتكب أو يهدد بارتكابه من أي فرد من أفراد الأسرة ضد الآخر ويكون أما (جنحة أو جناية او مخالفة) وقفاً للقانون.
وتمارس مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري عدة أمور:
أولاً- حماية أفراد الأسرة وخصوصاً في حماية النساء والأطفال من كافة أشكال العنف الأسري.
ثانياً- التعاون مع الوزارات ومنظمات المجتمع المدني للحد من ظاهرة العنف الأسري.
ثالثاً- إنشاء قاعدة بيانات مركزية لحالات العنف الأسري.
رابعاً- تأسيس شبكة اتصالات مع المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتبادل الخبرات وتقديم البحوث والدراسات بهذا الخصوص.
خامساً- التواصل مع الدول المتقدمة في هذا المجال من خلال الزيارات الميدانية والورش والتدريب لاكتساب الخبرات للحد من ظاهرة العنف الأسري.
توعية أفراد المجتمع عبر وسائل الإعلام حول ضرورة حماية الأسرة من كافة أشكال العنف.
ورغم عمل هذه المديرية وتشكيلاتها ومع وجود بعض النصوص القانونية آنفة الذكر التي عالجت بعض حالات العنف الأسري، إلا أن حالات العنف أخذت بالزيادة، ففي احصائية لعام 2014 حول حالات الإعتداء نجدها بنسب مرتفعة جداً وكالتالي:
1- إعتداء الزوج على الزوجة 54%.
2- إعتداء الزوجة على الزوج 7%.
3- الإعتداء بين الأخوة والأخوات 5%.
4- إعتداء الأبناء على الأب والأم 6%.
5- إعتداء الأب والأم على الأبناء 12%.
6- أخرى تذكر 16%.
ورغم أننا نأمل أن يصدر قانون حماية الأسرة من العنف الأسري قريباً ونتمنى أن يقلص حالات العنف الأسري من خلال الحد من حالات العنف ضد الأسرة من جميع أطرافها، إلا أنه يبقى الوازع الديني هو العنصر الأهم في تقليص حالات العنف الأسري لأن الدين والخوف من الله تعالى ومراعاة حدود الشريعة من خلال التعامل الصحيح الذي رسمه لنا القرآن والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومون عليهم السلام في كيفية مدارات الأسرة كل حسب فئته ولنا في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام اسوة وقدوة في مراعاة حقوق الأسرة من زوجة وزوج وأب وأم وأبناء واخوة وأخوات، فعلينا أن نسلح الأسرة بالثقافة الإسلامية الصحيحة ونفعل التوعية الدينية بشكل أكبر ونعلم أبناءنا منذ نعومة أظفارهم على مبدأ الإحترام وحب الطاعة والتعامل الحسن.