التضخم يعصف بالاقتصاد العالمي:
ا.د.حمزة محمود شمخي
اذا ما حاولنا فهم الظروف التي يمر بها الإقتصاد العالمي حاليا علينا التعمق بدراسة الحدث الاقتصادي الاستثنائي وهو ارتفاع مستويات التضخم بشكل غير مسبوق على مستوى العالم واقتصاد امريكا والدول الاوربية وانكلترا والذي يتوقع ان يسبب ركود اقتصادي في هذه الدول ليكون الاكبر في تاريخ الاقتصاد العالمي.
والتضخم مؤشر اقتصادي سيء الأثر يسبب غلاء اسعار المواد وزيادة نسبة الفقر والجوع،وعدم امكانية سداد ديون العالم وانهيار اسواق المال والعملات والمصارف، ويضع الدول اقتصاديا امام خيارات قد تكون مؤلمة اذا وصل مستويات عالية.
اقتصاديا يكون التضخم آمنا اذا لم (يتجاوز 2% سنويا، في حين يدخل اقتصاد الدولة في مرحلة الخطر عندما يصل مستوى التضخم الى 10%)فاكثر.
وتلجأ الدول الى السياسة النقدية لعالج التضخم بطرق اهما:
1- رفع اسعار الفائدة وهو ما تفعله البنوك المركزية كاجراء وقائي.
وبمتابعة مؤشرات القتصاد الامريكي،نلاحظ ان مستوى التضخم مستمر بالارتفاع،حيث وصل الى مستوى لم يصله سابقا إذ بلغ 8,5% وهو أعلى مستوياته منذ 40 عاماً.
ومثل هذا المستوى المرتفع للتضخم اصبح (مؤلما) على الاقتصاد الامريكي،وعدم التصدي له و( لجمهِ سيلحق ضررا أكبر) بالاقتصاد واقتصاد العالم،خصوصا وان الظروف الحالية ترجح إحتمال ان يصل التضخم ذروته في الربع الاخير من هذا العام ليتجاوز 10%.
لقد اعلن قبل ايام Jerome Powell رئيس الاحتياطي الفيدرالي واشار صراحة من انه ليس امام الفدرالي الأمريكي لكبح جماح التضخم سوى إستخدام أدوات السياسة النقدية وبقوة،وركز على رفع أسعار الفائدة كوسيلة فاعلة.
ويشير بعض متخذي القرار في البنك الدولي ان هذا الاجراء ماهو الا تصحيح خطأ بخطأ آخر،أي(إحداث صدمة في الاقتصاد بزيادات كبيرة جدا في أسعار الفائدة)مما يعرض الاقتصاد الى دفع ثمن باهظ من حيث الركود المحتمل بسبب ذلك.و وفق هذا الحدث سوف نشاهد مزيدا من الارتباك في حركة الاسواق المالية وفي اسعار الاسهم.
لقد لجأ الفدرالي الامريكي منذ فترة الى رفع سعر الفائدة لكنه فشل في كبح جماح التضخم وسيفشل ايضا خلال الاشهر الثلاثة القادمة،رغم تكرار(رفع سعر الفائدة وبما لايقل عن 75نقطة علما ان هذا السعر لم يكن له تاثير ضمن الحياد) مما لايعني بالضرورة كبح جماح التضخم.
وتعتبر اسعار الفائدة من أهم ادوات السياسة النقدية المعالجة للتضخم لاي بلد،وعلى مجريات الاستثمار في الاسهم وتحركات الأسواق المالية.فعند اصابة الاقتصاد بارتفاع معدلات التضخم،يعني ذلك ارتفاع المعروض النقدي داخل الاقتصاد وهنا يتدخل البنك المركزي من خلال سياسته النقدية برفع اسعار الفائدة لغرض تسريع الاقتصاد عن طريق تحريك أسعار الفائدة ارتفاعا، وعند ذلك يقل المعروض النقدي تدريجيا وتهدأ الضغوط التضخمية وهذا الاجراء هو جوهر السياسة النقدية التي تعالج التضخم ، الا ان ارتفاع أسعار الفائدة يسبب زياد في تكلفة اقتراض الأموال وهذا يجعل شراء السلع والخدمات أكثر تكلفة للمستهلكين والشركات،وبالتالي يقل الطلب مع (انحراف نسبة العرض الى الطلب نحو العرض المفرط) ،ونتيجة ذلك فان القروض الأكثر تكلفة تثني الشركات والأفراد عن الإنفاق مما يؤدي الى انخفاض الطلب ،وعند ذلك تنخفض ارباح الشركات بسبب انخفاض الأسعار مما يعني دخول الأسهم كسلع استثمارية في موجة هبوط حاد، ويتوقع أن يتواصل إرتباك اسعار الاسهم وهبوطها في الاسواق العالمية اذا ما ترافق ذلك مع توجه البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة مرة اخرى لمواجه مستويات التضخم العالية التي بلغ9.1% في شهر آب او توجه بريطانيا لذات القرار.
اذا نحن امام تكرار سياسة رفع جديد في اسعار الفائدة،ومثل هذا القرار لابد وان ينعكس سلبا على حركة الاسواق المالية بشكل عام واسعار الاسهم بشكل خاص ونشاهد اليوم الاثنين 8/29 واليوم اللاحق شاشات عرض مؤشرات الاسواق وحركة الاسعار هي حمراء لغالبية الاسهم الامريكية واسواق اسيا واسواق اوربا وسوق دبي واتوقع ان يستمر احمرارها لفترة قادمة. ولهذا وقع المستثمرون في اسواق الاسهم في حيرة(فالتشدد النقدي اول ما يضرب اسواق المال بعيدا عن الاقتصاد الحقيقي)
تشير الدراسات الحديثة الى ان ارتفاع مستويات التضخم في دول العالم وتعطل سلسلة التوريد والحرب الروسية الاوكرانية ونقص الغذاء على مستوى العالم وتاكيد الصين ان تايوان جزء منها هي اسباب مباشرة لتكوين تكتل اقتصادي بين الصين وروسيا وايران،ومثل هذا التكتل(السياسي والاقتصادي ومن ينضم اليه سيخلق عاصفة تاريخية نتائجها غير سهلة).
وسوف يخلق هذا الحدث مزيدا من الارتباك الاقتصادي العالمي ويسير به نحو الركود المتوقع،كما يخلق حالة من الارتباك في الاسواق المالية وحركتها واتجاه اسعار الاسهم بالانخفاص وسوف تستمر شاشات عرض الاسعار حمراء لفترة لحين التصحيح.