المصارف الحكومية بين الواقع والطموح

 

المصارف الحكومية بين الواقع والطموح – عبد الكاظم محمد حسون

 

لا زالت مصارفنا العراقية خصوصا الحكومية منها على واقعها منذ عقود , ولا نلاحظ اي تغيير فيها من حيث الأبنية العائدة لها او من حيث الإدارة التي تُدار بها تلك المصارف او السياسة المصرفية المتبعة . فمقرات تلك المصارف أبنية قديمة سواءً كانت ملكيتها عائدة للدولة ام بنايات مؤجرة. ينقصها الفن المعماري في التصميم وصغيرة الحجم لأغلبها و مواقعها غير مناسبة لا تعكس دورها او تاريخها العريق . حتى الجانب الأمني لم يكن مؤمناً لها بشكل كامل فكثر من المصارف قد تعرضت لأعمال السرقة على الرغم من وجود أفراد من الأمن لحمايتها .ولو قارنا واقع مصارفنا بما آلة إليه المصارف العالمية نجد واقع مصارفنا محزن جدا . فما تمتاز به المصارف العالمية خاصة في مجال البنية التحتية والإدارة الحديثة المستخدمة في هذه المصارف خاصة في مجال تداول الأموال ونوع الخدمة المقدمة للزبائن وعلاقة هذه المصارف بالزبون من خلال علاقة رصينة مبنية على الثقة بين الطرفيين . كما أنها علاقة تحقق الفائدة للطرفين من خلال قيام المصارف بنشاطات مالية واقتصادية واستثمارية تستقطب رؤوس الأموال داخل بلدانها او خارجها , ناهيك عن التطور العالمي في مجال التداول الالكتروني للمعاملات المصرفية وصناديق الصرف الآلي وارتباط المصارف العالمية بشبكة متقنة وأمينة من التداولات وتبادل الأموال والمعاملات والمعلومات بضمنها اسعار البورصات وغيرها مما يسهل للزبون ان يجد الخدمة المصرفية متوفرة له حتى ان سافر خارج بلده من خلال بطاقات الائتمان المصرفي (الكردت كارد) او ما تسمى (Credit Card or Bank Card) التي أمست شائعة الاستعمال في كافة بلدان العالم ومن خلال الهاتف الجوال ايضا.( إلا في بعض البلدان المتأخر في مجال العمل المصرفي مثل بلدنا العزيز ) , حيث تُسهل للزبون تسوقه وانجاز مهامه اليومية . حتى في مجال النقل دون ان يحمل الزبون محفظة نقود ثقيلة في محتواها النقدي مما يسبب لحاملها كثيراً من المشاكل التي هو في غنى عنها .

ان المصارف الحكومية العراقية وحتى الاستثمارية منها كالمصارف الصناعي والزراعي والتجاري والإسكان لها تاريخ طويل في مجال عملها وتعتبر من المصارف الرائدة في المنطقة لو تم مقارنتها بالمصارف الخليجية ولكن للأسف الشديد نرى ان الأداء المصرفي المتعلق بها متخلف ومتأخر جدا والفرق كبير بينها وبين أداء المصارف للدول المحيطة وليس للدول الغربية لكون تلك المصارف وخاصة المصارف الخليجية تُدار بعقلية علمية متفتحة متواصلة مع التطور العلمي العالمي الذي حدث في هذا المجال ومستفيدة من الخبرة والتجربة العالمية حيث أصبحت هذه المصارف اي الخليجية ذات سمعة عالمية ولها ارتباطات وتعاملات كبيرة مع اكبر المصارف والبنوك العالمية وهذا لا يعود الى كون المصارف الخليجية تمتلك البناء التحتي و رأس المال والإدارة الحديثة وإنما لكون سياسة تلك المصارف سياسة تعكس واقع بلدانها الاقتصادي في مجال التسهيلات المصرفية وأنشطتها في مجال الاستثمار ونجاح مشاريعها ومقدار الإرباح التي تجنيها من خلال هذه الأنشطة . مما يشجع الزبائن ومنهم الأجانب على التعامل مع تلك المصارف من خلال الإيداع او التوفير او الاستثمار وحتى التحويل وان هذه المصارف عكس المصارف العراقية مرتبطة بشبكة المصارف العالمية الكترونيا من خلال شبكة رصينة وأمينة مما يدعم عملها عالميا ويسهل مهمة الزبون في انتقال رأس المال بسلاسة ودون مصاعب .

بينما مصارفنا بقيت تتراوح في مكانها دون اي تطور , فأساليبها في الإدارة لازالت نفسها تديرها نفس الوجوه ولا توجد سياسة مصرفية طموح تتناسب مع التطور الحالي في مجال التعاملات الاقتصادية . فنرى هناك فجوة كبيرة بين الزبون والمصارف وهذه الفجوة تكبر مع مرور الزمن دون ان تضمحل لكون المصارف تعتبر نفسها متفضلة على الزبون لدرجة ان الزبون يرى نفسه ضيفاً ثقيل على موظف المصرف ولم يجد اي استقبال او حتى مكاناً لجلوسه ناهيك عن ازدحام المكان لصغر المصارف وكثرة الزبائن كما ان الزبون عند زيارته لأي مصرف كثيرا ما يلاحظ حالات من المخالفات وحتى حالات تتعلق بنزاهة بعض الموظفين من خلال وجود نقص في الأوراق النقدية لرزم المبالغ النقدية المستلمة من الصناديق يتحمل الزبون نقصانها في حالة كون المبالغ كبيرة لا يمكن عدها في داخل المصرف وان هذا النقص لا يؤخذ به إذا جرى العد خارج المصرف إضافة إلى حالات الواسطة من قبل بعض موظفي المصارف للأقارب والأصدقاء بتمشية المعاملات الخاصة بهم على حساب معاملات الزبائن الآخرين وامام أعينهم , ناهيك عن طبيعة المبالغ المستلمة من قبل الزبائن تخضع للابتزاز من قبل أمناء الصندوق من حيث نوع الفئة وقدمها في عمر التداول حيث هناك محاباة للبعض دون الأخر . كما ان موظف مصارفنا لا يعي دور لوظيفته ولا يعمل على تكريس طاقاته لتطوير العمل عكس الموظف في المصارف العالمية حيث نرى ان الموظف في حالة ديناميكية وإبداع من اجل إثبات وجوده والمحافظة على مركزه وطموحة في الارتقاء وانه يعمل كل ما في وسعه لكسب الزبون , بينما نرى موظفنا يعمل لأداء فرض . بعيد عن الإبداع والارتقاء لعدم وجود حالة التنافس الشريفة ومقوماتها ولا حتى حالة المحاسبة الشديدة ولا يهمه رضاء الزبون من عدمه لكون الأمر واحد بالنسبة له يتعلق باستلامه نفس الأجر او الراتب الشهري في كل الأحوال .

ان المصارف الحكومية الآن عدا المصارف الاستثمارية المنوه عنها أعلاه أمست قاصات او صناديق لحماية الأموال سواء كانت أموال الدولة ام المواطن وهي اموال مجمدة غير متحركة . وان المصارف ليست لها نشاطات جديدة , سوى نشاطاتها السابقة في مجال الإيداع والتوفير بفائدة قليلة او إصدار الصكوك المصدقة والكفالات المصرفية بشروط في حين نرى ان تلك المصارف لا تمتلك الصلاحيات الأخرى في مجال الاستثمار والقروض (لا من خلال وسيط ثالث غالبا ما يكون حكومي للاقتراض لشراء السيارات او غيرها) والتعامل بالعملات الأجنبية .

لكي ينهض البلد اقتصاديا عليه النهوض في مجال تطوير العمل المصرفي من خلال إيجاد البنية التحتية للمصارف وزيادة عددها وتطوير عملها على كافة الصعد بضمنها الاستفادة من التطور الكبير في مجال الإدارة والبرمجة الالكترونية والاستفادة من الخبرة العالمية في هذا المجال . حيث أصبحت هذه الخبرة سهلة المنال من خلال تبادل الخبرات مع المصارف المتقدمة في هذا المجال او معاهد التأهيل ودورات التعليم المستمر وتوظيف كوادر مؤهلة وعلمية شابة لكي تؤدي دورها في التغير واستخدام الأجهزة الحديثة والأساليب العالمية في الإدارة وتقديم الخدمة للزبائن بشكل يتناسب مع طبيعة المرحلة واستجابة لمتطلباتها في احداث تغيير واضح في مجال النهوض بالقطاع المصرفي والاستثماري وبمستوى الخدمة المصرفية المقدمة عالميا .وتشجيع القطاع الخاص للعمل في المجال المصرفي شرط ان يكون هذا القطاع مؤهل ويمتلك كل مقومات المشاركة من رأس المال والإدارة الحديثة والأداء العالي وان يضمن حق الزبائن دون اللعب في مقدراتهم وأموالهم . كما حدث لبعض الزبائن من قبل بعض المصارف الأهلية خلال الفترة السابقة القريبة . يجب ان تكون انطلاقة المصارف الأهلية انطلاقة قوية ورصينة بعيد عن الطفيلية وحالة النصب والتشكيك وعلى تلك المصارف ان لا يكون دورها فقط شراء العملة الأجنبية وبيعها وعليها ان يكون دورها أوسع في تعزيز الاقتصاد العراقي من خلال تشجيع الاستثمار وبناء مشاريع اقتصادية واعدة في مجال الإسكان والصناعة والزراعة والسياحة حتى في مجال الخدمات تساهم في عملية التطوير للبلد وامتصاص البطالة وتعزيز الدخل الوطني العراقيوان تكتمل المهمة الكبيرة التي لا زالت تراوح في مكانها للمصارف الحكومية الاستثمارية ومنها المصرف الزراعي والتجاري والإسكان وعلى تلك المصارف ان لا تكون صناديق للاستقراض لأصحاب مشاريع وهمية في اغلبها او استلام تسهيلات مصرفية لا تصرف على المشاريع التي خُصصت لها وإنما تذهب إلى مشاريع أخرى لا جدوى لها ولا فائدة .

ان العراق وهو يمر اليوم في هذه الظروف الصعبة التي تتعلق بانخفاض أسعار النفط وعدم وجود بدائل لواردات العراق بوصفه بلدا اًبلد ريعي أكثر من 90  بالمئة من وارداته هي من النفط . بلد توجد فيه مقومات النهوض في كل القطاعات ومنها الصناعية والزراعية والسياحية والبناء والإنشاءات ولكن يحتاج إلى إجراءات وبرامج إصلاحية متكاملة تقودها الحكومة بشكل قوي ومبرمج لاستغلال كل الطاقات وتفعيلها ومنها النهوض بالمصارف والعمل المصرفي فالاستثمار هو البديل لحل مشاكل العراق اليوم . لا نجد مقومات نهوضه دون النهوض بالعمل المصرفي الذي ما زال متخلفاً كما أسلفنا ولا زال يراوح في مكــــانه دون تقدم .