فائض إمدادات حوض الأطلسي يبقي الضغط على الأسعار
د. نعمت أبو الصوف
في أعقاب طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة ومحاولة “أوبك” الحالية للتعامل مع فائض الإمدادات للحفاظ على حصتها السوقية، أدى ذلك إلى تغيير واقع توازن/ اختلال أسواق النفط العالمية. العجز النمطي في النفط الخام الذي كانت تشهده أسواق حوض الأطلسي قد تآكل تدريجيا وتحول في العام الماضي إلى فائض كبير، ما يعكس كلا من الاكتفاء الذاتي في أمريكا الشمالية من حيث النفط الخام، والكميات الكبيرة من النفط التي لا يزال يجري ضخها في منطقة حوض المحيط الأطلسي،عبر البحر الأبيض المتوسط وبحر البلطيق، من قبل منتجي منظمة “أوبك” في الشرق الأوسط وخارج “أوبك” من روسيا.
بين عامي 2010 و2013، كانت أسواق حوض الأطلسي تعاني عجزا صافيا في إمدادات النفط الخام يقدر بنحو مليوني برميل يوميا، ولكن بعد تقلصه إلى 400 ألف برميل في اليوم فقط في عام 2014، تحول العجز إلى فائض وصل تقريبا إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميا في العام الماضي.
باستثناء أوروبا، جميع الأسواق الرئيسة المحيطة بحوض المحيط الأطلسي إما استوردت المزيد من النفط الخام أو صدرت كميات أقل في عام 2015، مما كانت عليه في العام الذي سبقه. لقد لعب ارتفاع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة الجزء الأكبر في هذا الاتجاه، ولكن الحوض تلقى الدعم أيضا من المنتجين في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى كندا. في عام 2015 كررت المصافي في الولايات المتحدة 35 ألف برميل في اليوم أكثر من عام 2014، ولكن إنتاجها من النفط الخام ارتفع بنحو 75 ألف برميل في اليوم. الإنتاج الأمريكي الذي لم يعوض واردات النفط الخام ذهب إلى المخزون المحلي، ومستمر في التدفق إلى الخزانات حتى اليوم.
في غضون ذلك، تراجع واردات النفط الخام في الولايات المتحدة تم تعويضه من قبل أمريكا اللاتينية، التي شهدت زيادة كبيرة في إنتاج النفط الخام في عام 2015، بقيادة البرازيل، حيث إن مشاريع المياه العميقة تحت طبقات الملح التي بدأ العمل في تطويرها عندما كانت أسعار النفط قرب 100 دولار للبرميل بدأت في الإنتاج. وفي الوقت نفسه، تأثرت كميات النفط الخام المكررة، حيث إن مصافي أمريكا اللاتينية اضطرت إلى تصدير المزيد من المنتجات نتيجة تأثر الطلب المحلي من الركود الاقتصادي. كما عزز منتجو النفط في غرب إفريقيا إمدادات الخام بنحو 70 ألف برميل في اليوم في العام الماضي، لكن عددا متزايدا من هذه الشحنات كان يجب عليها المغادرة خارج حوض الأطلسي إلى آسيا للعثور على أسواق هناك.
بالفعل لقد تم تدريجيا توجيه جزء من فائض النفط الخام الخفيف-الحلو من أسواق حوض الأطلسي نحو الأسواق الآسيوية، حيث تم مزجه مع الكميات المتزايدة من النفط المتوسط ـــ الحامضي القادمة من السعودية، العراق، والآن إيران؛ الفائضة نتيجة ضعف نمو الطلب على النفط من قبل أكبر مستهلك للنفط في المنطقة ــــ الصين. لكن ليس كل فائض النفط الخام في حوض الأطلسي في العام الماضي قد تم توجيهه إلى أسواق التصدير ـــ حيث ارتفعت مخزونات النفط الخام في المنطقة بنحو 130 مليون برميل، باستثناء مخزونات ساحل المحيط الهادئ الموجهة للأسواق الأمريكية الغربية ومراكز التخزين المستقلة في منطقة البحر الكاريبي، شمال غرب أوروبا وجنوب إفريقيا. جزء من الكميات المصدرة خارج حوض المحيط الأطلسي تذهب أيضا إلى وحدات التخزين، وفي كثير من الحالات تمتص من قبل خطوط الأنابيب ووحدات التخزين الجديدة في آسيا.
هذه التخمة في إمدادات النفط الخام في حوض الأطلسي تفسر بعض الشيء الضعف في أسعار النفوط القياسية على مدى الأشهر الـ 18 الماضية، لأن كلا من العقود الآجلة والأسعار الفورية لخام برنت وغرب تكساس الوسيط تقيَّم على أساس أنواع النفوط المنتجة والمتداولة على نطاق واسع في أسواق حوض الأطلسي. مع انتهاء الربع الأول من هذا العام، من المتوقع أن يشهد حوض الأطلسي فائضا حتى أكبر من العام الماضي، تشير الأرقام الأولية إلى أن فائض أسواق الأطلسي في الربع الأول قد يصل إلى 1.75 مليون برميل في اليوم مقابل 1.2 مليون برميل في اليوم في العام الماضي.
إن تراجع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة يجب أن يسهم في خفض الفائض في حوض الأطلس، ولكن في الوقت الحاضر تأثر الطلب على النفط في الولايات المتحدة من جراء الصيانة الموسمية المبكرة التي تجري في المصافي الأمريكية مما عوض بعض الشيء عن تأثير تراجع الإنتاج. في الحقيقة كبح جماح تخمة النفط الخام في حوض الأطلسي ليست سوى جزء من المشكلة، حيث إن قدرة أسواق منطقة شرق قناة السويس على استيعاب ولو كميات متواضعة من فائض حوض الأطلسي بعيد كل البعد عن اليقين. وسيصبح من الصعب أيضا إيجاد طاقات خزن إضافية لاستيعاب فائض النفط الخام، في آسيا أو في أماكن أخرى، لا سيما أن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى تسطح منحنى الأسعار المستقبلية، ما قد يجعل عملية التخزين غير مجدية اقتصاديا.