لماذا لا تزال اسعار النفط عالقة بين (65-70) دولار؟
بــ قلم د. حيدر حسين آل طعمة
شهد مطلع العام الجاري العديد من العوامل المحركة لأساسيات اسواق النفط العالمية، والتي ابقت اسعار النفط في تأرجح مستمر في نطاق (65-70) دولار للبرميل رغم تخفيف القيود وانتشار اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وتزايد حملات توزيع وتطعيم اللقاح في كافة ارجاء العالم، فضلا على قرار مجموعة (أوبك+) تثبيت مستوى الإنتاج، بعد أن اتفقت أوبك وحلفاؤها على إبقاء الإنتاج دون تغيير، والخفض الطوعي للصادرات السعودية بمقدار مليون برميل يوميا. ساعد ايضا تناقص المخزون النفطي الذي تراكم منذ بداية جائحة كورونا وانهيار اسعار النفط الى دون (20) دولار للبرميل في نيسان من العام الماضي. مع ذلك، تعيق جملة من العوامل فرص تحليق الاسعار ومجاراة التعاف الاقتصادي العالمي.
عودة النفط الايراني الى الاسواق
على الرغم من تركيز اسواق النفط، خلال الاسابيع والشهور الماضية، على اتجاهات الاقتصاد العالمي ومعدلات التعافي والتحرر من قيود الاغلاق والحجر الصحي المفروضة بسبب السلالات الجديدة من فيروس كورونا، الا ان الاسواق، حاليا، تراقب عن كثب عودة إمدادات النفط الإيراني مجدداً إلى الأسواق الدولية في ظل تقدم المفاوضات بين إيران وأطراف مجموعة (4+1)، والتي تضم روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية التي تشارك بشكل غير مباشر في متابعة تطورات الاتفاق النووي الإيراني.
يأتي ذلك في سياق مرونة ابدتها الولايات المتحدة تجاه المفاوضات مع طهران واستعدادها رفع العقوبات عن مختلف الانشطة الاقتصادية في ايران، اذا ما التزمت الاخيرة بتنفيذ بنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وقد استعدت طهران بالفعل لسيناريو رفع الحضر عن صادراتها النفطية عبر اعادة تأهيل حقول النفط واستعادة العلاقات التجارية مع عملائها تمهيدا لاستئناف تصدير النفط الايراني الى اسواق آسيا وأوروبا.
وتشير التوقعات إلى أن إيران ستزيد صادراتها النفطية إلى ما يزيد على (1.5) مليون برميل يومياً خلال الربع الأول من عام 2022. ووفقاً لبعض الترجيحات، يمكن أن تعود إيران إلى مستوى إنتاج ما قبل العقوبات الذي يقارب (4) مليون برميل يومياً في غضون ثلاثة أشهر، مما سيمكن طهران من زيادة صادراتها النفطية تدريجياً الى الاسواق. كما تملك إيران مخزون عائم من النفط والمكثفات يبلغ قرابة (70) مليون برميل جاهز للبيع فور سريان رفع الحضر عن النفط الايراني. ووفقا لبعض الدراسات، بمقدور ايران، اذا ما رفعت العقوبات الاقتصادية عنها خلال الاسابيع القادمة، تصدير قرابة (1.5) مليون برميل يومياً نهاية العام الجاري، وقد تستعيد كامل إنتاجها وترفع صادراتها الى قرابة (3) مليون برميل عام 2022.
اوبك بين وعود التخفيف وضغوط التثبيت
خلال الشهور الاخيرة نجحت جهود منظمة اوبك في قيادة تحالف (اوبك+) لدفع اسعار النفط صوب الارتفاع والحفاظ على توازن اسواق النفط العالمية من خلال الاستمرار في برنامج خفض الامدادات عن طريق تمديد تخفيضات الانتاج عند (7.2) مليون برميل يوميا، مع استمرار التخفيض السعودي الطوعي البالغ مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر نيسان 2021، لتعويض تعثر الطلب العالمي على النفط بسبب استمرار تأثر قطاع النقل العالمي بتداعيات جائحة كورونا. ومع مطلع شهر ايار الجاري بدء التحالف زيادة الإمدادات بشكل تدريجي من اجل ضخ (2.1) مليون برميل يوميا إلى السوق نتيجة موافقة التحالف على تخفيف قيود الانتاج المفروضة على الاعضاء بشكل تدريجي، وبذلك يتقلص حاجز التخفيض إلى (5.8) مليون برميل يوميا، بعد أن بلغ قرابة (8) مليون برميل يوميا، شاملا الخفض الطوعي من قبل السعودية.
وقد خلص مسح أجرته وكالة رويترز مؤخرا أن إنتاج أوبك النفطي ارتفع في شهر نيسان، وهيمنت زيادة الإمداد النفطي الإيراني على تخفيضات طوعية وتخفيضات متفق عليها بين باقي الأعضاء في إطار اتفاق مع حلفاء، وهو ما يزيد من مؤشرات امكانية تعافي صادرات طهران عام 2021. وخلص المسح إلى أن منظمة البدان المصدرة للنفط، ضخت (25.17) مليون برميل يوميا في نيسان الماضي. ولم تغير لجنة المراقبة المنبثقة عن مجموعة (أوبك+) مستويات إنتاج النفط المتفق عليها في اجتماعها الدوري في شهر ايار الجاري رغم الوضع الايجابي للأسواق وتعاف الطلب العالمي على النفط وذلك بسبب الانتشار السريع لكوفيد-19 في الهند وأميركا اللاتينية.
ومن المقرر عقد اجتماع تحالف (أوبك+) مطلع الشهر القادم لمناقشة قضايا عدة أبرزها المخاوف الأخيرة بخصوص انتشار فيروس كورونا في الهند واليابان وتأثيرها على الطلب العالمي، وامكانية الاستئناف المحتمل للإمدادات الإيرانية من النفط.
ويتوقع بنك غولدمان ساكس أن يقوم تحالف (أوبك+) بمعادلة أي زيادة للإنتاج الإيراني من خلال تجميد زيادة الإنتاج المقررة في النصف الثاني من العام الحالي. فيما تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن نجاح المفاوضات الجارية مع ايران ربما يضيف قرابة (1.5) مليون برميل يومياً من النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية في وقت قصير نسبياً. اما خبراء الطاقة فيراهن البعض منهم على قدرة السوق النفطية على استيعاب النفط الايراني مع تسارع وتيرة تقديم اللقاحات وعودة الحياة لطبيعتها من ناحية السفر وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية بشكل كبير، وسط توقعات بتعافي الطلب العالمي في النصف الثاني من عام 2021، والوصول لمستويات ما قبل الأزمة بحلول نهاية العام.
الاسعار الى اين؟
انعكس تباين العوامل المؤثرة في قوى العرض والطلب العالمي على النفط الخام في استمرار تأرجح اسعار النفط ضمن نطاق (65-70) دولار للبرميل، وكبح فرص تحليق الاسعار، كما توقع البعض مطلع العام 2021 حين لامس خام برنت حاجز (70) دولار للبرميل لأول مرة منذ تفشي جائحة كورونا مطلع العام الماضي. ففي الوقت الذي تتلقى فيه اسواق النفط العالمية دعماً نتيجة التعافي القوي في أكبر اقتصادين في العالم (الولايات المتحدة والصين)، وشروع أوروبا بتخفيف قيود الإغلاق، فضلا على انخفاض مخزونات النفط الأميركية الذي فاق التوقعات، لا تزال مخاوف الاسواق تتركز صوب زيادة محتملة في الإمدادات الإيرانية وتقلص الطلب في الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم. فضلا على تمديد محتمل لإجراءات الطوارئ في اليابان بسبب تداعيات جائحة كورونا. هذه العوامل جميعا تزيد من صعوبة قرارات تحالف (اوبك+) في الموازنة بين التخفيف التدريجي لقيود الانتاج ومجاراة التعافي في معدلات الطلب العالمي على النفط، او اعادة النظر في خطط تخفيف قيود الإنتاج لحين حسم عودة الإمدادات الإيرانية إلى الاسواق وتداعيات جائحة كورونا في اسيا.