افاق اسواق النفط في تقرير وكالة الطاقة الدولية
بقلـــم حيدر حسين آل طعمة
تتابع وكالة الطاقة الدولية بحذر تطورات اسواق النفط العالمية منذ عقود، ورغم ان تقرير العام الماضي كان استثنائيا بسبب ازمة Covid-19 وتداعياتها على الاقتصاد والاسواق العالمية، الا ان تقرير افاق الطاقة العالمية عام 2021 لا يقل اهمية وخطورة كونه يركز على تجليات مؤتمر غلاسكو للتغير المناخي 2021، COP26، الذي عقد مطلع الشهر الماضي في مدينة غلاسكو الاسكتلندية برعاية الامم المتحدة. وتمثل الأهداف الرئيسة لمؤتمر “كوب26” في إلزام الدول بوضع أهداف طموحة لخفض الانبعاثات حتى عام 2030 للوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية بحلول منتصف القرن 2050. والحد من الاحتباس الحراري الى (1.5) درجة مئوية، وتسريع التحول صوب الطاقة النظيفة لتقليص تداعيات تغير المناخ.
كما يناقش تقرير الوكالة وفرة من الدلالات على بزوغ اقتصاد طاقة جديد، ففي عام 2020، ورغم انزلاق الاقتصاد العالمي في شراك ركود اقتصادي عميق بسبب تفشي فايروس Covid-19والاغلاق الكبير للاقتصاد والاسواق الا ان مساهمة مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية ارتفعت بأسرع معدل لها منذ عقدين، وحققت مبيعات السيارات الكهربائية أرقاما قياسية جديدة. ووفقا لتقرير الوكالة فان اقتصاد الطاقة الجديد بدأ بالظهور، مدفوعا بإجراءات السياسة والتكنولوجيا والابتكار والإلحاح المتزايد لمكافحة تغير المناخ. مع ذلك، لا يتوقع التقرير أن يكون ظهور اقتصاد الطاقة الجديد سلسا، ولكنه يتقدم بسرعة نتيجة الادراك العالمي المتزايد بمخاطر التغير المناخي على الحياة في مختلف بقاع العالم.
ويتناول التقرير مواضيع منوعة ابرزها افاق اتجاهات العرض والطلب في اسواق الطاقة في اطار تعهدات المناخ والافاق المستقبلية للدول المنتجة للنفط وسياسات تنفيذ التعهدات بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وغيرها من المواضيع ذات الصلة. وفيما يلي عرضا لجزء من مضامين تقرير وكالة الطاقة الدولية عام 2021 وبما يسلط الضوء على مستقبل الاقتصادات والاسواق النفطية.
- يعود الارتفاع الحاد في أسعار النفط الى تعاف الطلب العالمي على النفط نتيجة الانتعاش الاقتصادي السريع الذي شهده العالم مقارنة بالعام الماضي، اضافة الى عوامل اخرى تتعلق بالطقس وبعض العوامل المخطط لها وغير المخطط لها في جانب العرض .
- رغم تعاف الاقتصاد العالمي نسبيا من مضاعفات جائحةCovid-19 ، الا ان التعاف هش وغير متكافئ بين بلدان العالم وعرضة لانتكاسات جديدة.
- ارتفاع الطلب العالمي على النفط الخام بقرابة (5.2) مليون برميل عام 2021 بفعل تخفيف القيود واعادة فتح الاقتصاد العالمي، لا يعوض سوى جزء من الطلب العالمي المفقود عام 2020 والذي يقارب (8.7) مليون برميل دولار.
- لا يزال استهلاك وقود الطائرات أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة بسبب القيود المفروضة على السفر الدولي والتقدم المحدود في تطعيم السكان في العديد من الاقتصادات النامية، مما يقيد حركة السفر خشية تفشي وانتقال متحورات جديدة من فايروس Covid-19.
- تغير انماط السفر والتنقل وتوسع نطاق ممارسة الاعمال عن بعد فضلا على ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية، كلها قيود مرجح ان تكبح افاق نمو الطلب العالمي على النفط، خصوصا مع استمرار مخاطر تفشي وانتشار انواع جديدة من الفايروسات عالميا.
- رغم الضغوط الدولية لحماية البيئة والمناخ، يرجح ان يصل انتاج تحالف “اوبك+” عام 2022 الى مستويات ما قبل الجائحة بسبب اعادة نظر العديد من الشركات النفطية العالمية في خطط الاستثمار والاستخراج في القطاع النفطي نظرا لارتفاع درجة اللايقين في اسواق الطاقة العالمية.
- لا تزال شركات انتاج النفط الصخري اكثر تحفظا في خطط الاستثمار والانتاج خشية دخول اسواق النفط الخام في دورة عكسية اخرى للأسعار تزيد من الخسائر التي تكبدتها هذه الشركات ابان تفشي جائحة كورنا والاغلاق الكبير للاقتصاد. خصوصا مع ارتفاع معدلات الاسعار مؤخرا الى اكثر من (85) دولار وارتدادها في بضعة ايام الى دون (70) دولار للبرميل، مما يؤكد ضعف استقرار العوامل المؤثرة في اساسيات السوق النفطي.
- من الناحية العملية، سيتحول التركيز من امن الطاقة الى امن الامدادات، اذ سيعاني منتجو النفط الخام من انكماش الاسواق النفطية بشكل تدريجي. وتزداد مصاعب ادارة السوق والحفاظ على الحصص السوقية في ظل ضيق الاسواق واتساع المعروض النفطي على مستوى العالم.
- يرجح ان تزداد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في عدد من الدول المنتجة للنفط مع انخفاض الطلب العالمي والاسعار لمستويات تزيد من الضغوط المالية على موازنات واقتصادات هذه الدول، خصوصا بالنسبة للاقتصادات التي تنكشف على ايرادات النفط بشكل كبير.
- رغم اهمية تنويع الاقتصادات النفطية منذ عقود الا ان التحولات التي تشهدها اسواق الطاقة العالمية مؤخرا تزيد هذه المهمة الحاحا، خصوصا وان بعض البلدان النفطية بحاجة لإصلاح اقتصادي سريع بغية عزل اقتصاداتها تدريجيا عن تقلبات اسعار النفط في الامد القصير وتجهيزها لعصر ما بعد النفط في الامد المتوسط والطويل.
شهدت اسواق الطاقة تحولات كبيرة بعد تفشي جائحة كورونا مطلع العام الماضي، ويتوقع ان يعتاد الاقتصاد العالمي على انماط جديدة في ممارسة الاعمال تخفض من نشاط قطاع النقل عالميا. يتزامن ذلك مع جهود حثيثة تبذل من المنظمات الدولية والبلدان المتقدمة لتقليص نسب الانبعاثات حتى عام 2030 للوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية بحلول منتصف القرن 2050، عبر اعتماد الطاقة المتجددة والاستغناء عن النفط تدريجيا. هذه التطورات وغيرها تدق ناقوس الخطر في الاقتصادات النفطية بضرورة التعجيل في تنويع الاقتصادات المحلية عبر التصنيع، واستغلال ما يوفره قطاع النفط من مزايا نسبية في تطوير العديد من الصناعات المتوسطة والثقيلة في البلاد، خصوصا مع انتعاش الايرادات النفطية، حاليا، وما توفره من حيز مالي مناسب لتمويل التنمية الاقتصادية والنهوض بالبنية التحتية وتأمين حقوق الاجيال في الثروة الوطنية.