متلازمة(باريدوليا) أوهام نفسية عززتها كورونا:
ا.د. حمزة محمود شمخي
من المظاهر التي لم نهتم بفهم مضامينها او تداولها ولم نعطيها أي اهتمام او نحلل تأثيراتها في حياتنا اليومية رغم اثرها المباشر النفسي والسلوكي الكبير تلك هي متلازمة الباريدوليا.
والباريدوليا Pareidolia هي ظاهرة نفسية يسميها بعض علماء النفس والاجتماع (الاستسقاط البصري) او (الفن البصري) ومضمونها ان(العقل يستجيب لمحفز عشوائي، عادة ما يكون صورة أو صوتا، بإدراك نمط مألوف بالرغم من أنه لا يوجد أي شيء) مثل تخيل صور للحيوانات ضخمة في الغيوم، او رؤية وجه رجل في سطح القمر، ويحللها بعض علماء النفس تحت مسمى(الولع بالنمط patternicity،وهي الميل إلى إيجاد أنماط ذات معنى في الضوضاء الفارغة).
هذه المشاهد متلازمة مع الحياة منذ القدم يراها البعض دون أن يجد لها تفسيرا، وربما ينتهي إلى اعتبارها (معجزة خارقة أو رسائل غامضة من السماء).
وتنشأ ظاهرة (باريدوليا)نتيجة قيام عقل الانسان بتفسير بعض الأشكال غير المنتظمة على أنها أشكال معروفة، كما يفسرها البعض على انها(خطأ التصور وتفسير أنماط عشوائية على أنها شكل له معنى). وتشير الدراسات أن هذه الظاهرة قديمة التاريخ وساعدت الناس على تخيل العديد من الأمور الغيبية وبناء معتقدات دينية ونفسية عليها، ومن إيجابياتها إنها(ساعدت الفنانين والمبدعين على تجسيد هذه الصور الى لوحات فنية) رائعة ومبهرة ولذلك كان ليوناردو دافنشي يوصي(الفنانين الناشئين بطريقة وجدها جزيلة الفائدة في استثاره الذهن للابتكار ،إذا نظرت إلى حائط ملوث، مبني من حجارة خليطة، فقد تجد فيه المناظر الطبيعية، أو لعلك ترى معارك ورجالا يقاتلون أو وجوها في تنويع لا ينتهي)وساعد ذلك في رسم لوحات فنية فائقة التعبير والدقة.
ان العنصر الرئيس الذي يتحكم في ظاهرة باريدوليا والذي يتصور أنماط شكلية محددة، هو العقل ويقوم هذا بتمثيل هذه الرؤية بقدر قليل من التحفيز.
وهناك الكثير من الأمثلة التي يتعاشها الناس وابسطها ان( البعض يضن ان أحد كعكات القرفة في أحد المقاهي تحمل صورة الأم تيريزا).
ويعتقد علماء النفس أن هذه(الظاهرة تساعد الإنسان على البقاء وأحيانا النجاة عندما يكون في وضع يهدد حياته).
واكثر تفسير لعلماء النفس والاجتماع لهذه الظاهرة باعتبارها نوعا من ( الاستسقاط Apophenia) الذي هو (خطأ التصور ، إنه الميل لتفسير أنماط عشوائية على أنها ذات معنى) ومن خلاله يربط الإنسان بين عدة مشاهد منفصلة لا رابط يجمعها، ثم يعيد تشكيلها في معنى جديد لم يكن له وجود على أرض الواقع، ويرتبط هذا التفسير بحقيقة أن (العقل البشري من أشد أنظمة معالجة المعلومات تعقيدا، يتلقى العديد من المدخلات التي يحاول تحليلها وفهمها طوال الوقت، ولذلك يرى بعض الأشخاص أشياء تبدو مألوفة لهم بشكل غامض).
وأغلبنا من خلال الباريدوليا يسعى لخلق وتصور أي معنى عندما يكون مفقودا، ومثل هذا الخلق والتصور لا يحمل في طياته أي خطر، فلا خطر يحيط بنا لو تم مشاهدة ورؤية (وجوه في الغيوم أو رجل في القمر)او حيوان في شجرة كبيرة ومثل هذه المشاهد المتوقعة هي عمليات غير خطرة في نتيجتها ولا مؤذية. ولكن الباريدوليا (قد تصبح خطيرة جدا ومؤذية خصوصا عندما تأخذ منحى سياسيا أو دينيا، كرؤية أحد الرموز الدينية على قطعة من الخبز المحمص، واعتبار ذلك معجزة إلهية. أو زعم جماعة سياسية أنها رأت وجه مرشحها الرئاسي في نسق الزهور في حديقة)المنزل.
ويؤكد علماء النفس ان (باريدوليا) لا تعتبر مرضا نفسيا بل تدخل في نطاق الخيال و(الحنين الى الخرافة)وقد يكون لها أساس نفسي مثل(الخوف، والنزعة الدينية، والبحث عن تفسير للحياة، والرغبة في الهروب من الواقع، وهي حالة شائعة يمكن أن تصيب أي شخص).وقد اشارت احدى الدراسات إلى أن(العقل الكسول غالبا ما يقفز إلى الاستنتاجات سريعا مما يجعله يخطئ حتما في النتائج المنطقية).
هنالك الكثير من الأمثلة الدينية التي أُسقطت على ظاهرة الباريدوليا أيضا، مثل ظهور لفظ الجلالة(الله) مكتوبا على الأشجار وأيضا ظهور وجه السيد المسيح(ع)والسيدة العذراء في عدة أماكن، ومن أهم الأمثلة الطريفة في ذلك ما حدث في (سنغافورة في سبتمبر من عام ٢٠٠٧ حيث وجد بروز لحائي متصلب على شجرة يشبه القرد، جعل الناس يرتادون الشجرة ويقدمون فروض الإجلال للقرد)
لقد غيرت جائحة كورونا من السلوك العام للمجتمعات فازداد ما رافقها من خوف وهلع واضطراب نفسي وسلوكي وضبابية من المستقبل مما شاع قيام الفرد بتصور أمور تنشأ في جزء منها عن متلازمة باريدوليا حيث بدأ الكثير من الناس يتصور احداث تم مشاهدتها او يتصور أمورا سوف تحصل او يفسر وجه زميل له في العمل.
ان الباريدوليا موجودة في العمل الإداري ،ولان الإدارة في جزء منها(فن)نجد ان بعض المدراء يتصورون إمورا بمنهج (الباريدوليا)مثل اعتقادهم ان استراتيجية عملهم ضمنت النجاح رغم عدم وجودها، او يعتقد برضا المرؤوسين الذي لا أساس له.
فحال عقل المدير هو الاستجابة لمحفز عشوائي،
باريدوليا