بقلــــــم ا.د.حمزة محمود شمخي
انتهى المقال الاول( الصناديق السيادية ،كيانات تحوط للازمات ) المنشور بتاريخ 2021/10/29،الى تاكيد ان الادارة المالية الضعيفة للدولة لم تعير اهمية ولم تفكر بحصة الاجيال القادمة من ايرادات النفط وتتحوط للازمات المتوقعة،ولذلك لم تنشا صناديق سيادية مما يعني ان الاجيال قد تم تجاهلها وفقدت نصيبها من قيمة واردات العراق المالية.
ونتيجة صحوة استثمارية واعترافا بحق الاجيال ونصيبهم في موارد بلادهم ومن ان تلك الحصة هي حق على الحكومة وليس منة منها،يعتزم العراق إنشاء أول صندوق ثروة سيادي Sovereign wealth fund بهدف حفظ حقوق الاجيال في ثروة بلادهم ودعم عمليات الاستثمار طويلة الأمد وانعاش الاقتصاد محليا وتنويع مصادر الدخل وبناء (حاجز مالي متماسك يمنع الانهيار الاقتصادي المتوقع، فضلا عن إمكانية استثمار هذه الأموال في معالجة الأزمات التي قد تطرأ جراء هبوط وتذبذب اسعار النفط).
والمقترح ان يستثمر في هذا الصندوق وتودع فيه أموال من عائدات النفط تعادل مقدار التعويضات التي تحملها العراق نتيجة غزوه الكويت وهي نسبة 3% من قيمة كل برميل نفط .
وان تحقق ذلك يكون العراق قد خطى خطوة مهمة نحو تنويع مصادر دخله وضمان حصة الاجيال القادمة بحقهم في موارد بلادهم،مع تعظيم استثمارات واصول هذا الصندوق ليكون موردا للموازنة قد يزيد على موارد النفط.
والمعروف عن صناديق الثروة السيادية انها(تدير فوائض الدولة المالية من خلال أصول خارج حدود دول المنشأ لكنها لا تكون تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية، كما تختلف عن الاحتياطي الأجنبي النقدي)الذي يحتفظ به البنك المركزي ويديره نيابة عن الحكومة.
الاهم كيف تتم ادارة الصندوق وحوكمته والعقلية الاستثمارية لادارته،ونوع الاصول والمحافظ الاستثمارية التي سوف يمتلكها ويتاجر بها والقدرة في إقتناص فرص استثمارية مربحة.
فالادارة اهم من الصندوق ولنا في تجربة الكويت التي أنشأت اول صندوق سيادي لحصة الاجيال وذلك عام 1953 وخلال الفترة نمت قيمة أصول الصندوق التي يطغي عليها الاستثمار في أسهم بورصات العالم بنحو 670 مليار دولار بنهاية السنة المالية المنتهية في31 أذار 2021 .وتعني هذه الزيادة المضطردة في اصول الصندوق أن الهيئة العامة للاستثمار في الكويت التي تدير الصندوق، قد تمكنت من ان تحقق اهم هدف للصندوق وهو تعظيم ثروة إستثماراته ،ويشير معهد صناديق الثروة السيادية SWF Institute ان الكويت عظمت اصول صندوقها أكثر من هيئة أبوظبي للاستثمار، الذي يقدر قيمة أصول صندوقها السيادي بما يزيد على 649 مليار دولار.
ولو فكر العراق منذ ذلك التاريخ بصندوق ثروة سيادية لبلغت قيمة اصوله الان مبالغ هائلة لكون ايرادات النفط كبيرة جدا قياسا بالكويت وابو ظبي. وياتي هذا الاهتمام المتاخر بسبب كثرة الصدمات التي تعرض ويتعرض لها الاقتصاد العراقي،وتتمثل تلك الصدمات بتذبذبات حادة في اسعار النفط وباتجاه الانخفاض،حيث بلغ متوسط عائدات نفط العراق نحو( 5.6 مليار دولار في عام 2019 ،في حين بلغ متوسط عائدات النفط في عام 2020مبلغ 3.1مليار دولار.هذه المبالغ التي تشكل نحو 92% من العائدات الحكومية لا تكفي لتغطية فاتورة أجور القطاع العام الشهرية،والتي تبلغ 4.1مليار دولار،ناهيك عن الانفاق الحكومي الشهري الذي يبلغ 6.9 مليار دولار).
ورجحت مجلة (Economist intelligence) البريطانية عدم تعافي 5 اقتصادات من بينها العراق خلال العام المقبل2022مما يعني استمرار تراجع الاقتصاد الوطني.ويشير المستشار مظهر صالح ان هذا التراجع جاء تحت تأثير( نمطين ريعيين منخفضين أسهما في ذلك التراجع:
الأول نتيجة ضعف النمو الزراعي بسبب شح المياه وقلة الأمطار والجفاف مما أدى إلى انخفاض مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي حتى تحول العراق لمستورد للمواد الغذائية من دول الجوار الإقليمي.
اما النمط الثاني هو تدهور إسهام القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي وانخفاضه نحو النصف، وهو ما يسمى “الضربة الريعية المزدوجة” للناتج المحلي، أي ضربة انخفاض مساهمة “الزراعة والنفط” متمثلة في انخفاض وتدهور النمو الاقتصادي إلى جانب انغلاق الاقتصاد المحلي بسبب كورونا، مما تسبب في تفاقم الحياة المعيشية التي وضعت نحو 2.7 مليون عائلة عراقية جديدة دون خط الفقر).
اقترح تسمية صندوق الثروة السيادية (بصندوق الاجيال السيادي) لنضمن تخصصه ولكي يمنع التصرف بمداخيله خشية من استغلال الدولة لتلك العوائد لاغراض غير ما حدد لهذا الصندوق.كما أقترح ان تكون نسبة التمويل 5% من تصدير كل برميل نفط، تعويضا لخسارة الاجيال من استغلال حصتهم سابقا،كما اقترح ان تسعى الحكومات المحلية للمحافظات المنتجة للنفط لاقرار صناديق ثروة سيادية لها،تمول من حصتها المقررة من البترودولار ،على ان ترتبط اداريا بالصندوق السيادي للدولة،ولكن تحصر عوائده واصوله لتلك المحافظات وتكون ملكا لها.