لماذا تتقلب اسعار النفط منذ شهور؟
د . حيدر حسين آل طعمة
مع استمرار الحرب الروسية الاوكرانية وتداخل الضغوط الجيوسياسية والاقتصادية المؤثرة على اسواق النفط العالمية، شهدت اسعار النفط تقلبات حادة نتيجة تأثر اساسيات الاسواق بعوامل متعاكسة زادت من غموض افاق اسعار النفط اواخر عام 2022، خصوصا مع وجود حلقة مفرغة دائمة في اسواق العقود الآجلة، قوضت الوظيفة الأساسية للسوق، والمتمثلة في الاكتشاف الفعّال للأسعار، مع وجود تكاليف باهظة لمستخدمي تقنيات التحوط وإدارة المخاطر في النفط والسلع الأخرى، ما أدى إلى خلق أنواع جديدة من المخاطر وعدم الاستقرار. وتتفاقم هذه الحلقة بسبب التقارير والتحليلات التخمينية حول ضمور الطلب، والعودة لتخمة الاسواق، والتدابير المتعلقة بسقف الأسعار، والحظر، والعقوبات .. وغيرها من العوامل المتباينة التأثير على الاسواق والاسعار.
الاتجاه النزولي للأسعار
رغم تحليق اسعار النفط الى معدلات تاريخية مطلع العام الحالي بسبب تعافي الاقتصاد العالمي ونمو الطلب واندلاع الحرب الروسية الاوكرانية وضغوط ازمة توريد الغاز الى اوربا بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، الا ان جملة من العوامل قلصت من استمرار الاتجاه الصعودي للأسعار، بل غيرت احيانا اتجاه الاسعار صوب الهبوط الحاد ليتراجع سعر خام برنت الى قرابة (90) دولار للبرميل بعدما لامست الاسعار حاجز (125) دولار للبرميل منتصف شهر تموز الماضي. ومن ابرز اسباب تراجع اسعار النفط :
- تزايد المخاوف بشأن آفاق الطلب على النفط مع إشارات متزايدة حول تباطؤ الاقتصادات الكبرى نتيجة استمرار السياسات النقدية المشددة من قبل البنوك المركزية لكبح جماح التضخم. فقد أظهر مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك أن معدلات الأسعار وصلت إلى أعلى مستوى لها في (40) عاما، وهو أحد المقاييس الرئيسية التي دفعت الاحتياطي الفيدرالي الامريكي إلى رفع أسعار الفائدة لأكثر من مرة كوسيلة لمكافحة ضغوط الأسعار على الاقتصاد والنمو. وولد ذلك المزيد من التوقعات بأن تحركات البنوك المركزية لتهدئة ارتفاع الاسعار قد تتسبب في فقدان الوظائف وحدوث ركود اقتصادي عالمي، الامر الذي انعكس سلبا على افاق الطلب العالمي على النفط في المستقبل القريب.
- اسهمت قيود كوفيد-19 في الصين، أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، واغلاق العديد من المدن الصينية، الى ضعف افاق نمو الطلب العالمي على النفط. كما أثّرت قيود السفر المتجددة بسبب “كوفيد-19” في الصين على أسعار النفط أيضاً، إذ طبّقت العديد من المدن الصينية قيوداً جديدة في محاولة لكبح الإصابات الجديدة من سلالة فرعية شديدة العدوى من الفيروس.
- كرس اجتماع تحالف “اوبك+” مطلع الشهر الحالي لمناقشة تداعيات تراجع اسعار النفط والنظر في الخطط المستقبلية لإعادة الاسعار ضمن النطاقات التوازنية المستهدفة، مع ذلك، قررت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وحلفاؤها، وفي مقدمتهم روسيا، خفض الإنتاج المستهدف لشهر تشرين الاول بمقدار (100) ألف برميل يوميا. وهو خفض رمزي بحسب خبراء اسواق النفط ودعم الاسعار بشكل طفيف، خصوصا مع ضغوط امريكية واوربية تمارس على كبار منتجي النفط في اوبك لرفع الامدادات وتعويض النفط الروسي.
الاتجاه الصعودي للأسعار
تحظى اسواق النفط بدعم صوب الارتفاع ايضا نتيجة جملة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي تزيد من فرص ارتفاع الاسعار مع اقتراب فصل الشتاء في اوربا واستمرار تهديد روسيا بقطع الامدادات بشكل تام عن اوربا اذا ما طبقت الدول السبع الكبرى ((G7 سياسة تحديد سقوف سعرية على النفط الروسي للضغط على ورادات موسكو من النفط والغاز. ومن اهم العوامل الداعمة للأسعار :
- توقّعت منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” أن يرتفع الطلب العالمي على النفط (2.7) مليون برميل في اليوم عام 2023. ولا تسمح الطاقة الاحتياطية داخل “أوبك” باستيعاب تلك الزيادة، حيث يضخ معظم المنتجين بأقصى طاقتهم، مما يرجح شح المعروض في أسواق النفط ودعم الاتجاه الصعودي للأسعار.
- تلقت أسعار النفط دعما من تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف صادرات البلاد من النفط والغاز إذا فرض المشترون الأوروبيون سقفا للأسعار على النفط الروسي مما زاد من مخاطر شح المعروض في الاسواق وارتفاع اسعار النفط في شتاء 2022.
- يبدو إن الأجواء أقل تفاؤلاً حيال التوصل إلى اتفاق سريع لإحياء الاتفاق النووي، ما يعني تأخير عودة نحو مليون برميل يوميا من الخام الايراني إلى السوق راهنت عليها اوربا لتقليل ضغوط انقطاع الخام الروسي قبل حلول فصل شتاء وارتفاع استهلاك الطاقة لأغراض التدفئة.
- ارسل تحالف “أوبك +” إشارة واضحة بجاهزية المجموعة للتدخل في السوق وإعادة الاجتماع في أي وقت لدعم الاسعار اذا ما تراجعت الاسعار دون المعدلات التوازنية. كما اكد التحالف بأن الخفض الجديد في الإنتاج سيساعد على الاحتفاظ ببعض الطاقة الاحتياطية في حالة انقطاع الإمدادات العالمية بشكل غير متوقع في المستقبل وهو ما يحرص المنتجون في “أوبك +” على التحوط له في المستقبل.
- ارتفاع المخاوف من نقص الإمدادات في اسواق الطاقة، اذ تواجه اوربا تحديات واسعة في سوق الطاقة خاصة في موسم الشتاء نظرا للارتفاع الكبير في معدلات الاستهلاك وتوقعات تفاقم الأزمة مع بدء حظر الاتحاد الأوروبي واردات الخام الروسي المنقولة بحرا في كانون الأول المقبل واتجاه دول مجموعة السبع لوضع اللمسات الأخيرة على خطة فرض سقف لأسعار صادرات النفط الروسي.
- احتمالات ارتفاع استهلاك النفط لتوليد الطاقة هذا الشتاء مع استنفاد إمدادات الغاز الروسي تبقي احتمالات ارتفاع أسعار النفط الخام قائمة اذا ما استمرت الضغوط الروسية على اوربا.
- بحسب وزير الطاقة السعودي توجد إشارات متضاربة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي من مختلف أنحاء العالم، وهناك اتجاه نحو المبالغة في بعض التحليلات السلبية للوضع الاقتصادي العالمي. كما اشار وزير النفط السعودي بأن البيانات التاريخية تشير إلى إمكان حدوث ركود اقتصادي مع تقلصات محدودة في الطلب على النفط، فقد تشهد الاسواق نموا في الطلب في سنوات الركود، كما كانت الحال في عام 1991.