القيادة الادارية الاخلاقية(10) القيادة الفاضلة:
ا.د.حمزة محمود شمخي
لازلنا في تقديم الرؤى حول القيادة الاخلاقية التي عرضها الفكر الاداري المعاصر والتي يجهل بعض القادة الاداريين مضمونها لعدم تلائمها وتكيفها مع سلوكهم القيادي المتجاهل للرحمة والانسانية والفضائل،او عدم معرفتهم بتلك الانماط،او لكونهم جاهلين أصلا بمضامين العمل الاداري.
من الانماط القيادية التي لم يدركها الكثير ممن تحملو المسؤولية القيادية لمنظمات الاعمال هي القيادة الفاضلة.فهي فاضلة لكونها تعتمد على رباعية مبهرة(الحب والاحترام،الشهامة والتواضع)،حيث يتجسد في هذا النمط القيادي كل ابعاد القيادة الادارية الاخلاقية.فالقيادة الفاضلة هي (بوصلة أخلاقية)للحب والاحترام والروح الاخلاقية للقائد،وقيم التسامح والشهامة،وهي ركائز القيادة.
يعتقد الكثير ممن لم يفقهوا الفكر الاداري أن القادة يولدون،وان البعض يملك المهارة القيادية والبعض الآخر يفتقدها.فالقيادة بالنسبة إِليهم هي (اساس طبع قوي مدعوم بخبرة.والحال أن لا شيء َابعد من ذلك عن الحقيقة.القيادة ليست وقفا على نخبة،انها ليست دعوة عدد ضئيل،بل دعوة الكثيرين) حيث يدعون الى(الفضيلة لا لكي يصبحوا فعالين وحسب،بل بهدف النضج الإنساني وتحقيق الذات). ومثل هؤلاء القادة لا يخاف منهم فقد اكتملت انسانيتهم بعد ان نضجت اخلاقهم ولذا فؤهلاء القادة سيفعلون ما يقولونه ،تجسيدا لقول الله تعالى:
(أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ،كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)(الصف2-3) وتفسير هذه الاية الكريمة كما يعرضها المضطلعين في التفسير هو(لم تقولون الخير وتحثون عليه، وأنتم لا تفعلونه،وتنهون عن الشر، وربما نزهتم أنفسكم عنه،وأنتم متلوثون به ومتصفون به، فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل)،اي ان يدعي القائد دون ان ينفذ.
لقد قدم لنا الفكر الاداري نمطا مميزا في القيادة الاخلاقية هي القيادة الفاضلة Virtuous leadership وهي نتاج فكري معاصر ظهرت اولا في كتابات عالم الإدارة الشهير Albert Yatce في كتابه المميز (Virtuous Leadership) في عام2007.
ويقصد بالقيادة الفاضلة(التزام القائد بواجباته ومسؤولياته العملية والمهنية والأخلاقية التزاما كاملا وكذلك التزامه أن يكون هو والعاملون معه أفضل مما هم عليه اﻵن).
ومضمون هذا الفن القيادي وفق ترابط القيادة بالفضيلة ان القائد ينظر للمرؤوسين معه على(أنهم أهداف في حد ذاتهم وليسوا وسائل لتحقيق أهداف وبالتالي تصبح الاعتبارات الأخلاقية والقيم الفاضلة في التعامل معهم هدفا واستراتيجية قيادية ذات البعد القيمي والأخلاقي)،وينطلق هذه التوجه وفق هذا البعد الفضائلي بعدد من المسلمات تشكل
مضمون القيادة الفاضلة التي هي(عبارة عن فكر وقرار ورؤية ،فكر يتسع حسب وعي القائد وسعة أفقه ، وقرار يتأرجح أو يتعجل حسب إحساس القائد والتزامه ،ورؤية طموحة ،تلهم العاملين وتحفزهم ليؤدوا العمل أكثر مما هو مطلوب منهم ).
وينظر البعض الى القادة الفاضلين كونهم( قادة أخلاقيون يسعون إلى تحقيق الاستفادة المثلى من خلق الثروة والقيمة لجميع الاطراف عن طريق إقامة عالقات تنظيمية ونظم تبني ثقة عالية وتكتسب التزام الاخرين).هذا هو جوهر القيادة الفاضلة ذات البعد الأخلاقي(وكم هو جميل أن يكون شعارا لكل قائد)اداري عندما يتحمل بشرف مسؤولية قيادة
المنظمة من خلال الربط بين مفهوم القيادة ومفهوم الفضيلة.
وتشير بعض الدراسات لهذا النمط القيادي ان القيم القيادية التي تمثل الفضيلة يمكن حصر بعض مرتكزاتها مثل:
1-قول الحقيقة والصدق.
2-النزاهة والأمانة.
3-الالتزام.
4-الرأفة والإحساس باﻵخرين.
ويروج معهد(القيادة الفاضلة)الذي اسسه الاب الروحي لهذا النمط (Albert Yatce)في روسيا عام 2007 الفضائل الكلاسيكية كأساس للقيادة الفعالة.حيث تهدف إلى(تحفيز الناس على الوصول إلى العظمة وإلى إنشاء جيل جديد من القادة الفاضلين القادرين على تغيير حياة العمل والمجتمع ونشر رؤية جديدة للقيادة تتلاءم مع حاجات طبيعة الإنسان وطموحاته النبيلة).
وعزز هذا الجانب الفضيل في القيادة رائد الادارة الذي يسند له دورا مميزا في نشر هذا النمط القيادي وتعزيز ممارسته هو (Alexander Havard )حيث عرض أسس القيادة الفاضلة، فحددها بأنها تكمن(بتحقيق العظمة،عبر إبراز عظمة الآخرين من خلال إخراج ما هو الأفضل منهم).
وتطرق Havard الى(فضيلتي الشهامة والتواضع اللتين يجدر بهما أن تتوفرا في القائد الريادي وذلك من خلال حث الفرد على معرفة الذات ووعي قدراته).
ان القيادة الفاضلة هي قيادة اخلاقية روحية ركيزتها رباعية مبهرة(الحب والاحترام والشهامة والتواضع)وهما جوهر القيادة في بعدها الأخلاقي. وكم هو جميل أن تكون هذه الركائز القيمية اسلوب في ادارة منظمات الاعمال في الدولة الحضارية.
(اذ امكنك أن تعيش جيدا بدون صحة،فيمكنك أن تعيش سعيدا بدون فضيلة).