الحكومة الجديدة وظاهرة تشغيل الاطفال:
ا.د.حمزة محمود شمخي

بعد تزايد ظاهرة الفقر والجوع والعوز ونقص الخبز وتزايد الطبقات الاجتماعية الهشة في النسيج السكاني في العراق ،رافقتها حالة اجتماعية لاتقل خطورة عن تلك الظواهر وهي تشغيل الاطفال لتشكل ظاهرة اجتماعية وخطر آني داهم للنسيج المجتمعي العراقي،والسبب ان هذه الظاهرة تعكس سلوكا نفسيا وقيميا واجتماعيا معقدا وخطرا،نظرا لما تحمله من قتل براءة الطفولة واستغلال للأطفال جسديا وعقليا وجنسيا وبما يحرمهم طفولتهم وياخرهم تربويا وتعليميا بسبب اعاقة ذهابهم إلى المدرسة.ومثل هذا الاستغلال ترافقه مشاكل اجتماعية ونفسية تنعكس آثارها على الأطفال العاملين بجوانب عدة أخرى تتمثل في(تعرضهم للتنمر، والمضايقات، والرفض من قبل زملائهم وأقاربهم، إلى جانب عدم تلقيهم لمعاملة عادلة، مما يؤدي إلى تنمية العزلة الاجتماعية لديهم، وضعف روابطهم العاطفية، وإمكانية ممارسة سلوكيات خطيرة كالجرائم).
ولهذا ينظر لعمالة الأطفال(كمعمل تفريخ يخرج أجيالا واقعة في مستنقع الجهل) الاجتماعي والاخلاقي تؤسس لحالة الاستعباد والاتجار بالبشر، وتوظيف الأطفال في الانشطة الاجرامية وامتهان عمليات السرقة وأعمال الدعارة والأعمال غير الاخلاقية،والتسول في الشوارع تقودهم عصابات ومافيات كبيرة تنشط لهم فنون التسول والسرقة والاتجار بهم،وما فيه من ارباك للنظام الاجتماعي.
والملاحظ ان ظاهرة تشغيل الاطفال ازدادت في السنتين الاخيرتين مترافقة مع تزايد الفقر والجوع وعوز الخبز،اضافة الى التفكك الاسري وانتشار ظاهرة الطلاق والتهجير،حيث تؤكد اليونيسيف من أن( ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، مشيرة إلى أن هناك طفلين فقيرين من بين كل 5 أطفال في العراق).وبهذا التحديد يقدر عدد الاطفال العاملين بحدود مليون طفل يعملون في اعمال مختلفة .
يؤثر تشغيل الأطفال على نمو المجتمع على المدى الطويل، إلى(جانب تأثيره المباشر على حياة الفرد والأسرة، إذ يمكن أن تعاني المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة عمالة الأطفال من فقد التوازن المجتمعي بسبب ارتفاع نسبة العمالة غير المتعلّمة).
ينظر للطفل وفق اتفاقية حقوق الطفل المقرة من الامم المتحدة عام 1990هو (اي إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه).وينظر الى مرحلة الطفولة( بأنها أولى المراحل العمرية للإنسان،وتنقسم المرحلة إلى قسمين رئيسيين هما:مرحلة الطفولة المبكرة، ومرحلة الطفولة المتوسطة، وتبدأ مرحلة الطفولة المبكرة من الولادة حتى سن 8 سنوات،وهي فترة نمو جسدي ومعرفي واجتماعي وعاطفي ولغوي هائل، ومرحلة الطفولة المتوسطة، من سن 6 إلى 12 عامًا، وفيها يطور الأطفال المهارات الأساسية لبناء علاقات اجتماعية صحية وتعلم الأدوار التي ستعدهم لمرحلتي المراهقة والبلوغ).
لقد ادى ضعف الاقتصاد العراقي وهشاشة قطاعته الانتاجية خصوصا القطاع الزراعي الى زيادة الطبقات الفقيرة والطبقات الهشة وتجاوزها في بعض المحافظات الى 50% وزيادة مستويات الفقر ونقص الخبز، وقصور النظام الاجتماعي الى تزايد ظاهرة تشغيل الاطفال،وقد أظهرت الدراسات التي اجرتها الامم المتحدة أن أسباب توجه الأطفال العاملين للعمل تعود لعاملين أساسيين هما: العامل الاجتماعي والعامل الاقتصادي،(حيث تبين أنه من بين الأطفال المتوجهين لسوق العمل، 67,7%  منهم يقومون بذلك لأسباب اقتصادية أي بدافع الحاجة المادية، وتعود الأسباب للمشاركة في رفع دخل الأسرة 31,1% أو لأسباب اجتماعية، توزعت بين الاستغلال والاعتماد على النفس بنسبة 10,8% وملء الفراغ بعد ترك المدرسة بنسبة 12,4%)
تسترشد اليونيسف في عملها باتفاقية حقوق الطفل (1990)والتي أصبحت أسرع اتفاقية لحقوق الإنسان اعتمادا وأكثرها اتساعا في التاريخ. وغيرت الاتفاقية(الطريقة التي ينظر فيها إلى الأطفال ومعاملتهم كبشر يتمتعون بمجموعة متميزة من الحقوق بدلا من النظر اليهم من خلال الرعاية والمحبة فقط.ويظهر القبول غير المسبوق للإتفاقية بوضوح التزام عالمي واسع من أجل النهوض بحقوق الطفل).
وبسبب انتشارها الملفت للنظر يتطلب من الحكومة الجديدة ان تحد من ظاهرة تشغيل الاطفال وتعالجها لما لها من اثار اجتماعية كارثية على المجتمع وعلى الطفولة ذاتها،وتنفيذ حملة كبرى لمكافحة اتساع ظاهرة عمالة الأطفال التي وصفوتها منظمة العمل الدولية(بأنها الأسوأ ما مر على العراق في السنوات الماضية).
وعلى الحكومة الجديدة تغعيل قانون العمل37 لعام 2015 وتنظيمه ومنع تشغيل الأطفال دون سن 15 عاما، وحصر السماح بتشغيل من هم بين 15و18وفق شروط ورقابة صارمة وفي مهن محددة.
ولا يتحقق ذلك الا بتنفيذ القانون الذي حدد عقوبة على أصحاب العمل حيث تم خرقه.وبدون ذلك الاهتمام فاننا امام كارثة اجتماعية خطرة سوف تقود البلد الى المجهول اذا ما تركت بدون ردع.
حماية الاطفال وضمان طفولتهم وتنميتها واجب وطني وشرعي فهم هبة الله.