العلاقة بين العملات الرقمية المركزية والشمول المالي وآثارهما في الأسواق المالية
بقلم منعم حسن علي / ماجستير – إقتصاد
العملات الرقمية المركزية (Cryptocurrencies) هي عملات رقمية مشفّرة تستخدم التقنيات الحديثة للتحقّق من صحة المعاملات وتأمين شبكة الدفع ، وتعتمد هذه العملات على تقنية البلوكشين (Blockchain)، والتي تعمل على توزيع البيانات المشفّرة عبر شبكة من الحواسيب المرتبطة ببعضها البعض ، وبذلك يصبح من الصعب التلاعب بالبيانات أو تزويرها ، وتمّ إطلاق أول عملة رقمية مركزية في عام 2009 هي البيتكوين (Bitcoin) في اليابان ، وهي تعتبر العملة الرقمية المشفّرة الأشهر والأكثر شهرة حتى الآن ، ومنذ إطلاقها ظهرت العديد من العملات الرقمية المشفّرة الأخرى ، مثل الإيثيريوم (Ethereum) والريبل (Ripple) ولايتكوين (Litecoin) وغيرها ، وتمتلك العملات الرقمية المركزية العديد من المزايا ، ومن أبرزها:
1. الأمان: حيث تتيح التقنيات الحديثة التي تعتمد عليها العملات الرقمية المركزية تحقيق مستويات عالية من الأمان والحماية ، وذلك بفضل استخدام الشفرات المعقدة والتوزيع الجغرافي للشبكة.
2. السرعة: فالعمليات المالية الرقمية تتمّ بسرعة فائقة ، حيث يمكن إرسال العملات الرقمية في غضون ثوانٍ ، دون الحاجة إلى وسيط مالي.
3. الشفافية: فالعملات الرقمية المركزية تتميّز بالشفافية ، حيث يمكن لأي شخص الوصول إلى البيانات المتعلّقة بالعمليات المالية ، والتحقّق من صحتها ، وذلك بفضل تقنية البلوكشين.
4. اللّامركزية: العملات الرقمية المركزية لا تخضع لتنظيمات حكومية أو مؤسّسات مالية ، ممّا يجعلها مستقلة ولامركزية وتعتبر بذلك أحد أهم مزاياها ، ومع ذلك فإنّ العملات الرقمية المركزية تواجه أيضاً بعض التحدّيات ، مثل تقلب أسعارها الشديد ، وانخفاض مستوى الثقة فيها نتيجةً لعدم وجود تنظيمات وقوانين تحمي المستثمرين ، وأيضاً قد تواجه تحدّيات في التطبيق العملي ، إذ أنّ هذه العملات تعتبر تقنية ناشئة ومبتكرة ، وتعد من الأساليب الحديثة للدفع والاستثمار ، وقد شهدت ارتفاعاً كبيراً في الطلب عليها خلال السنوات الأخيرة ، وقد تلقى اهتماماً كبيراً من المستثمرين والمتداولين في الأسواق المالية مستقبلاً حيث لا تزال بعض الدول تتعامل معها بحذر وتحاول فهم تأثيراتها على الاقتصاد والنظام المالي ، فقد تكون هناك آثاراً متنوّعة ومتعدّدة الأوجه لهذه العملات في الأسواق المالية ، إذ يمكن أن تؤثّر على أسعار العملات الأخرى ، وخاصّة العملات الرئيسة مثل الدولار الأمريكي واليورو ، فعلى سبيل المثال عندما يزداد الطلب على العملات الرقمية المركزية ، يمكن أن يؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار هذه العملات ، وعلى النقيض عندما ينخفض الطلب عليها يمكن أن يؤدّي ذلك إلى انخفاض أسعارها ، بمعنى أكثر دقة ، عندما يشتري المستثمرون العملات الرقمية المركزية ، فإنّهم سيقومون بشرائها بالدولار ، و هذا سيؤدّي إلى زيادة الطلب على الدولارات ، ممّا يؤثّر على قيمتها ، وهذا قد يؤدّي إلى تغييرات في الاقتصاد العالمي وبالتالي التأثير على قيمة العملات الرئيسة وهذا يشكّل خطراً على الاستقرار المالي العالمي ، و قد ينتج عن هذا الأمر إنخفاض الثقة في الدولار والبحث عن بدائل أخرى ، وكذلك بالإمكان أن تؤثّر هذه العملات على سوق الأسهم ، حيث يمكن أن تؤدّي تحركات أسعار العملات الرقمية المركزية إلى تحركات في الأسواق المالية ، وخاصّة في القطّاعات التي تتعلق بالتكنولوجيا والابتكار ، وأيضاً يمكن أن تؤثر على الاقتصادات الوطنية ، حيث يمكن أن تؤدّي تحركات أسعار هذه العملات إلى تحرك في أسعار صرف العملات والتجارة الدولية ، ونظراً لكون أنّ هذه العملات يتم تداولها في سوق عالمي واسع ، يتأثّر بالعوامل الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والاجتماعية فهي تكون عرضةً للتقلبات والتي تعتبر شائعة ومستمرة ، وذلك بسبب عدم وجود تنظيمات وقوانين تحمي المستثمرين وتضمن استقرار الأسواق ، ولذلك فإنّه من المهم أن يفهم المستثمرون تلك المخاطر قبل الاستثمار في العملات الرقمية المركزية ، وهذه النتائج والتبعات قد تؤثّر سلبياً على معدّلات النمو الاقتصادي ومعدلات التضخّم ، لأنّ تأثير العملات الرقمية المركزية على الأسواق المالية يمكن أن يكون غير متوقّع وغير متنبئ به ، حيث يمكن أن تحدث تقلبات في الأسعار بشكل سريع وغير متوقّع ، ممّا يمكن أن يؤثّر على الاستثمارات والمدخرات ، لذلك ينبغي على المستثمرين فهم الخطورة المحتملة للاستثمار في العملات الرقمية المركزية والتحلي بالحذر عند اتخاذ القرارات المالية ، إضافةً إلى ذلك أنّ بعض الحكومات تنظر إلى العملات الرقمية المركزية بقلق شديد ، وتدعوا للحدِّ من استخدامها والتداول فيها ، وذلك بسبب مخاطر الإستخدام السلبي لهذه العملات ، مثل استخدامها في التجارة غير القانونية وتمويل الإرهاب وغسيل الأموال ، وعلاوة على ذلك ، قد يكون استخدام العملات الرقمية المركزية يتمّ بدون تحكّم من الحكومات والبنوك المركزية ، ممّا يعرّض الحكومات لتحدّيات قانونية وضرائبية ورقابية ، وهذا يترتّب عليه تغييرات في التشريعات المالية والضريبية والرقابية ، وعليه فإنّ العلاقة بين العملات الرقمية المركزية والشمول المالي وتأثيرهما في الأسواق المالية تعتمد على العديد من العوامل المختلفة ، بما في ذلك التطوّر التكنولوجي والتشريعات الرسمية والتوجهات الاستثمارية والاقتصادية المحلية والدولية ، وبما أنّ هذه العملات لا تزال في مراحلها المبكرة ، فإنّ الآثار الكاملة لهذه الظاهرة لا يزال من الصعب تحديدها بدقة.
ومن المهمّ أن نلاحظ أنّ العملات الرقمية المركزية ليست الحل الوحيد لتحسين الشمول المالي ، ويمكن أن تتبنّى الحكومات والمؤسّسات الأخرى حلولاً أخرى ، مثل تعزيز ورفد البنوك المحلية والتمويل الصغير والمتوسّط والاستثمار في البنى التحتية للتكنولوجيا المالية ، وبنفس الوقت يجب يتم التعامل مع العملات الرقمية المركزية بحذر وتحليل دقيق للمخاطر والفرص المتاحة ، ويجب على المستثمرين والمتداولين الاستشارة بشأن القرارات المالية الخاصة بهم.
Sources:
- M. Carney and P. Vigna , The age of Cryptocurrency : How Bitcoin and Digital Money are challenging the Global Economic order, New York , NY: St. Martin’s Press , 2014 .
- A. Narayanan ,et.al, Bitcoin and Cryptocurrency Technologies :A Comprehensive Introduction, Princeton University Press, 2016.