د. سلطان جاسم النصراوي
كلية الادارة والاقتصاد / جامعة كربلاء
ما لبث الاقتصاد العراقي ان يتعافى وبشكل نسبي وبسيط من ازمة وصدمة مزدوجة خانقة (تنظيم داعش الإرهابي وانخفاض أسعار النفط) خلال المدة 2014-2018 وما ان عاودت أسعار النفط الارتفاع التدريجي لتستقر فوق حاجز الــ 60 دولار في عام 2019 وبداية عام 2020 لتحقق الموازنة العامة للبلد فائض بلغ 17 ترليون دينار عراقي في عام 2018.
الا ان الملاحظ هنا، ان الحكومة العراقية لم تستفيد من التجربة وتتعلم الدروس من الازمة المزدوجة ومن ثمُ لم تتخذ أي اجراء احترازي لوقوع أزمات مستقبلية مماثلة. وما ان بدأ الربع الأول من عام 2020 يشارف على الانتهاء عاد ليجد الاقتصاد العراقي نفسه امام ازمة وصدمة مركبة هذه المرة ثلاثية (سياسية – صحية –اقتصادية) تمثلت الأولى في استقالة حكومة عادل عبد المهدي دون إقرار الموازنة العامة للبلد والدخول في دوامة عدم وجود حكومة وعدم وجود موازنة عامة، ومازالت الموازنة العراقية بين مطرقة الحكومة وسندان البرلمان، مما انعكس سلباً على النشاط الاقتصادي للبلد، فضلاً عن ازمة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في تشرين الثاني من عام 2019 بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم توفر فرص العمل.
في حين تمثلت الازمة الصحية بانتقال فايروس كورنا الى العراق واصابة أكثر من1500 شخص في مناطق متفرقة من البلد، ووجود حالات وفات جراء الإصابة بالفايروس، مما ولد حالة من الذعر والهلع بين الناس، في ظل عدم توفر بنية تحتية صحية وبيئة مناسبة للسيطرة على المرض والحد من تداعياته، وضعف النظام الصحي وضعف القدرات الحكومية وقلة الموارد.
اما الصدمة الاقتصادية، تمثلت في الانخفاض الحاد في أسعار النفط بسبب الوباء وانتقاله الى العديد من دول العالم، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، والذي أربك أوضاع المالية العامة في البلد، وأصبح تمويل الانفاق العام في البلد يواجه تحديات وصعوبات كبيرة، وسيؤدي تشديد أوضاع المالية العامة الى الكشف عن مواطن ضعف كبيرة في المالية العامة، وسيؤدي ذلك الى اتساع عجز المالية. وتشير الإحصاءات الى ان انخفاض دولار واحد من سعر برميل النفط يفقد العراق سنوياً ما بين 1- 1.4 مليار دولار.
وبدأت الصدمة فعلاً عندما أخفق اجتماع أوبك+ في الحفاظ على الاتفاق النفطي لتنحدر أسعار النفط بشكل مفزع، وليخسر خام نفط البصرة (الثقيل والخفيف) أكثر من 50% بالمتوسط، لينذر بتفشي ازمة وصدمة قوية لاقتصاد يعتمد بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية في تمويل إيرادات الموازنة.
وفي سياق انخفاض أسعار النفط وفي ظل ضغوطات أمريكية لتعديل أوضاع الأسواق النفطية، اجتمعت دول أوبك+ برئاسة السعودية في 10 نيسان/ ابريل وتم الاتفاق على جملة من النقاط لعل أبرزها خفض الإنتاج العالمي بواقع 10 مليون برميل يومياً لشهرين ابتداءً من أيار/ مايو حتى حزيران / يونيو (وكانت حصة العراق من التخفيض هو مليون برميل يومياً) يتبعها انخفاض بمقدار 8 مليون برميل/ يوميا خلال المدة من 1/7 لغاية كانون الاول 2020، يتبعها تخفيض ثالث من الأول من كانون الثاني 2021 ولغاية نيسان 2021.
ان هذا التخفيض قد لا يتلاءم مع أوضاع الأسواق النفطية وما خلفته جائحة كورونا من تداعيات وانخفاض وتراخي الطلب العالمي على النفط، ذلك ان انتاج النفط يبلغ 100 مليون برميل/ يومياً والطلب العالمي هو 70 مليون برميل يومياً، أي هناك فائض يبلغ 30 مليون، وتخفيض مقداره 10 مليون سيقلص فجوة المعروض الى 20 مليون برميل، وعليه فان التخفيض لا يحقق الهدف المنشود وهو ارتفاع الأسعار، وهو ما تحقق فعلاً بانخفاض الأسعار بنفس اليوم اذ خسرت عقود خام برنت بنحو 1.36 دولار، وانخفضت عقود خام غرب تكساس بنحو 2.33 دولار، وقد تشهد الأسواق النفطية مزيداً من الانخفاض في الأسعار، وفي سياق موافقة العراق على الاتفاق فإن انتاجه سينخفض من 3.8 مليون الى 2.6 مليون برميل مصحوباً بانخفاض أسعار النفط. وازاء هذه المعطيات وفي ضوء عدم إقرار الموازنة العامة لغاية نهاية الشهر الرابع من عام 2020 وحتى يمكن التعرف على انعكاسات الازمة على مسارات عجز الموازنة العامة في البلد.
نفترض الاتي:
إنتاج 3 برميل/يومياً بالمتوسط لطول السنة، وان انخفاض سعر النفط بمقدار دولار واحد يكلف خسارة مقدراها مليار دولار سنوياً.
وسنعتمد افتراضات اسعار الصرف 1182 دينار لكل دولار
وثبات الايرادات غير النفطية وبقاء الانفاق العام على حاله لعام كما في موازنة 2019
اعتماد سعر 56 دولار لبرميل النفط في تصميم الموازنة العامة لعام 2020، وعجز مخطط بلغ 50 ترليون دينار.
السيناريو الأول: في حال احتساب سعر النفط 30 دولار بالمتوسط لعام 2020، فهذا يعني خسارة مقدارها 26 دولار عن كل برميل يومياً (نحو 31 ترليون دينار) مضافاً اليها العجز المخطط البالغ 50 ترليون ليصبح لدينا عجز يبلغ ما يقارب 81 ترليون دينار وهو رقم كبير جداً لا يمكن تحمله ولا يمكن الاستمرار في سياقه.
السيناريو الثاني: في حال احتساب سعر النفط 35 دولار فهذا يعني خسارة مقدارها 21 مليار دولار (تقريباً 25 ترليون دينار) مضافاً اليها 50 ترليون ليكون مجموع العجز نحو 75 ترليون.
السيناريو الثالث: بافتراض سعر النفط 40 دولار، فهذا يعني خسارة مقدارها 16 مليار دولار (أي نحو 19 ترليون دولار) ليصبح مجموع العجز نحو 69 ترليون دينار.
السيناريو الرابع، بافتراض سعر برميل النفط 45 دولار، فهذا يعني خسارة مقدارها 11 مليار دولار (تقريباً 13 ترليون دينار) ليكون مجموع العجز 63 ترليون.
ان انخفاض أسعار النفط وفشل السياسات المالية وسياسات الانفاق المُغالى فيه أدت الى دخول العراق في منطقة الخطر الاقتصادي، فقد يصل العجز في موازنة 2020 الى أكثر من 60 ترليون دينار عراقي وقد يتصاعد حجم الدين العام والذي بلغ أكثر من 120 مليار دولار، وقد تصبح الحكومة عاجزة عن توفير استحقاقات الرواتب والأجور للموظفين.
ان مزيجاً من انخفاض أسعار النفط نتيجة تراجع الطلب العالمي وانتشار فايروس كورونا وعدم استقرار الوضع السياسي بالبلد، قد ينذر بأزمة اقتصادية جديدة سيكون الشعب العراقي الخاسر الأكبر فيها، وسيظل الاقتصاد العراقي تحت رحمة سعر برميل النفط مالم تتخذ إجراءات عاجلة وسياسات اقتصادية فعالة وعقلانية لمواجه انخفاض أسعار النفط، وقد تلجأ الحكومة الى اتخاذ إجراءات تقشفية حادة ستكون لها اثار سلبية طويلة الأمد على الاقتصاد. وإزاء التحديات الضاغطة، ستظل الموازنة الاتحادية بحاجة الى تعديلات جوهرية، وضغط غير مسبوق للإنفاق الحكومي وسيكون ديدن موازنة 2020 هو التقشف.