بقلم الاستاذ المساعد الدكتورعمار محمود الربيعي
كلية الادارة و الاقتصاد / جامعة كربلاء
يضرب كوفيد 19 بأطنابه قوة وانتشارا في ارجاء المعمورة مسببا حالة من الذعر وعدم اليقين في مجمل مفاصل الحياة الصحية والاقتصادية والسياسة العالمية . وقد ظهر هذا الفايروس اولا في وسط الصين في مدينة يوهان في 12 كانون الاول/ديسمبر 2019 الا ان الصين لم تكشف عنه الا في منتصف كانون الثاني/يناير 2020 . وحسب منظمة الصحة العالمية فأن كوفيد 19 هو احد فيروسات كورونا ، وهي فصيلة متنوعة من الفايروسات التي تسبب المرض للحيوان والانسان على السواء .ومن المعروف على الصعيد الطبي ان فايروسات كورونا تسبب عند البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي تتراوح حدتها من حالات البرد الاعتيادية الى الامراض الاشد وطئه مثل متلازمة الشرق الاوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة (السارس) .
وعلى عكس اغلب الازمات التي مر بها الاقتصاد العالمي منذ ما يقارب القرن من الزمن فأن ازمة كوفيد 19 المستجد اخذت اطارا جغرافيا وزمنيا غير محددا مما يثير القلق حول ماهي المديات التي يمكن ان تفعلها هذه الازمة ماهي حدود السياسات والاجراءات التي يمكن من خلالها تفادي الاضرار الناجمة عنها . فالانتشار السريع للفايروس بفعل صفاته الخفية ( حيث انه يبقى داخل المريض في فترة حضانة تصل الى 14 يوم قبل ظهور اية اعراض عليه ،كما انه يبقى على الاسطح وعالقا في الهواء من 4 ساعات الى عدة ايام حسب نوع السطح والظروف المناخية ) ادى ذلك الى شل قطاعات الاعمال الخاصة والحكومية في اغلب دول العالم خاصة ان هذا الامر مس اكبر 10 اقتصادات في العالم حيث تأتي من بينها الولايات المتحدة الامريكية والصين واليابان وكوريا والمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا الاكثر تضررا وتأثرا بالجائحة . هذه الدول المذكورة يمثل ناتجها المحلي الاجمالي 60% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي العالمي ، و65% من القدرة التصنيعية العالمية ، و41% من الطاقة التصديرية في العالم . وفي ظل هكذا وضع يطفو الى السطح ما يسمى بسلوك القطيع أي الجوانب النفسية العامة والتي تؤدي الى الاتجاه نحو سحب الاموال من المصارف والتكالب على شراء المواد الغذائية واكتناز الاموال وتعطيل الاستثمار، واصابة سلسلة التوريد العالمية بالعطب ،مما يؤدي الى شل الاقتصاد العالمي وعدم قدرة الاعمال في مواصلة انتاجها على النحو السابق وبالتالي يتجه الناتج العالمي نحو الانخفاض . وهذا معناه انخفاض التوظيف وانخفاض الدخل ، ثم انخفاض الاستهلاك والادخار ، وفي نفس الاتجاه فأن سوء بيئة الاعمال نتيجة عدم اليقين والالتزام بالأنظمة الصحية خاصة ما يتعلق بالتباعد الاجتماعي الطوعي والقسري ، تشجع الاكتناز وحجز الاموال عن دائرة الانتاج مما يفضي الى دورات حلزونية من النزول في معدلات النمو الاقتصادي العالمي .
ووفقا لصندوق النقد الدولي IMF فأنه يتوقع ان تنكمش الاسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في عام 2020 الى -1% ، اما الاقتصادات المتقدمة فيتوقع لها الصندوق ان تنمو نموا سالبا مقداره -6.1% ، اما على مستوى عالمي فأن النمو المتوقع هو -3% ، وحجم التجارة العالمية سيكون -11% وذلك لنفس عام المقارنة . وعلى المنوال نفسه توقع صندوق النقد الدولي ان تنحسر آثار كوفيد 19 في الربع الاخير من عام 2020 في سيناريو متفائل له ، ليكون معدل النمو الاقتصادي في عام 2021 هو 6.6% ، 4.5% ،5.8% في كل من الاسواق الصاعدة والنامية ، والاقتصادات المتقدمة ، والاقتصاد العالمي على التوالي ، فيما تكون حجم التجارة العالمية 8.4% .
واستنادا للسيناريو الاول غير المتفائل والذي يمتد خلال عام 2020 ان هناك نوعا ما من المقايضة ما بين نظم الرعاية الصحية الواجب اتباعها وما بين معدلات النمو الاقتصادي العالمي التي يمكن ان تكون ، وهذا ما يمكن تسميته بمنحني كوفيد-19 وكما ما هو موضح في ادناه:
اذ يتضح من الرسم البياني ان هناك علاقة تبادل عكسية ما بين النمو الاقتصادي العالمي وما بين نظم الرعاية الصحية والتي تتضمن في اهم جوانبها مسالة التباعد الاجتماعي ، والتي افرغت سوق العمل الخاص والعام من اليد العاملة الضرورية لديمومته ، وبالتالي ادى ذلك الى انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي الجارية والمتوقعة على طول عام 2020 . ولاشك ان هذا الامر سوف يرخي بضلاله على الطلب العالمي على اهم سلعة عالمية الا وهي النفط بالتخفيض، اذ تتوقع منظمة اوبك لمجموعة الدول المصدرة للنفط OPEC ان ينخفض الطلب العالمي عليه في الربع الثاني من العام الجاري بنحو 12 ملين برميل/يوم ، اما كميات النفط المطلوبة لشهر ابريل/نيسان الجاري فمن المتوقع ان تنخفض الى حدود 20 مليون برميل/يوم . وهذا الامر له آثار سيئة على البلدان المنتجة للنفط والمعتمدة عليه بشكل شبه كلي مثل العراق على سبيل الاشارة . وتبقى التكهنات بخصوص ازمة كوفيد ما بين هذين السيناريوهين ، وهو ما يعني بقاء ركود الاقتصاد العالمي خلال عام 2020 مع توقع بوادر بتحسنه مع مقتبل عام 2021 متزامنا ذلك مع احتمالية انفراج الازمة الصحية وامكانية السيطرة عليها .