الاستاذ المساعد الدكتور عمار محمود الربيعي
كلية الادارة والاقتصاد/جامعة كربلاء
يعيش الاقتصاد العراقي اوضاعا صعبة ليست هي وليدة ازمة اليوم ، ولأن تركته ثقيلة تحملها نتيجة سياسات خاطئة تعود لما قبل عام 2003 وما بعده . اذ تركت اجراءات الحكومات المتعاقبة حمى الحرمان واللاعدالة الاجتماعية كنتيجة لعدم ادراك اهمية ادارة الاقتصاد وفق انساق علمية وموضوعية سليمة . لذا بات الاقتصاد يعتاش على مصدر وحيد للدخل في سلعة اولية تتضاربها امواج عاتية في اسواقها الدولية في ظل اسعار متقلبة بعنف كسمة لصيقة بها . وبالرغم من السعي للتحول بالاقتصاد الى ناحية التنويع والاصلاح عبر بوابة اقتصاد السوق وتشجيع القطاع الخاص من خلال ذكر ذلك صراحة في الدستور ، الا ان الواقع العملي يشير الى ان الاصلاح والبحث في انتهاج سبل اقتصاديات السوق قد ماتت عبر سياسات عملية بعيدة كل البعد عن ما تحتاجه المبادئ السامية للإصلاح على وفق رؤية السوق كأطروحة تترافق معها تدخل الدولة لتعديل مساراتها اينما انعكست واجترت عيوبها . اذ اصبح القطاع الخاص ينوء بثقل سياسات الحكومات غير المشجعة له خاصة ما تعلق بحماية المنتج المحلي وترك الباب مفتوحا على مصراعيه للبضائع الاجنبية المنافسة سعرا ونوعا ما ادى الى سحب البساط من تحت ارجل الاطروحة الاصلاحية ، واتجه قطاع الاعمال شأنه في ذلك شأن الدولة يلهث وراء ريع النفط الخارجي في نشاطات استهلاكية تفاخريه وتجارية ومقاولات لتنفيذ برامج حكومية غير منتجة للسلع والخدمات بشكل مباشر وهو ما يعبر عنه بأنشطة اقتناص الريع Rent Seekers . وحينما طفت الى السطح الازمة في ثلاثيتها (ثورة تشرين/اكتوبر، تراجع اسعار النفط الدولية ، تفشي وباء كورونا المستجد) من الطبيعي جدا ان لا يجد الاقتصاد شيئا يعتد به بشكل صلب ليتكأ عليه . اذ بالرغم من ان العراق يعتبر رابع اكبر بلد مصدر للنفط عالميا ، لا يمتلك صندوق سياديSovereign Fund كما هو الحال مع اغلب الدول النفطية مثل السعودية والكويت والامارات وغيرها ، ولم يستطع ان يفاوض بنجاح في اطار جولات التراخيص النفطية لزيادة الانتاج وتكوين طاقة انتاجية فائضة يستطيع من خلالها ان يناور في ظل عضويته داخل منظمة اوبك للدول المصدرة للنفط ، حيث بالرغم من انفاقه لما يقارب من 80 مليار دولار على تطوير الحقول النفطية خلال المدة 2010-2018 لكن لم يزداد الانتاج العراقي الا بحدود 2 مليون ب/ي تقريبا . اما احتياطيات البنك المركزي العراقي فهي ليست من السعة الكافية لمواجهة ازمة قد تطول لاكثر من سنة ،
اذ يقدر احتياطيه بنحو 70 مليار دولار نصفها تقريبا مستثمرة في سندات الخزانة الامريكية . اما الدين العراقي الداخلي فيقدر 40 ترليون دينار . وهذا يثير سؤال حول مدى قدرة الحكومة على اصدار وثائق دين جديدة في ظل ادارة للاقتصاد غير ذات وزن ، مع تراخي قدرة الحكومة المالية اتساقا مع الايراد الهابط كنتيجة حتمية لنزول اسعار النفط بسبب ازمة جائحة كورونا العالمية والنزاع على اسواقه من قبل هذا. حيث بعد ان كان سعر النفط يراوح بحدود 60 دولارا للبرميل في عام 2019 ، اصبح حاليا يراوح على 25 دولارا في الربع الاول من عام 2020 متزامنا مع ازمتي كورونا والنزاع على اسواقه من قبل الاطراف الكبيرة السعودية وروسيا والولايات المتحدة . وبالتالي فأن العراق امام وضع مالي صعب للغاية خلال عام 2020 مع التوقعات العالمية التي تشير الى ان الازمة الصحية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي ومن ثم الطلب على النفط سوف تبقى الى نهاية عام 2020 في افضل السيناريوهات .
وفي ظل هكذا وضع فأنه يمكن بيان حزمة من الحلول الآنية والمستقبلية من اجل تفادي المنزلقات الخطيرة والتخفيف من حدتها.
1-الركون الى موازنة عامة استثنائية للأزمة تتقلص فيها ابواب النفقات المتصلة بالايفادات والنثريات والاثاث الى ادنى الحدود في ظل سعر للنفط يحوم حول 25 دولارا ، حيث التركيز على قضية ايفاء الرواتب والاجور ، والانفاق على نظم الرعاية الصحية اللازمة لمواجهة وباء كورونا المستجد ، فضلا عن تأمين مفردات البطاقة التموينية وشبكة الرعاية الاجتماعية . وبنفس الاطار يتم الغاء الموازنة الاستثمارية لهذا العام من اجل تعزيز الفقرات التشغيلية .
2-اعادة النظر برواتب وامتيازات الرئاسات الثلاث والملحقيات والسفارات .
3-انتهاج سياسة تجارية خارجة تتمحور حول التشديد في مراقبة المنافذ ، وفرض تعريفات عالية على السلع الكمالية والغير الضرورية من اجل تخفيض الضغط على نافذة بيع العملة والمحافظة على الاحتياطيات ، وفي نفس السياق خفض التعريفات على السلع الوسيطة والاولية لتشجيع عمليات الانتاج الوطنية في سبيل تعزيز دورات الدخل والناتج محليا .
4-محاولة تعزيز الايرادات غير المرتبطة بالنفط بشكل آني وبشكل استراتيجي طويل المدى من خلال اجراء اصلاحات ادارية واقتصادية في القطاع العام ، وتحسين الاستيفاء من القطاع الخاص بعد عملية نضوجه .
5-المفاوضة على اعادة جدولة للديون وتأجيل دفع استحقاقات الكويت الى ما بعد الازمة .
6-ضخ سيولة في الاقتصاد بفائدة صفرية او رمزية بمعية البنك المركزي لتعويض انخفاض الايرادات وتنشيط القطاع الخاص الرسمي ، وغير الرسمي بألية تساقط الثمار .
7-استعانة الحكومة بالاستدانة الداخلية عن طريق طرح حوالات وسندات جديدة ، وشراء المركزي للأوراق المالية من السوق الثانوية .
8-الغاء الامتيازات التجارية للدول المجاورة بأعادة الرسوم الجمركية واستحصال قيم النفط المصدر بشكل كامل، وتفعيل سمات الدخول (الفيزا) سيما في اوقات الزيارات الدينية لتعزيز التعبئة المالية .
9-محاولة انشاء صندوق سيادي في المستقبل ، واشاعة ثقافة شد الاحزمة على البطون من اجل تقليص الاستهلاك الترفي وسلوك المحاكات .
10-تشجيع استراتيجية التنمية بقيادة التصنيع ، وتوفير الدعم الملائم لإقامة المدن الصناعية .