د. سلطان جاسم النصراوي
كلية الادارة والاقتصاد – جامعة كربلاء
صناعة السياحة واحدة من أكبر الصناعات بالعالم وأسرعها نمواً وتأتي بعد قطاع التكنولوجيا والاتصالات، وهي صناعة مركبة ذات روابط امامية وخلفية متعددة التشابكات والاتجاهات مع مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي صناعة القرن الحادي والعشرون بحق.
وعلى مدى ست عقود مضت توسعت السياحة بشكل لافت للنظر، وأصبحت في سلم الأولويات للعديد من الدول وباتت تشكل ميزة تنافسية للدول، فهي محرك ديناميكي للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل وزيادة النقد الأجنبي وتحفز النشاط الاقتصادي وتعزيز أداء الاقتصاد الكلي. وتتمثل الحجة الرئيسة في كون ان السياحة عامل مهم في النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية من خلال قياس الأهمية الاقتصادية للسياحة عن طريق الاثار المباشرة المتمثلة (الدخل القومي، والناتج المحلي الإجمالي، ميزان المدفوعات، فرص العمل، وإعادة توزيع الدخل) والاثار الغير مباشرة المتمثلة بالمضاعف السياحي (مضاعف التشغيل، مضاعف الإيرادات، مضاعفات الدخل، مضاعف المبيعات، مضاعف المخرجات…الخ) وهذه الاثار هي ضعف الاثار المباشرة مما يدل على عمق الروابط مع القطاعات الأخرى، الى جانب الاثار المُحدثة او المُستحثة Induce Impact والمتمثلة في استفادة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى منه.
وتشير الإحصاءات الى ان عدد السياح بلغ في 2018 نحو 1.4 مليار سائح في عام 2018 بالمقارنة مع 25.3 مليون في عام 1950، وارتفعت الإيرادات السياحية لتصل الى ما يقارب 1.6 ترليون دولار بالمقارنة مع 2.1 مليار دولار في عام 1950، في حين بلغت الاثار المباشرة وغير المباشرة والمستحثة للسياحة في عام 2019 نحو 8.9 تريليون دولار أمريكي (تقريباً 10.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) ووفرت نحو 330 مليون وظيفة (1 من كل 10 وظائف حول العالم)، في حين بلغت صادرات السياح 1.7 تريليون دولار أمريكي (%6.8 من إجمالي الصادرات و28.3٪ من صادرات الخدمات العالمية)، اما الاستثمارات الرأسمالية فبلغت ما يقارب 948 مليار دولار أمريكي استثمار رأسمالي (نحو 4.3٪ من إجمالي الاستثمار العالمي) وكان عام 2019 عامًا آخر من النمو القوي لقطاع السفر والسياحة العالمي مما عزز دوره كمحرك للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
جائحة كورونا…ازمة مختلفة
واجه القطاع السياحي مجموعة من التحديات والأزمات خلال السنوات السابقة أدت الى اعاقة نموهُ مثل احداث 11 سبتمبر/ أيلول أدت الى تراجعه بنحو 3.1% ومرض السارس 0.5% والازمة المالية العالمية 4%، وقد استطاعت تجاوز كل تلك الازمات مما يدل على مرونتها في مواجه الصدمات.
الا ان هذه الازمة (جائحة كورونا COVID-19) والتي بدأت من الصين وانتشرت الى اغلب دول العالم مختلفة بكل المقاييس وستكون لها تداعيات سلبية طويلة الأمد على القطاع السياحي في سياق الإجراءات المشددة التي اتخذتها دول العالم من فرض حظر التجوال واغلاق المؤسسات وحظر الطيران، واغلاقات واسعة للأعمال والخدمات، وتسريح العاملين ومنح البعض منهم اجازات غير مدفوعة الثمن …الخ، الى جانب عدم توفر اللقاحات للقضاء على الفيروس الامر الذي يولد الخوف وعدم الطمأنينة حتى بعد تراجع الوباء لمدة طويلة
وفي هذا السياق، وتشير تقديرات وتوقعات منظمة السياحة العالمية UNWTO ومجلس السياحة والسفر العالمي WTTC الى انخفاض اعداد السياح عالمياً بنسبة تتراوح ما بين 20- 30% خلال 2020 مقارنةً بالأرقام المتحققة في عام 2019 بحسب أخر تقييم للوضع السياحي نتيجة تأثير انتشار فيروس كورونا وما تبعه من قيود على السفر حول العالم، وقد تنخفض تبعاُ لذلك إيرادات قطاع السياحة عالمياً بنحو 50% أي ما يقارب 350- 400 مليار دولا خلال 2020 (أي فقدان سبع سنوات من النمو المتواصل) جراء انتشار فيروس كورونا لتكون أسوأ أزمة تؤثر على القطاع السياحي خلال العقود الخمسة الماضية. ومن المتوقع فقدان ما يقارب 100 مليون وظيفة في القطاع عالمياً، وفي هذا الاطار، حث قادة مجلس السياحة العالمي ومنظمة السياحة العالمية مجموعة الدول العشرين لاتخاذ إجراءات حاسمة لإنقاذ قطاع السياحة والسفر وتخصيص الموارد وتنسيق الجهود لإنقاذ شركات القطاع الرئيسة والتي تتضمن شركات الطيران، الرحلات البحرية، والفنادق وشركات التوزيع العالمية، وشركات التكنولوجيا، فضلاً عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مثل وكلاء السفر ومنظمي الرحلات والمطاعم والعمال المستقلين وسلاسل التوريد بهدف إنقاذ وظائف 330 مليون شخص يعتمدون على قطاع السياحة والسفر كسبيل للعيش.
وكان من الطبيعي ان تتأثر حركة النقل الجوي والطيران، وهو ما تحقق بالفعل، اذ انخفضت اسهم شركات الطيران بشكل واضح وكبير، فبحسب مؤشر S&P 500 فإن قطاع الطيران شهد انخفاضاً في أسعار الأسهم بنسبة 45%، وانخفضت اسهم شركة United Air Lines بنسبة 58% واسهم مجموعة الخطوط الأميركية بنسبة 33%، كذلك الأمر بالنسبة إلى أسهم الشركات الأوروبية، إذ انخفضت اسهم شركة AIG بنسبة 25%، و شركة Ryan air بنحو 18%، و شركة IZJ 17% والنسبة نفسها لمجموعة Air France KLM ، من جانب آخر انخفض مؤشر Dow Jones للنقل العالمي dow jones global shipping index والصادر عن مؤسسة Standard & Poor’s العالمية لقياس اداء قطاع الشحن العالمي ليصل الى ادنى مستوى له، في حين قدرت منظمة IATA للطيران المدني انخفاض عائدات الركاب بما يقارب 252 مليار دولار (نحو 44% من العوائد بالمقارنة مع 2019). في حين قالت المنظمة الدولية للطيران المدني إيكاو ICAO التابعة للأمم المتحدة في بيان إنها تتوقع انخفاض إيرادات شركات الطيران العالمية بقيمة تتراوح بين 4-5 مليار دولار في الربع الأول من عام 2020بسبب عمليات إلغاء الرحلات المرتبطة بانتشار فيروس كورونا.
أهمية الصين لقطاع السياحة العالمي:
على المستوى المحلي تحتل السياحة في الاقتصادي الصيني أهمية كبيرة فهي تمثل 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر ما يقارب 80 مليون فرصة عمل، اما على الصعيد الدولي تمثل الصين أهمية كبيرة للسياحة اذ ارتفع عدد السياحين من الصينيين من 47.7 مليون في عام 2009 ليصل الى نحو 159 مليون سائح في عام 2019 بمجموع إنفاق بلغ 277 مليار دولا، وهي تمثل 20٪ من إجمالي الإنفاق على السياحة الدولية، كما تمثل رابع أكبر وجهة سياحية اذ استقبلوا نحو 63 مليون سائح خلال عام2019.
وفي ظل انعكاسات فيروس كورونا وفي سياق الاحترازية والقيود المتبعة لمواجهة الوباء فقد تضررت السياحة لبعض الدول المجاورة للصين لاسيما روسيا وتايلاند وسنغافورة وغيرها والتي تمثل مقاصد سياحية مهمة للصينيين، اذ خسرت روسيا نحو 100 مليون دولار جراء اغلاق الحدود مع الصين، وتوقعت سنغافورة خسارة تقدر ما بين 25-30% في عدد السائحين، اما تايلند فتوقعت انخفاض نحو 2 مليون سائح (28% من إيرادات السياحة في 2019)، في حين بلغت خسائر اليابان مليار دولار.
اما في منطقة الخليج، والتي استقبلت نحو 1.4 مليون سائح في عام 2018 ستكون مقبلة على اضرار كبيرة جراء قيود السفر وستكون دبي الأكثر عرضة للمخاطر كونها استقبلت أكثر من مليون صيني في عام 2019 وتربطها علاقات تجارية وسياحية مع الصين، مما يولد ضغوط قوية على قطاع الفندقة فيها.
ختاماً، ان تأثير تفشي فيروس كورونا COVID-19 سوف يكون ملموسا وسلبياً على طول سلاسل القيم السياحية (وكالات سفر وتسويق والنقل بكل انواعه ومنظمو الرحلات والفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة والأنشطة الترفيهية والخدمات المالية والاتصالات والتكنولوجيا. الخ) على المدى القصير والطويل، وستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تُشكل نحو 80٪ من قطاع السياحة معرضة للأذى بشكل خاص مع سبل عيش ملايين الناس في العالم أجمع، بما في ذلك داخل المجتمعات الضعيفة التي تعتمد على السياحة، وقد تؤدي إلى زوال قسم كبير من المؤسسات السياحية والفندقية والنشاطات التي تعوّل على حركة السياح، أما على المدى الأطول، ستتسبب الازمة بكساد ا طويل الأمد في القطاع وانكماش في المداخيل وفي الإنفاق السياحي، كما قد تسهم عوامل الخوف النفسي التي ستستمر لفترة طويلة في المزيد من تراجع الطلب على السياحة، وسيؤدي انهيار الطلب على السياحة إلى تفاقم غير مسبوق في أسواق العقارات والبنى التحتية السياحية (الفنادق، المطاعم، مراكز الرياضة، والقرى والمنتجعات السياحية، وتخطيط المدن السياحية، ووسائل النقل السياحي.. الخ) مع ما قد يجر ذلك إليه من أزمات سيولة وديون متعثرة، لكن الأزمة الكبرى التي يشهدها القطاع هي أزمة البطالة وتسريحات لمئات الألوف لا سيما العمالة شبه الماهرة والعمال المؤقتين من العاملين في أسواق السياحة العالمية، وسيكون التأثير أشد على الاسر والعائلات الفقيرة المدمجين في سلسلة قيمة السياحة العالمية.