You are currently viewing الضوضاء الملونة وسعر الصرف :

الضوضاء الملونة وسعر الصرف :

الضوضاء الملونة وسعر الصرف :
ا.د.حمزة محمود شمخي:

في مقالات سابقة أشرنا ان (الضوضاء الملونة) في سوق الصرف في العراق تلعب دورها في خلق فارق كبير بين سعر صرف الدولار الرسمي عن سعر صرفه في سوق المضاربة او كما يطلق عليه خطأ السوق الموازي.
واستمرار تلك الضوضاء يعني ابعاد السعرين عن التلاقي ويستمر ذلك وفقا لقوة (الضوضاء) ومدى اتساعها ووسائل نشرها.
ورغم كثرة الحديث عن السوق الموازي وسعر الصرف فيه، حتى من المتخصصين في الاقتصاد النقدي، لا بد من الاشارة انه لا توجد في العراق ما يسمى بالسوق الموازي، لان مصدر الدولار الذي يطرح في السوق المحلية هو البنك المركزي العراقي، ولايوجد مصدر آخر غير ذلك، وهذا ما تم توضيحه من البنك المركزي في منشور يوم 8/3 حيث اكد ان (مصدر الدولار الأمريكي المتداول في الأسواق المحلية هو البنك المركزي العراقي، الذي يطرحه بالسعر الرسمي المقرّر (1320) دينارًا للدولار الواحد. وبناءً على ذلك فإنٌ ما يُطلَق عليه “السوق الموازي” لا حقيقة له، إذ يُطلَق ذلك الوصف عندما تكون للسوق مصادره الخاصة من العملة الأجنبية، وعن طريق صادرات القطاع الخاص والسياحة المحلية، وتحويلات المقيمين في الخارج وغيرها. كما هو الحال في الدول الأخرى، وعندها يكون دور البنك المركزي العمل على تحقيق التوازن في سعر الصرف، فيكون بائعًا أو مشتريًا للعملة الأجنبية في السوق.
أمّا في العراق فإنّ مصدر العملة الأجنبية الأساس هو البنك المركزي وعلى وفق هذا التوضيح الرسمي فان (سوق الصرف التي يُتداوَل الدولار فيها هي سوق مضاربة بعملة مُحدَّدة السعر والأغراض، وهو تداول غير شرعي، ولا يمكن إضفاء الشرعية عليه، أو الإعلان عن أسعار صرف يختلقها مضاربون، وينبغي على السلطات المختصة إيقاف المنصات والمواقع التي تعلن عن أسعار الصرف لعملة محدّدة السعر، يُلزم البنك المركزي العراقي تداولها بسعره المقرّر، طالما أنّه مصدَرها الوحيد) .
وهذا يعني ان سوق الصرف في العراق هي سوق مضاربة وهي سوق رمادية تؤثر فيها وتنشطها الضوضاء الملونة التي تسبب عدم الاستقرار بين عرض الدولار والطلب عليه وبالتالي سعره الرسمي وسعر السوق ، مما يتعذر على البنك المركزي ان يدخل السوق لخلق التوازن من خلال بيع او شراء الدولار الذي يطرحه هو دون غيره في السوق .
والضوضاء الملونة colored noise هي مصطلح اقتصادي مالي يقوم على الاشاعة والرأي المناقض للاجراء الرسمي للسلطة النقدية في تحديد سعر الصرف لتوليد ضوضاء سعرية في سوق العملة لتحقيق الارباح من خلال المضاربة بتحديد سعر التداول والإشاعة عن وجود فجوى كبيرة بين عرض الدولار والطلب عليه في السوق.
وكما هو ملاحظ فان (الضوضاء الملونة )تنشط في سوق العملة بين فترة واخرى ويساعد في نشاطها متغيرات اقتصادية وعقوبات دولية على دول اقليمية وظروف بيئية وأراء إعلامية غير واعية وذات جهل اقتصادي باساليب السياسة المالية والنقدية مما ينشط الطلب على الدولار كمخزن للقيمة وكوسيلة للمضاربة والتهريب ولذلك نرى بين حين واخر ابتعاد السعرين في السوق (السعر الرسمي وسعر المضاربة) لتبدا الضوضاء الملونة بخلق بلبلة سعرية من خلالها يتهافت من لديهم مدخرات نقود عراقية نحو السوق لشراء المزيد من الدولار كمخزن للقيمة او للمضاربة ولاغراض التهريب او لغسيل الأموال ولمحدودية العرض دائما فان سعر السوق يرتفع من قبل المضاربين .
لقد استغل الضوضائين قرارات الفدرالي الامريكي الاخيرة الخاصة بمنع( 14 )مصرف اهلي عراقي من التعامل بالدولار والتي فهمت على انها عقوبات على البنك المركزي والنظام المصرفي العراقي، وهي في الحقيقة عملية ضبط وتحسين وضع البنك المركزي للامتثال لأنظمة غسيل الاموال ومكافحة تمويل الارهاب Anti-Money Laundering /Combating the Financing of Terrorism والمعروفة اختصارا AML/CFT من اجل (رقمنة الاقتصاد العراقي من خلال البنك المركزي) وللحفاظ على موارد الدولة العراقية من التهريب وغسيل الأموال غير المشروعة.
وقد أدى ذلك الامتثال الى رفع سعر المضاربة بشكل مضطرد ليصل سعر صرف الدولار الى (1580)دينار او اكثر من ذلك،مما الزم البنك المركزي زيادة مبيعاته من الدولار ضمن ما يعرف بمنصة العملة حيث تم يوم الخميس 8/3 بيع (220.2) مليون دولار موزعة بين(166.9) مليون دولار حولات واعتمادات و(53.3) مليون دولار بيع نقدي.
وفي يوم الاربعاء 8/2 تم بيع (222.9)مليون دولار موزعة بين (176.4) مليون دولار حولات واعتمادات و(46.5 )مليون دولار بيع نقدي.
وفي يوم الثلاثاء 8/1 تم بيع (221 )مليون دولار موزعة بين( 186.2)مليون حولات واعتمادات و(34.8) مليون دولار بيع نقدي وفي يوم الاثنين 7/31 تم بيع (210.3)مليون موزعة بين(193.6) مليون دولار حولات واعتمادات و(16.7) مليون دولار بيع نقدي ،اي مامجموعه( 884.5) مليون دولار خلال اربعة ايام ،كما ويلاحظ ان البيع النقدي يتسم بالضخامة أيضا حيث بلغ( 149.3) مليون دولار لتمويل احتياحات المواطنين من السفر والعلاج خارج العراق، وخلق هذا الضخ الكبير انخفاض سعر الصرف في سوق المضاربة من( 1580)او اكثر الى (1480) او اقل .
ويبدو ان السلطة النقدية لديها معرفة بحدود هذه الضوضاء وطريقة اشاعتها وعازمة على انهاء التفاوت بين السعرين من خلال اعتماد اجراءات قانونية رادعة للمضاربين وخالقي الضوضاء وبيع المزيد من الدولار النقدي في السوق .
ان الاقتصاد العراقي اقتصاد تتوفر فيه كل مقومات النهوض والاصلاح والنمو،وعملته عملة قوية لايمكن ان تنهار كما يشيع البعض ، فالاقتصاد الذي يدخله شهريا قرابة 8 مليار دولار من تصدير النفط فقط ومقدار الاحتياطي الذي يحتفظ به البنك المركزي الذي تجاوز عتبة 120 مليار دولار لايمكن ان ينهار.
ومن المؤكد ان القضاء على سوق المضاربة وتثبيت سعر الصرف وفق هدف البنك المركزي سوف يتحقق ولكن يحتاج الى وقت وصبر اقتصادي وادارة فاعلة وكفوءة للسياسة النقدية واجراءات قانونية ومتابعة فاعلة من السلطة النقدية للحد من المضاربين في السوق ،ومثل هذا الاجراء أصعب من القرار القاسي الذي اتخذته السلطة النقدية في الحكومة السابقة في تخفيض قيمة الدينار امام الدولار مما ادى الى تشويه قيمته الحقيقية، واثر على سلوكية المواطن الذي شعر ان ديناره قد فقد إسمه وقيمته امام العملات الاجنبية.

لكن الملاحظة التي يجب التنبيه لها ان استمرار البنك المركزي ببيع هذا المقدار الكبير من عملة الدولار لمعالجة رمادية السوق والمضاربين، من خلال التوجه نحو قطاع الاستهلاك وهو قطاع غير تنموي قد يسبب استنزاف لاحتياطي الدولة واستنزاف لحصة الاجيال القادمة في ثروة بلادهم المحددة ضمن الاحتياطي الذي يحتفظه البنك المركزي، ويمكن للسلطة النقدية ان تلجأ الى ادوات اخرى غير الكم من الدولار في المنصة الاستهلاكية تستطيع ان تقضي على رمادية السوق والمضاربة، والبنك المركزي هو ادرى من غيره بتلك الادوات.