القيادة الادارية النرجسية
بقلــــــم ا.د.حمزة محمود شمخي
في مقالات متعددة طرحنا انواع من الانماط القيادية الادارية التي حددها الفكر الاداري ضمن مرحلة تطوره دون ان نميز نمط على اخر،إذ ان كل نمط يتناسق ويتفاعل مع قائده.
ومن ضمن الانماط القيادية الادارية يظهر النمط القيادي النرجسي، الذي طغى على سلوك بعض المدراء في ادارة منظمات الاعمال.
والنرجسية Narcissistic هي(إهتمام إستثنائي بالذات أو الإعجاب بها خاصة المظهر
الجسدي للذات)او هي(الأهتمام المفرط أو المثير لتقدير الذات)،اي الإفراط في حب الذات، من خلال تضخيم الفرد من أهميته وقدراته ومهاراته.
والنرجسية تركيب سلوكي ونفسي معقد قد يصل الى حد المرض وفق تاكيد علماء النفس والسلوك
والنرجسية تعني حب النفس أو الأنانية، وهذا الحب المتفرد هو(اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين).
ووفقا لنظرية عالم النفس فرويد عن الشخصية النرجسية،يمكن اجمال تفردها( بالغيرة من الآخرين، والعجرفة عليهم، وفرط الحساسية تجاه آرائهم، وعدم تقبلها، بالإضافة إلى السخرية منها،حيث يمتلك شعورا متضخما بأهميته، ويستحوذ عليه وهم النجاح والتألق) المبالغ به.
وإلملاحظ عن هذه الحالة السلوكية والنفسية هي سرعة إنتشارها وارتفاع مستوايتها خلال العقود الماضية بسبب تصعب الظروف والاضطرابات السلوكية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرضت لها المجتمعات المدنية في العالم،حيث يشير علماء النفس الاجتماعي وخبراء الصحة العقلية على أن النرجسية كمرض باتت أكثر إنتشارا ووضوحا الان في الحياة اليومية للمجتمعات المدنية في العالم كله.
ولان القيادة الادارية هي فن السلوك الشخصي، فقد ابرز الفكر الاداري نمطا قياديا أشيع إستعماله في ادارة منظمات الاعمال 5هي القيادة النرجسية.
والقيادة النرجسية Narcissistic leadership هي نمط اداري اساسه اهتمام القائد بنفسه اي ان(تتمركز الأولوية عند هذه الشخصيات حول أنفسها )ويكون ذلك بالضرورة على حساب المرؤوسين. ويمارس القائد النرجسي نشاطه الاداري والقيادي(بتعالي وفوقية، ولا يتردد بالعناد والاهتمام بالذات، والتمصلح من الوظيفة)،مركزا نشاطه على(الغطرسة والهيمنة والعدائية) لاغلب العاملين معه في المنظمة.
وتشير الدراسات الادارية والسلوكية أن القائد النرجسي يمارس مهمته وكأن قيادته الادارية استثنائية في ادارة المنظمة وله الفضل فيها رغم ان تلك الادارة تكون( مدفوعة بصفات من الغطرسة المتعنتة، والانشغال بالذات، والحاجة الشخصية الأنانية ،للحصول على النفوذ والإعجاب)،مما يسبب اختلال الادارة نتيجة الاهمال وتعطيل الأعمال (وضياع الوقت واتباع الروتين،واللامبالاة، والتغطرس).
وفي دراسات مهمة اكدت الى ان النرجسية عندما تصبح اساس سلوك القائد الاداري قد توصل المنظمة للنجاح المضطرد او ان تكون عليها أمرا مدمرا،وهي الحالة الاكثر شيوعا في تاريخ عمل منظمات الاعمال،حيث كانت سببا في انهيار الكثير من منظمات الاعمال في العالم مثل انهيار بنك (Lehman Brothers) حيث استعرضت احدى الدراسات العلمية نرجسية المدير التنفيذي للبنك وإصراره( على البقاء في منصبه، وعدم تغيير سياسة البنك رغم أن مؤشرات انهيار البنك بدأت منذ 2005، إلا أنه رفض كل النصائح لتحسين أوضاع البنك).
والمعروف عن القادة النرجسين ان(جاذبيتهم لا تقاوم، حيث ينبهر المرؤوسين بالطريقة التي يظهر بها هؤلاء وما يتمتعون به من جاذبية ، ولاسيما طريقة تحويلهم لبيئاتهم إلى ألعاب تنافسية يصبح فيها أتباعهم أكثر تركيزا على الذات، ما يؤدي إلى النرجسية التنظيمية).
ان القائد النرجسي يتسم بسمات هي:
1-حب الذات اي يحب نفسه أكثر.
2- استغلالي وغيور واناني ويحب مصلحتة الشخصية.
3-يرى نفسه أجمل إنسان في العالم).
النرجسيون لا يصلحون أن يكونوا قادة، هم مغامرون بامتهان في العمل الاداري الذي قد يضمن نجاحا باهرا أو يؤدي بالمنظمة الى الانهيار والزوال،فالقادة النرجسيون في الأغلب سلوكهم إستبدادي مع أنانية مفرطة، علما (بأنهم يمتلكون “كاريزما” هائلة، وفي هذه الحالة يعاني المرؤوسين من الضيق والحيرة والضياع، بعد أن قدموا وعودا بالتزامات ليس بإمكانهم حلها، ويستصغرون المصاعب الجمة التي تلاحقهم، وبكل بساطة).
وما يدعو إلى السخرية ان القائد النرجسي يعرف جليا انه(يمتلك شعور غامر بعدم أهليته،وهو يسعى يائسا إلى عدم إظهار ذلك مما يجعل التعامل مع هذا النوع من القادة الاداريين محفوف بالمخاطر بشكل مميز).
كما توجد(خرافة) ادارية مفادها أنك إذا أصغيت دوما إلى القادة النرجسيون (فإنهم سيقودونك لتصبح موضع الاهتمام، لكن عليك أن تحذر من وعودهم التي تبدو وكأنها لصالحك) كما يتوجب عليك أخذ الحيطة عندما تعمل معهم،فلا تتعلق بالنتائج كثيرا على الإطلاق.
وهذا التاكيد يجبرنا ان نقدم وصية ادارية للمرؤوسين في اي منظمة:
من كان منكم مع القائد النرجسي،فهو مندثر لا محال،ومن كان منكم معه على منصب فالنرجسي لا عهد له.