معايير لجنة بازل 4 : قراءة بين مرتكزات التأسيس ومتطلبات استمرارية التحديث
اعداد طالبة الدكتوراه/ علياء ثائر مردان
تشكلت لجنة بازل للرقابة المصرفية في عام 1974 كردة فعل للإخفاقات الجسيمة في سوق العملات والمصارف الدولية, اذ قادت تلك الاضطرابات الشديدة الأسواق المالية الى الانهيار وتناقص رأس المال في البنوك و زيادة المخاطر الدولية, تُعد لجنة بازل للرقابة المصرفية هيئة استشارية تعمل وتهتم بمواضيع تنظيم رأس المال والاستقرار المصرفي فهي تهدف إلى إصدار توصيات بشأن الإشراف الفعال على القطاع المصرفي الدولي وتعزيز المنافسة ,تم إنشاء اللجنة من قبل محافظي المصارف المركزية لـــدول مجموعة العشر (10G countries) والتي تجتمع عادة في بازل بسويسرا ، محل أمانتها الدائمة وهذه اللجنة تحت رعاية بنك التسويات الدولية (BIS)وهو منظمة دولية لتعزيز التعاون النقدي والمالي الدولي ويعمل كبنك مركزي للمصارف, فلجنة بازل ليس لها سلطة رسمية فهي استجابة للاضطرابات التي تحدث في الأسواق المالية الدولية مثل انهيار نظام بريتون وودز أو إغلاق بعض البنوك.
بازل 1، وبازل 2، وبازل 3 هي اتفاقيات مصرفية دولية طورتها لجنة بازل للرقابة المصرفية (BCBS), ويضم أعضاء لجنة البنوك المركزية والجهات التنظيمية المصرفية الأخرى من جميع أنحاء العالم إن الهدف العام لاتفاقيات بازل كما تُعرف مجتمعة هو لتحسين الفهم الإشرافي وجودة الإشراف المصرفي في جميع أنحاء العالم، وفقاً للجنة الرقابة المصرفية BCBS تحاول اللجنة القيام بتبادل المعلومات حول الترتيبات الإشرافية الوطنية ومن خلال تحسين فعالية تقنيات الإشراف على الأعمال المصرفية الدولية, و تحديد الحد الأدنى من معايير الإشراف في المجالات التي تعتبر فيها هذه المعايير مرغوبة.
كيف تعمل بازل I و II وIII
بازل 1 والمعروفة آنذاك باسم اتفاقية بازل لرأس المال: اذ تعد اتفاقية بازل 1 نتاج أكثر من 10 سنوات من المناقشات في لجنة بازل للرقابة المصرفية وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1988, وكان الغرض منها معالجة ما اعتبره محافظو البنوك المركزية ضرورة لـ اتفاق متعدد الجنسيات لتعزيز استقرار النظام المصرفي الدولي وإزالة المخاطر و مصدر لعدم المساواة التنافسية الناشئ عن الاختلافات في متطلبات رأس المال الوطني وجاءت الاتفاقية استجابة للاعتماد المتبادل بين الأسواق المالية إذ أدخلت قواعد جديدة حول مقدار رأس المال الذي يتوجب على البنوك الدولية الاحتفاظ به في احتياطاتها لتجنب التعرض للإعسار ولمنع حدوث أزمة في النظام المصرفي العالمي, وقدمت اتفاقية بازل 1 نظام ترجيح للمخاطر يتم فيه تقسيم الأصول إلى خمس فئات حسب المخاطر وهي ( 0% للأصول الخالية من المخاطر مثل النقد وسندات الخزانة، و10% لأصول مثل ديون البنوك المركزية بالبلدان ذات معدلات التضخم المرتفعة في الماضي القريب، و20% لأصول مثل القروض الممنوحة للبنوك الأخرى أو الأوراق المالية ذات أعلى تصنيف ائتماني، و50% للرهونات العقارية السكنية، و100% لديون الشركات), كما دعت او اشترطت اتفاقية بازل 1 على البنوك الدولية الاحتفاظ بنسبة 8% من أصولها المرجحة بالمخاطر كاحتياطيات نقدية.
من عيوب بازل 1 انها ركزت على نوع واحد من المخاطرة وهي مخاطر الائتمان، رغم أنه وجود مخاطر أخرى لا تقل تأثيرا وخطورة على المصارف مثل مخاطر التشغيل ومخاطر السوق لكنها ركزت على مخاطر الائتمان مع عدم الاهتمام و التركيز على تعثر العميل عن السداد, اضافة الى انها قد تسببت في تقييد المصارف بمتطلبات مستندة إلى المخاطر لضغوط الائتمان العالمية و تم تقليل الإقراض للبلدان من أجل إعادة بناء قاعدتهم المتآكلة.
بازل II وهي لتخفيف القيود : في عام 2004 أي بعد عقد ونصف من اتفاقية بازل الأول أصدرت اللجنة تحديثاً لها عرف بـ بازل II, وأنشأت بازلIIركيزتين إضافيتين هما عملية الإشراف على كفاية رأس المال للمصارف والشفافية والإفصاح, وكان الهدف من بازل II تصحيح بعض نقاط الضعف والقصور في بازل I و زيادة تعزيز سلامة واستقرار النظام المصرفي الدولي , اذ قامت اتفاقية بازل II بتحسين طريقة بازل I في حساب الحد الأدنى لنسبة رأس المال إلى الأصول المرجحة بالمخاطر، وتقسيم أصول البنوك إلى مستويات على أساس السيولة ومستوى المخاطر، اذ يكون رأس المال هو الأعلى جودة, وكان الهدف منها تعديل المعايير المصرفية الدولية التي تتحكم في مقدار رأس المال المطلوب من البنوك الاحتفاظ به للحماية من المخاطر المالية والتشغيلية التي تواجه البنوك و تهدف بازل II إلى ضمان أنه كلما زادت المخاطر التي يتعرض لها البنك كلما زاد مقدار رأس المال الذي يحتاجه البنك للحفاظ على ملاءته المالية واستقراره الاقتصادي العام.
وحاولت بازل II تحقيق ذلك من خلال وضع متطلبات إدارة المخاطر ورأس المال لضمان أن يكون لدى البنك راس المال الكافي للمخاطر التي يتعرض لها البنك جراء قيامه بأنشطة الاقراض والاستثمار وكان من اهم المحاور لبازل II هو التركيز والحفاظ على الاتساق الكافي للوائح للحد من عدم المساواة التنافسية بين البنوك النشطة دوليا و مواكبة التغييرات السريعة الأخيرة في الخدمات المالية والابتكار المالي (مثل التوسع الهائل بالالتزامات خارج الميزانية العمومية التي قدمتها المصارف في السنوات الأخيرة(.
أزالت اتفاقية بازل II أحد أهم محاور بازل 1، وهو التصنيف الخارجي للمخاطر والذي اعتبره الكثيرون أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المالية عام 2008-2007 و حالة عدم الرضا عن القيود الجديدة، وبمساعدة المؤسسات المؤثرة مثل معهد التمويل الدولي ضغطت البنوك من أجل التنظيم الذاتي أي أن تقرر البنوك بأنفسها مدى خطورة أصولها وبالتالي مقدار النقد الواجب الاحتفاظ به في احتياطاتها, واتضحت الآثار المترتبة على هذا التغيير في السياسة بشكل واضح بعد بضع سنوات فقط، عندما أصبح واضحا في عام 2007 أن البنوك قد قللت بشكل كبير من مستويات مخاطر الميزانية وخارج الميزانية وأنه كان لديها رأس مال ضئيل للغاية في احتياطاتها.
ويعاب على بازل IIبزيادة حساسية متطلبات رأس المال والمرتبط بشكل مباشر بمخاطر موجوداته الأساسية وان بعض الأنشطة المصرفية ضعيفة في جوهرها والاضطرابات الطفيفة يمكن أن تهدد الاستقرار المالي العام عن طريق العدوى, كما انها اعتمدت بشكل كبير على وكالات التصنيف الائتماني الخارجية ولم تدخل أي تغييرات في تعريف رأس المال
اتفاقية بازل 3 هي اتفاقية للتصحيح هي استكمالاً للجهود التي بذلتها لجنة بازل لتحسين أطر القواعد التنظيمية للبنوك، فهي مبنية على وثائق بازل 1 وبازل II وتضم مجموعة من المقاييس الإصلاحية وتهدف إلى تحقيق الاستقرار, بعد انهيار الرهن العقاري في الولايات المتحدة والأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2008 جاءت اتفاقية بازل III استجابة لأوجه القصور في التنظيم المالي التي كشفت عنها الأزمة المالية في 2007-2008 الهدف الرئيس من هذه الاتفاقية هو لتحسين قدرة القطاع المصرفي على امتصاص الصدمات من الأزمات الاقتصادية والمالية والحد من مخاطر انتقال العدوى من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي, وكمحاولة لتجنب انهيار النظام المصرفي العالمي إذ رفعت متطلبات رأس المال وأضافت ضمانات جديدة، والتي من بينها المتطلبات الجديدة لزيادة الاحتياطيات خلال فترات التوسع الائتماني وتخفيفها خلال فترات تراجع الاقتراض وزيادة الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال، وحيازة الأصول السائلة عالية الجودة، إدخال نسبة الرافعة المالية كإجراء تكميلي لمتطلبات رأس المال القائمة على المخاطر, تهدف إصلاحات اتفاقية لجنة بازل III إلى تقوية القطاع المصرفي وزياد ة قدرة المؤسسات المصرفية الفردية على الصمود في فترات الإجهاد.
ومن بين التغييرات الأخرى، قامت اتفاقية بازل III بزيادة متطلبات رأس المال من المستوى الأول إلى 6% من 4%، في حين اشترطت أيضًا أن تحتفظ البنوك بمصدات إضافية لرفع إجمالي متطلبات رأس المال إلى ما يصل إلى 13%.
اتفاقية بازل IV
بازل 4عبارة عن حزمة من الإصلاحات المصرفية التي تم تطويرها استكمالا للإصلاحات السابقة وهي عبارة عن مجموعة شاملة من التدابير التي من الممكن ان تؤدي الى إجراء تغييرات كبيرة, فهي الاسم غير الرسمي لمجموعة من الإصلاحات المصرفية الدولية المقترحة التي بدأ تنفيذها في 1 يناير 2023, ومن المتوقع أن يستغرق تنفيذها بالكامل خمس سنوات للامتثال الكامل وتختلف مراحل التنفيذ حسب الدولة.
تعتمد اتفاقية بازل IVعلى اتفاقيات بازل السابقة: بازل I ، وبازل II ، وبازل III, نشأت اتفاقية بازل IV من الأزمة المالية العالمية وتغير طريقة حساب الأصول المرجحة بالمخاطر, وتهدف الاتفاقيات إلى تعزيز النظام المصرفي الدولي من خلال توحيد القواعد من بلد إلى آخر بما في ذلك تلك المتعلقة بالمخاطر ,واستنادًا إلى التاريخ الحديث لا يزال من الممكن تمديد الموعد النهائي بالإضافة إلى إمكانية تعديل بعض الأحكام بشكل أكبر قبل أن تدخل حيز التنفيذ, وبررت اللجنة إن هدفها الرئيسي يهدف الى استعادة المصداقية في حساب الأصول المرجحة بالمخاطر وتحسين إمكانية المقارنة بين نسب رأس مال البنوك.
ولتحقيق ذلك تقترح مجموعة من التغييرات البعض يعتبر تقني للغاية ويمكن ايجازها بالاتي :
- تحسين الأساليب الموحدة للاتفاقيات السابقة فيما يتعلق بمخاطر الائتمان، ومخاطر تعديل تقييم الائتمان( تسعير الأدوات المشتقة), والمخاطر التشغيلية, وتحدد هذه القواعد تصنيفات جديدة للمخاطر لأنواع مختلفة من الأصول بما في ذلك السندات والعقارات.
- تقييد استخدام أساليب النموذج الداخلي التي تستخدمها بعض البنوك لحساب متطلبات رأس المال الخاصة بها , اذ تعرضت النماذج الداخلية للخطأ كونها سمحت للبنوك بالتقليل من تقدير مدى خطورة محافظها الاستثمارية وحجم رأس المال الواجب الاحتفاظ به في الاحتياطي.
- تقديم نسبة عازلة لنسبة الرفع المالي لزيادة الحد من الرفع المالي لدى البنوك العالمية ذات الأهمية النظامية أي (البنوك الكبيرة والمهمة جدا لدرجة أن فشلها يمكن أن يعرض النظام المالي العالمي للخطر), كما تتطلب نسبة الرافعة المالية الجديدة منهم الاحتفاظ برأس مال إضافي في الاحتياطي.
- استبدال output floor الحالية لاتفاقية بازل 2 بأرضية أكثر حساسية للمخاطر. ويوضح هذا المقترح إلى الفرق بين مبلغ رأس المال الذي يتوجب من البنك الاحتفاظ به في الاحتياطي بناءً على الانموذج الداخلي بديلاً من النموذج الموحد, كما و وتتطلب القواعد الجديدة من البنوك أن تحتفظ ببداية عام 2027 برأس مال يعادل 72.5% على الأقل من المبلغ المشار إليه في النموذج الموحد.
المصادر
- الموسوي, لمياء, علي ابراهيم ,تحليل علاقة المحددات الداخلية والخارجية بالربحية وتأثيرها في الاستقرار المصرفي طبقا لمنظور بازلIII ,اطروحة دكتوراه مقدمة الى مجلس كلية الادارة والاقتصاد,2022.
- اللجنة العربية للرقابة المصرفية صندوق النقد العربي 2014.
1- Basel Committee on Banking Supervision (BCBS) “Implementation of Basel standards : A report to G20 Leaders on implementation of the Basel III regulatory reforms ” , Bank for International Settlements , Switzerland, November , 2018
2- He, Xiaotong ” The Impacts of Basel III on the Global Banking Regulations and the Responses of Regulatory Systems “, Advances in Economics, Business and Management Research, volume 166 , Proceedings of the 6th International Conference on Financial Innovation and Economic Development (ICFIED 2021),School of Law, University of Sydney, Australia , 2021
3-Basel Committee on Banking Supervision (BCBS) ” Basel III: Finalising post-crisis reforms ” , Bank for International Settlements , December, 2017.
4-Basel Committee on Banking Supervision (BCBS) ” A brief history of the Basel Committee
Bank for International Settlements , October , 2014 .
المواقع الالكترونية
https://www.compatibl.com/insights/basel-iv-what-s-new-in-the 1-
package-for-banks On the Verge of Basel IV: What’s New in the Package for Banks? Jun 30, 2020.
2-https://www.investopedia.com/basel-iv-5218598.