بقــلم ا.د.حمزة محمود شمخي
في مقالنا ( استقلال الجامعات والحرية الاكاديمية) بتاريخ 8/31 استعرضنا بشكل عام مضمون الاستقلالية وماهية الحرية التي يجب ان تكون.ومن أجل تعميق صورة هذا الموضوع المهم لابد من التوسع في إستعراض موضمون الحرية الاكاديمية لنتبعها بمقال عن إستقلال الجامعات.
وقبل ان نبدا بالاحاطة،سأل (فرانكو) دكتاتور اسبانيا عن ماهية الديكتاتورية، أجاب(أن تجعل المثقفين والمفكرين يصمتون).
ان الحرية الأكاديمية Academic freedom هي الاقتناع بأنها(حرية الاستفسار من قبل أعضاء هيئة التدريس ضرورية للمهمة الأكاديمية)،وأنه يجب أن يكون للاكاديميين حرية مطلقة لتدريس الأفكار أو الحقائق أو توصيلها(بما في ذلك الأفكار غير الملائمة للسلطات أو للمجموعات السياسية الخارجية)دون أن يكونوا معرضين للقمع أو فقدان الوظيفة أو السجن،شرط ان يكون ذلك بشكل منضبط وداخل الحرم الجامعي ودون كذب او رياء او تغطية نقص مركب.
فالحرية ثقافة وحق وإبداع وتميز واذا ما ربطت بالعلماء او من يتحملون المسؤولية التعليمية فانها تمنح المجتمع رقيا مميزا شرط ان لا يتم التجاوز عليها واستغلالها لدواعي شخصية او حزبية ضيقة. وبالتالي فان الحرية ليست منفلته وانما لها قيود في الممارسة.
ومفهوم الحرية الأكاديمية لها تفسيرات مختلفة، وخضعت للتنظير المستمر من قبل الاكاديمين فى العالم ،وبغض النظر عن المفهوم الذي يجب ان يكون فان الجدل حولها (يتركز حول تطبيقات المبادئ التى تنادى بها ،اكثر من كونه اختلاف حول قضية قبول أو رفض للمبادئ نفسها) فهي قيمة طبيعية وقيمة عملية مهمة جدا والأهم من هذا فإن الحرية الأكاديمية ومن خلال(تيسيرها للتفكير الحر وتسهيلها لإقامة الحوارات المفتوحة توفر وجودا متواصلا للقيم الفكرية والاجتماعية للجامعة كحرم للجدل الحر).
لقد استمر الجدل حول الحرية الاكاديمية لانها تقع (ضمن ميثاق حقوق الانسان من جهة، ومن جهة اخرى ضمن التنمية البشرية)ولهذا اعتبرت ولازالت مشكلة متنازع عليها.
واذا ما تم التاكيد من ان البحث العلمي له دور في تطور المجتمعات وتعزيز رقيها،يمكن القول ان التنمية المنشودة من البحث العلمي لن تتأتى(إلا من خلال وجود هامش مقبول من الحرية المحفزة على الإبداع والاجتهاد والممارسة الديمقراطية) ولنا في تجربة سنغافورة مثالا رائدا في ذلك فمن دولة فقيرة ومتخلفة تعليميا الى دوله ذات ريادة علمية وتنموية هائلة،ولم ياتي إبداعها وتميزها هذا الا من خلال إطلاق الحرية الاكاديمية فنهض البحث العلمي.
ان فكرة الحرية الأكاديمية ليست حديثة وانما تاريخها كامن طويل وتعتبر جامعة ليدن، التي تأسست عام 1575(هي موطن المفهوم الحديث)
ويشير بعض الباحثين الى ان الحرية الاكاديمية
نظمتها مجموعة من المواثيق الدولية،منها(ميثاق حقوق وواجبات الحرية الأكاديمية الصادر عن الرابطة الدولية لأساتذة الجامعات عام 1982، والميثاق الأعظم للجامعات الأوروبية في مؤتمر بولونيا الإيطالية عام 1988، وإعلان ليما للحرية الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي الصادر في أكبيرو في أيلول 1988. وهناك إعلانات إقليمية مثل إعلان دار السلام في تنزانيا، وإعلان كامبالا بأنغولا في العام 1990،وإعلان بولندا 1993).وفي العالم العربي صدر إعلان عمّان للحريات الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي عام 2004،الذي يستعيد الكثير من المعاني الواردة في إعلان(لیما) ويضیف إلیھا عددا من المعاني العربیة، التي من أبرزھا: إلغاء الوصاية السیاسیة عن المجتمع الأكاديمي، الحق في انسیاب أفراد الھیئة التعلیمیة عبر البلدان العربیة، توطین البحث العلمي،والحد من سرقة البحوث .
لقد أسهم المناخ السياسي في العديد من الدول العربية بصورة واضحة في تدني مستوى البحث العلمي وتراجع دوره(بعدما حرصت كثير من الأنظمة في المنطقة على بقاء الأوضاع السياسية على حالها، ورفضت أي تغيير تسهم فيه النخب المثقفة والأكاديمية، الأمر الذي كانت له انعكاسات وخيمة على مستوى تضييق هامش الحرية الفكرية).
للحرية الأكاديمية أبعاد ثلاثة رئيسة تتعلق بالعمل الأكاديمي، أولها تضم كل الحريات ذات الصلة بالعمل البحثي والاكاديمي.والثاني يشمل حرية الجامعات في إدارة شؤونها المالية والادارية. في حين يراعى البعد الثالث معايير النزاهة والأمانة العلمية وحماية الطلبة من أي عمليات قد تستهدف التلقين الأيديولوجي أو المذهبي أو الطائفي أو الحزبي.
ان القراءة الصحيحة لمفاهيم الحرية الأكاديمية ستؤدى إلى مجموعة من النتائج أهمها(اولا:زيادة دعم قضايا حرية التدريس والبحث والنشر.
ثانيا: تبنى مقترحات لتضمين الحرية الأكاديمية فى القوانين المتعلقة بالجامعات،باعتبار الحرية الأكاديمية ضرورة لا بد منها).
ثالثا:تنظيم العلاقة بين اعضاء هيئة التدريس والطلبة وتنشيط القضايا المشتركة بينهم.
اذا ما أردنا إصلاح العملية التعليمية لامفر من الاعتراف بالحرية الأكاديمية وحمايتها.