بقـــلم ا.د.حمزة محمود شمخي
كما هو الحال مع العديد من العواقب المدمرة لتفشي جائحة كورونا على المجتمعات وما سببته من أذى ولازالت،فقد خلقت ظرفا جديدا في أرجاء العالم وهو(العنف الأسري) الذي وصل مرحلة(كبيرة من التصعيد) وفقا لاعلان الامم المتحدة ودعوتها الى(تحرك عاجل لمكافحة هذا التصعيد)الذي سبب خلل إجتماعي كبير في المجتمع المدني.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إنها(منزعجة للغاية) من الاخبار التي تتحدث عن(تزايد العنف الأسري) أثناء تفشي فيروس كورونا.
ومنذ بداية إنتشار الجائحة وما رافقها من حجر منزلي وغلق للاقتصاد وتوقف شبه تام للحياة الاجتماعية وعزلة وقائية في العالم كله فان معظم الدول(أبلغت عن زيادة وتيرة العنف الاسري ومعدلات قتل الإناث)لاسباب ودوافع متباينه.
ويبدو ان الالتزام بالتدابير الصحية في جميع أنحاء العالم وما رافقها من غلق للحياة،رغم انها كانت سببا في الحد من إنتشار الجائحة والحد من قتلها للبشرية إلا إنها كانت سببا في وباء اخر أشد خطورة على المجتمعات وهو العنف الاسري ضد النساء والفتيات وصفته الامم المتحدة(الجائحة المستترة)أو(جائحة الظل). وحذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن إستمرار إجراءات(الإغلاق والتدابير التقييدية اللازمة لكبح إنتشار كورونا،يمكن أن يكون لها تأثير مدمر على النساء والأطفال).وأكد انه(إذا استمرت عمليات الإغلاق لمدة 6 أشهر اخرى فإننا نتوقع 31 مليون حالة إضافية من العنف القائم على نوع الجنس على مستوى العالم).وتشير بعض الدراسات ان هناك أسباب للاعتقاد بأن القيود المفروضة لمنع إنتشار الفيروس سيكون لها مثل هذا التأثير،(حيث يزداد العنف الأسري كلما قضت العائلات وقتا أطول معا، مثل عيد الميلاد والعطلات الصيفية).ومن الإجراءات التي اتخذتهابعض الدول هي حملة(لا تبق في المنزل)التي لا تمكن(ضحايا العنف المنزلي من طلب المساعدة فحسب، بل تضمن أيضا عدم بقائهن تحت سقف واحد مع المعتدي وذلك من خلال وضع الفنادق والمراكز السياحية تحت تصرفهن)،دون ان تتعارض هذه الحملة مع شعار(خليك في البيت)خارج اطار ما روج من ان الحجر المنزلي قد أدى الى ترابط الاسرة وتقويتها بعد ان عاش الاب او الام او الاثنين زمنا أطول مع أولادهم.
يعرف العنف الأسريDomestic Violence بأنه (إلحاق الأذى بين أفراد الأسرة الواحدة، كعنف الزوج ضد زوجته، وعنف الزوجة ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كلاهما اتجاه الأولاد،أو عنف الأولاد إتجاه والديهم) وعادة ما( يكون المُعنِّف هو الطرف الأقوى الذي يمارس العنف ضد المُعنَّف الذي يمثل الطرف الاضعف) ويمكن تعريفه أيضا بانه شكل من أشكال(التصرفات المسيئة الصادرة من قبل أحد أو كلا الشريكين في العلاقة الزوجية أو الاسرية). وهذا الأذى الذي يرافقه العنف والقسوة متعدد الجوانب والاسباب مثل الاذى الجسدي،أو النفسي، أوالاعتداء الجنسي، أو التهديد، أوالإهمال،أو سلب الحقوق من أصحابها.
والعنف الاسري له عدة مسميات مثل الإساءة الأسرية،أو الإساءة الزوجية.
ينشأ العنف الأسري في بعض الحالات من دوافع اجتماعية منشأها العادات والتقاليد الموروثة وبعضها دوافع عدم القناعة في استمرار الحياة العائلية واخرى اقتصادية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي الناتج عن فقدان وظيفة أو تراكم ديون وبعضها عن تناول المخدرات وفقدان الامل في المستقبل(فيتبدل سلوك الفرد المعنف نتيجة الضغوطات النفسية التي تنشا وفق الاسباب اعلاه، والتي ماتزال نتائجها تتفاقم مع استمرار انتشار جائحة الكورونا).
التوقعات تشير إلى إزدياد العنف في العالم بنسبة 20% لدى الأسر في فترة كورونا، وحيث ضحايا العنف بأشكاله الجسدية واللفظية والنفسية هم في الغالب من النساء والأطفال، ولان الإقامة الاضطرارية في المنزل أخرجت أسوأ ما في “الرجل المحكور”ليصب غضبه وتوتره على عائلته، حيث ازدياد العنف الأسري)وحسب تقرير للأمم المتحدة فقد تعرضت أكثر من 243 مليون امرأة في جميع أنحاء العالم للعنف الاسري على مدار الاثني عشر شهرا الماضية. ومن المتوقع أن يزداد العدد خلال فترة الجائحة.
ويشير تقرير لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بأنه من (بين 87 ألف امرأة قتلت في جميع أنحاء العالم عام 2017، مات أكثر من نصفهن على أيدي أزواجهن . يعني ذلك أن هناك حوالي 137 امرأة تقتل يوميا على يد أحد أفرادالعائلة).
لقد هزت الشارع العراقي حالات العنف الأسري في الاشهر الماضية،ويشير البعض ان تلك الحالات(ما هي إلا رأس جبل الجليد) فما هو معلن يشكل نسبة ضئيلة(مقارنة بالأعداد الحقيقية المكممة الأفواه بالخوف وأعراف المجتمع القاسية).
وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن امرأة من كل خمس نساء عراقيات تتعرض للعنف الاسري (14% منهن كن حوامل في ذلك).
المودة والرحمة أساس البناء الأسري،وهي آية إلاهية مقدسة(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(الروم21).
لنخفف من قسوة كورونا بالمودة والرحمة.