القيادة الادارية الروحية:
ا.د.حمزة محمود شمخي
في ثلاث مقالات متسلسلة تم نشرها وهي(القيادة الادارية الجافة ،والقيادة الادارية السلبية والقيادة الادارية الفوضوية او السائبة)والتي عرضناها كانماط قيادية تعكس سلوك القائد الاداري والتي من خلال مضمونها يتجسد الجانب السلبي ولربما القسوة الادارية في تعامله مع المرؤوسين وفي ممارسة العملية الادارية مما يفسد المنظمة وقد يؤدي بها الى الانهيار.
ولكي لايكون توجهنا سلبي تشاؤمي في استعراض ان الفكر الاداري لم يقدم سوى الانماط القيادية السلبية والقاسية والمتعبة، وان كل القادة الاداريين هم من ذوات الانماط القيادية تلك التي أربكت العمل الجماعي من خلال سلوك القائد القاسي وتعامله مع المرؤوسين،سوف نعرض نقيض تلك الانماط القيادية التي عرضها الفكر الاداري وهي (القيادة الروحية)والتي تعد من النظريات القيادية الحديثة والمعاصرة حيث ركزت على الممارسات الاخلاقية والسلوكية والروحية للقائد الاداري في تعامله مع المرؤوسين وتكريمه لهم اثناء ادارته،إبتعادا عن الانا القاسي واعتبار احترام العاملين وتكريمهم هي جزء من مهمته الادارية.وتاكيد ان السلوك الروحي هو توصية إلاهية تجسدت في أكثر من سورة قرآنية وآية مباركة نعرض بعضا منها مثل قوله تعالى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء 70).
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾(البقرة143)
وهذه الايات الكريمات وغيرها تفسير حقيقي وتوصية صريحة من الله عز وجل في الابتعاد عن ظاهرة الاستعلاء السلوكي لبعض القادة الاداريين على من يقودوهم ويعملون معهم، من خلال شعورهم( بالعلو والغرور والكبرياء الأجوف الناتج عن تزاحم الذوات، وصراع الأنا والمصالح)،وعدم فقههم للعمل الاداري بشكل عام والقيادي منه بشكل خاص.
وفي هذه الآيات توصية إلاهية فيها من الرحمة الربانية لشكل التعامل الذي يجب ان يكون مع الاخرين،وبتاكيد أن(التعامل الإلهي هو تعامل رأفة ورحمة للناس، فالغنى رحمة للناس والفقر كذلك، والحياة رحمة للناس والموت كذلك)وهكذا في كل شيء ،جسده الله سبحانه وتعالى في آيات كريمات. فالرأفة والرحمة ميزان إلآهي للناس يضمن ويوفر لهم(ما استحقوه من الثواب من غير تضييع لشيء منه).
والقيادة الروحية تعد من نماذج القيادة الانسانية التي(ترفض الاعتماد على قيم تحقيق المصلحة الشخصية مثل امتلاك القوة والثروة )لمن يتحمل المسؤولية.
وبناء على ذلك يمكن تعريف القيادة الروحية بانها (تجسيد للقيم الروحية التي يتحلى بها القائد في تعامله الاخلاقي من الافراد العاملين كالايمان وحب الايثار وتكوين الرؤية المستقبلية للمنظمة).
كما وتعرف القيادة الروحية على انها(تشجيع لبيئة عمل تمكن الافراد من عرض مواهبهم فيها،قائمة على الثقة والقيم الانسانية)المعروفة.
لقد اصبحت القيادة الروحية مجال اهتمام وعناية كبيرة في الدراسات الإدارية والتنظيمية وركيزة أساسية في نجاح وتفوق المنظمات من خلال صناعة واعداد القائد الاداري الذي يكون جل اهتمامه هو( إلهام وتحريك مواردها البشرية العاملة فيها نحو دلالات التسامي، إذ أن توافر الطاقة الروحية عند القائد يمثل أحد جوانب السلوك التحفيزي لمرؤوسيه، وكذلك جانبا اساسيا لفاعلية قيادته لهؤلاء المرؤوسين).
ولكي يضمن القائد الروحي ذلك الدور وفق هذا المضمون يجب ان يتمتع ويتحلى بحزمة من الصفات عند قيادته لاي منظمة.حيث تعرض بعض الدراسات تلك الصفات في (الرحمة و الشجاعة و الصدق و التواضع و الالهام و النزاهة و الشعور بالهدف و الحدس و التفاعل و الانفتاح و الصبر و التسامح، وهذه الصفات يشترك فيها الفرد الروحي مع القائد الروحي لكن من المتوقع ان يكون القائد الروحي لديه نفس الخصائص في مستوى اعمق من الاخرين).ومن خلال هذه الصفات يستطيع ان يتعامل مع المرؤوسين ويضمن تحقيق الاهداف من قبلهم ،وهم سيكونون مبدعين وملهمين وفق روحانيتهم لذلك.
هناك العديد من الباحثين و الكتاب الذين عملوا على تقديم العديد من البحوث و الدراسات لتحديد ابعاد القيادة الروحية فمنهم من حددها بسبعة ابعاد واضحة وهي (الرؤية ،الامل ،الايمان ،حب الايثار، المعنى ، الالتزام التنظيمي،الانتاجية) ومن خلال هذه الابعاد يشترك القائد مع المرؤوسبن في تجسيد جوانب التسامي داخل المنظمة وتعظيم الطاقة الروحية للجميع وبهذا يسير بها نحو النجاح والرقي.
واذا ما اتقن القائد الاداري مهارة العلاقة الروحية مع المرؤوسين فان ذلك يؤدي الى نتيجة جامعة بين(قوة الترابط الاجتماعي وتحقيق الاهداف،فقوة الترابط الاجتماعي يعد ذلك تأصيل للرحمة بين الناس،ومن أبرز سماتها: المودة، والتقارب، والألفة).
ان القائد الاداري اذا ابتعد عن روحية القيادة
قد يكون ظالما وسوف يفهم ان سلب حقوق المرؤوسين هو ظلم سيدفعه ،وسيشاهد بعينه نقمة ذلك التصرف،ان آجلا ام عاجلا.