الحكومة الجديدة والقضاء على الفقر:
بقلــــــــــم الأستاذ الدكتور حمزة محمود شمخي
في مقالي(الحكومة الجديدة والقضاء على الجوع)المنشور في 2022/1/24ذكرت إن الفقر والجوع(يتناسلان)مع بعضهما بشكل مستمر ويتشابكان في(دائرة جهنمية)مغلقة فكلما خطى العالم باتجاه الحد من الفقر تتقدم أزمة الغذاء لتزيد الجائعين جوعا.
والفقر ظاهرة اقتصادية واجتماعية مؤلمة و(أكثر إيلاما للعقل والضمير، وأخطر تأثيرا على الأخلاق والسلوك، وتحطيما للكرامات والنفوس).
وقد ذكر الفقر في القران الكريم في (14)اية كريمة منها: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ َ) البقرة(268)
(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير)َ(الحج28)
كما ان الرسول الاكرم(ص)قد خص الفقر بالذكر في أكثر من حديث مثل:
(ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به).
وفي قول لسيد الوصيين الامام علي( ع)(لو كان الفقر رجلا لقتلته).
وكل تلك الاستشهادات تعطي دلالة على ان الفقر يمكن وصفه جريمة اجتماعية تؤدي الى(الرذائل والفساد مثل التسول والذل والسرقة والاحتيال من اجل اقامة أود العيش والحفاظ على الحياة)ومثل هذه الرذائل والذل محطمة لسلوكيات المجتمع ومبادئه.
والفقر بمنظور الأمم المتحدة هو(عدم قدرة الإنسان على توفير الحاجات الأساسية للبقاء على الحياة والخدمات الأساسية مثل،التعليم والصحة والعمل)
وشكل الفقر الهدف الاول من اهداف التنمية المستدامة Sustainable Development Goals السبعة عشر التي اقرتها والتزمت دول العالم بتحقيقها كاهداف حتى 2030.ومضمون هذا الهدف هو(القضاء على الفقر المدقع للناس أجمعين أينما كانوا بحلول عام 2030،وهو ُيقاس بعدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 1.25 دولار في اليوم).
وحددت المنظمة الدولية لهذا الهدف غايتان،الاولى هو القضاء على(الفقر المدقع للناس أجمعين أينما كانوا)بحلول عام 2030. أما الثانية فهي (تخفيض نسبة الأشخاص الذين يعانون الفقر وفقا للتعاريف الوطنية بمقدار النصف على الأقل).وتحقيق هاتين الغايتين فيهما درجة عالية من النبل والقيم وضمان للعدالة الاجتماعية المنشودة وهما تستحقان وضعهما على قمة هرم الاولويات للحكومة الجديدة التي ننتظرها.
ورغم ثروة العراق الهائلة وخيراته التي حباها الله
للمجتمع،فان تقارير وزارة التخطيط متعبة نفسيا واجتماعيا حيث تشير عن ارتفاع نسبة الفقر في العراق الى 40%عام2021بعد ان كانت 20% عام 2018اضافة الى ارتفاع نسبة الفقر بين الاطفال دون 18عاما حيث وصلت الى 38%(مع ارتفاعها الى50% في المحافظات الجنوبية) أي أن عدد من يعيشون تحت خط الفقر بلغ أكثر من 12 مليوناً و600 ألف شخص. علما ان تقرير ممثلية الامم المتحدة في العراق يشير الى (توقع انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 9.7 % في 2021،ومن المتوقع حدوث انخفاض في الفرص الاقتصادية) مما يعني ان(1من كل3) مواطنين يعيشون تحت خط الفقر عام2021ومثل هذه النسب ان صحت تقديراتها كارثي على المجتمع.
ويرجع ذلك لاسباب متعددة منها تزايد الفئات الهشة في المجتمع وضعف النمو الاقتصادي وتجاهل الزراعة المستدامة وتزايد البطالة،ولا نعرف هل ان الورقة البيضاء الاصلاحية التي اعتمدتها الحكومة قد انتبهت لهذه الظاهرة المخيفة ووضعت استراتيجية لعلاجها.
تعتمد وزارة التخطيط العراقية على قياس مؤشرات الفقر وفق أبعاد متعددة، من بينها(الصحة والسكن والتعليم والدخل والحاجة إلى الغذاء).
وأظهر مسح الفقر لعام 2018 أن محافظة المثنى وهي ثاني أكبر محافظة في المساحة في العراق، تعد الأولى بأعلى نسبة فقر تصل إلى 52%،تليها القادسية 48% وميسان45%وذي قار 44%.
وبلغت نسبة الفقر في محافظة نينوى 37.7%، تليها ديالى 22.5% ، واسط 19%،صلاح الدين 18%، الأنبار 17%،البصرة 16% ،النجف 12.5%، كربلاء 12%،بابل11%.وكانت نسبة الفقر الأقل في العاصمة بغداد 10%،تليها دهوك 8.5% ،كركوك 7.6%،أربيل6.7%.
ومثل هذه الارقام تثير الكثير من الخوف والرعب رغم هائلة ما صرف في موازنات السنوات السابقة.
والسؤال لماذا تجاهلت الحكومات هذه الظاهرة المريبة؟
ولماذا لم تنجح استراتيجية العراق 2018-2022 للحد من الفقر التي وضعها بالتعاون مع الامم المتحدة في تغيير هذه الارقام بعد التزامه بتبني اهداف التنمية المستدامة؟.
ان القضاء على الفقر يعد أكبر تحد وطني يواجه الحكومة الجديدة التي ستعلن ،ومطلب لا غنى عنه لتحقيق العدالة الاجتماعية ولذلك عليها التزام اخلاقي جريء عند اعداد موازنتها العامة لعام2022 ان تسعى الى طرح برنامج انمائي طموح وفق سياسة اقتصادية واضحة وجريئة مراعية لمصالح الفقراء،وان تكون(ذات رؤية لنمو اقتصادي مستدام وشامل ومنصف وإيجاد العمل اللائق للجميع).وان تتحمل مسؤولية كبرى في صياغة استراتيجية إنمائية زراعية واستحداث تدابير لزيادة مساحة الارض المزروعة وتعزيز دور ريادة الاعمال في القطاع الزراعي الذي سوف يشبع الملايين من الفقراء.
بدون زراعة مستدامة سوف لن تهدم فجوة الغذاء ويزداد فقر مجتمعنا فقرا.