الموازنة الثلاثية بين القبول والرفض
طالب الدكتوراه : ياسين نادب علي / قسم الاقتصاد
للمرة الاولى في تاريخ العراق يتم اعداد موازنة لثلاث سنوات مقبلة , أذ جرت العادة على اعداد الموازنات السنوية , لسهولة التعامل مع الاحداث والمتغيرات التي تحصل محليا ودوليا إذ تتغير بنود الموازنة في كل سنة عن السنة السابقة لها , وحسب البيانات الحكومية، فإن إجمالي الموازنة للعام الحالي يبلغ 197.828 تريليون دينار (نحو 140 مليار دولار)، أمّا التشغيلية فهي 150.273 تريليون دينار، في حين تبلغ الاستثمارية 47.555 تريليون دينار. أمّا العجز فهو يشكل 63.275 تريليون دينار. وقد اعتمدت الحكومة سعر 70 دولاراً لبرميل النفط، بالنظر إلى أن أكثر من 95 % من إيرادات الموازنة تعتمد على مبيعات النفط، وهو ما يثير حفيظة معظم الاتجاهات الاقتصادية . ورغم أن الموازنة الثلاثية ما زالت بحاجة إلى إقرار داخل البرلمان، لكن الجدل ينقسم حولها بين اتجاهين أساسيين, يمثل الأول في الحكومة وأحزابها وكتلها السياسية، فيما يتمثل الآخر في الاتجاهات الاقتصادية إذ نرى أنها مخاطرة كبيرة ولا تنسجم مع والواقع الريعي للاقتصاد العراقي. ففي اقتصاد ريعي، تشكّل فيه الإيرادات النفطيّة حوالي 96 % من إجمالي إيراداته العامة، فإنّ اعتماد موازنة ثلاثية, يعني ان الموازنة سوف تدخل في مسار حرج إذما انخفض سعر النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل الواحد, لربما لا تستطيع الإيرادات النفطية عندئذ تغطية رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية اللذان يصلان تقريبا إلى أكثر من87 ترليون دينار في موازنة 2023. حيث ان ايرادات النفط غير ثابتة وهي عرضة في أي لحظة للصدمات الخارجية في اسواق النفط العالمية , كما ان مدة الثلاث سنوات مدة طويلة يبقى فيها اقتصاد الدولة مرهون للايرادات المخمنة التي قد تتحقق او لا تتحقق كما مخطط لها. لذا من الناحية الإدارية والاقتصادية الموازنة السنوية أفضل مدة تستطيع خلالها أجهزة الدولة المختلفة تحضير الموازنـة وإقرارها، وتنفيذها، فلو وضعت الموازنة لأقل من سنة لما استطاعت الحكومة أن تحقق هذه البرامج لضيق الوقت، ولو وضعت لأكثر من سنة احتمال تبديل الحكومة بالتالي عدم إشرافها على البرامج الموضوعة من قبلها، فقد يكون داعياً للتراخي والإهمال في وضع الموازنة ويغلب ألا تكون مسؤولة عنها في المستقبل, إذ يكون الفاصل بين إعدادها وإنفاذها وقتا طويلاً إلى درجة يكثر فيها احتمال تغير الإيرادات والنفقات عما قدرت عليه. بالتالي تعد هذه الخطوة مجازفة كبيرة للاقتصاد العراقي في الاعتماد على موازنة لثلاث سنوات تعتمد شبه كليا على مورد ريعي قابل للتغير في أي لحظة .