الادارة والسلوك الانفعالي
ا.د.حمزة محمود شمخي
في القران الكريم تحليل شامل للسلوك الانساني وتوازنه، وقد أمر القرآن الكريم بضبط الانفعالات والوقوف بها عند حدود (التحكم العقلي وعدم الاستسلام لتلك الحالة التي تؤدي إلى تغلب النفس على العقل فيصدر السلوك العدواني الذي يسبب الضرر للنفس والغير ).
وعند قراءتي لسورة الشمس المباركة بآياتها الخمس عشر ،توقفت كثيرا عند الآيتين الكريمتين:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}(7) {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(8).
وبعد الاطلاع على عدد من التفسيرات لمعنى هاتين الآيتين الكريمتين وذلك القسم المذهل في هذه السورة المباركة خرجت بنتيجة واضحة وهي ان الله عز وجل قد حدد سلوكية الفرد وذاتيته والعوامل التي تحدد توازنه السلوكي والنفسي واكتمال تلك العوامل وانفعالاته المختلفة وجسدها(ونفس وما سواها) لأنه هو الذي سوّى النفس وخلقها، فعدّل خلقه، تلك السلوكية التي تحدد معصية الفرد وطاعته وشره وخيره وجبروته وضعفه اي بين لها الخير والشر(فالهمها فجورها وتقواها ).
وقد شجعني تفسير هاتين الآيتين الى ربط ذلك القول الآلهي المقدس لحالة التوازن السلوكي والنفسي للعاملين في منظمات الاعمال إبتداءا من قمة هرمها التنظيمي (القائد) نزولا الى قاعدة الهرم(المرؤوسين)،حيث تعد حالة التوازن السلوكي احدى أهم سمات الادارة والقائد المدير الناضج والناجح ومن خلالها يتوازن عمله الاداري واتخاذه للقرار واتسامه بالموضوعية وادارته للمرؤوسين ليصب في صالح المنظمة التي يقودها وليس في صالح أفراد داخل هيكل التنظيم الذي يقوده، فالاختلافات والاضطرابات النفسية والسلوكية بين اعضاء التنظيم تجعل عملية الاتفاق على الاهداف وتحقيقها عملية معقدة ومربكة. فمباركة البعض من المرؤوسين لقرار ما قد يبغضه البعض الاخر بسبب التباين الذي يحيط سلوك الفرد ويحدد شخصيته داخل التنظيم ،وفق متغيرات يعتقد كل منهما هو الاحق.
ان الشخصية السلوكية والنفسية عند المرؤوسين مثيرة للاهتمام وهي انعكاس (للحصيلة الفريدة للصفات والعادات والسلوك،التي تفاعلت لتكوين وحدة دينامية تميز الشخص عن غيره. وهذا يعني ان عشرات العوامل تتداخل وتتفاعل لتكوين الشخصية وان اختلاف صفة واحدة يمكن ان تميز شخصية عن اخرى حتى لو تشابهت كل العوامل الاخرى).
ولذلك على القائد الاداري ان يتحلى ويتسلح بسلوك اساسه الاتزان العاطفي او ما يسمى ايضا بالاستقرار العاطفي حيث يساعده ذلك من ان(يستجيب بتعقل ورؤية وهدوء للمثيرات المختلفة التي يعلن عنها المرؤوسين داخل المنظمة ونتيجة ذلك تكون قراراته موضوعية اكثر مما لو كان ساد المزاح فيتخذ قرارات سطحية تفتقر الى الرؤية والتعقل ومصلحة المجموع).
والاتزان العاطفي Emotinal Stability هو(مقدرة الفرد في السيطرة على انفعالاته والتحكم بها، وعدم إفراطه في التهيج الانفعالي، أو عدم الانسياق وراء تأثير الأحداث الخارجية العابرة والطارئة وصولاً إلى التكيف الذاتي والاجتماعي دون أن يكلف ذلك مجهوداً نفسياً كبيراً).
وقد اوضح بعض علماء النفس ان القادة يجب ان يتمتعوا بالاتزان والنضج الانفعالي Emotinal Mature اكثر من غيرهم من الافراد،وهو ما يميز القائد عن غيره من اعضاء التنظيم.
ان العمل الاداري رغم صياغته بنظريات علمية رائدة الا ان محوره فن ادراكي وكل ما يحصل داخل التنظيم هو رد فعل لحزمة من المتغيرات السلوكية الانفعالية والناتجة عن اضطرابات شخصية تتولد عند كل اعضاء التنظيم ،تلك الاضطرابات حددها علماء النفس والسلوك ضمن ما يزيد عن احد عشر اضطراباً مختلفاً،
وأكثر هذه الاضطرابات تميزا من حيث الانماط السلوكية السائدة هي:
1-الشخصية القهرية (Compulsive Personality) وتتميز بالانشغال المفرط بالقواعد والنظام والفاعلية والتفاصيل والعجز عن التعبير عن العواطف الدافئة. واصحاب هذه الشخصية يتميزون بنمط عام من القلق حول الانتظام، الكمالية، والاهتمام المفرط بالتفاصيل، التحكم العقلي والشخصي، وحاجة الشخص إلى السيطرة على بيئته.
2- الشخصية الارتيابية (Paranoid Personality) وتتميز بعدم الثقة والشك الدائم في ولاء الآخرين والاعتقاد بأنهم يستغلونهم ويريدون إيذاءهم. يمتنعون عن التحدث عن المعلومات الشخصية، لأنهم يخشون أن يتم استخدامها ضدهم
3- الشخصية غير الاجتماعية (Antisocial Personality) او السيكوباثية (Psychopath) وتتميز بالصراع المستمر مع المجموع وعدم الشعور بالذنب وعدم الاخلاص في العلاقة مع الادارة .
ولكون هذه الانماط قد رسمت مسار لسيكولوجية الافراد في جميع منظمات الاعمال، الا ان النوع الثالث من الشخصية هي الغالبة في التنظيمات التي تحتوي افراد متباينين في التعليم وفي الثقافة وفي العمر والجنس وفي مقدار ما يحصلون عليه من اجر.
وبسبب ذلك يفترض في القائد الاداري ان يكون واعيا بل يجب ان يكون واعيا، وعليه ان يمارس دوره القيادي من خلال مجموعة أسرار تسمى(اسرار القائد الاداري عندما يتعامل مع الانفعالات داخل التنظيم الذي يقوده) منها :
1-الحسم في اتخاذ القرارات.
2-الافكار الجيدة ليس لها تسلسل هرمي.
3-هدف القائد الاول هو الحصول على افضل النتائج من فريق العمل.
4-القيادة الحاسمة خلال الاوقات العصيبة.
5-القيادة لا تتعلق بالقائد المدير وحده.
ولتحقيق ذلك يجب على القائد الاداري أن يكون واعيا أيضا (بانفعالات العاملين لمساعدتهم على إدارة انفعالاتهم وحفز طاقاتهم وبناء الثقة اللازمة للارتقاء بمستويات ومعايير الأداء والخدمة).
إن نجاح اي قائد يرتبط بمستوى ذكاءه الانفعالي حيث تلزمه قيادته الادارية الى(التعرف على مشاعر العاملين، وإدارة انفعالاتهم الذاتية من أجل كسب ثقتهم). فالذكاء الانفعالي هو( مفتاح الأداء الجيد في المنظمة، حيث يأخذ القائد الناجح قراراته بناءاً على تفاعل مزيج من المهارات الاجتماعية، والقدرة على إدارة الذات، والوعي بكيفية تأثير سلوكه الشخصي على الآخرين داخل المنظمة).
انطلاقا من ان الذكاء الانفعالي
Emotional intelligence)
ماهو الا القدرة على(إدارة الانفعالات والعواطف الشخصية والمشاعر الخاصة بالآخرين، ويتضمن هذا الذكاء ثلاث مهارات هي:
1- الوعي العاطفي.
2-القدرة على توظيف المشاعر في مهام عدة كالتفكير وحل المشكلات.
3-مهارة إدارة العواطف، والتي تشمل القدرة على تهدئة الآخرين والتأثير عليهم)
اذا على القائد الاداري ان يتمتع بالذكاء الانفعالي من خلال ادراكه وممارسته لمجموعة المهارات الانفعالية التي تحدد قدرتة في فهم ذات المرؤوسين ومكنوناتها المختلفة اضافة الى القدرة على التعبير عنها كما هي.وان نجح في ذلك ضمن لمنظمته النجاح ولمرؤسيه الرضا وتحقيق الذات