صيرفة الظل …المخاطر الكبيرة
مهند رشيد
طالب دكتوراه علوم مالية ومصرفية
لا يكاد يمر يوم لا يرى فيه المواطن العراقي إعلاناً عن تقديم مؤسسة مالية أو مصرفٍ، لخدمة الإقراض. ولأن البلاد تمر في مرحلة اقتصادية أقل ما يقال فيها انها سيئة بسبب ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية الناتج عن ارتفاع اسعار الصرف الدينار مقابل الدولار، يتجه الأفراد والمؤسسات الى الاقتراض، لتسيير العجلة الاقتصادية الفردية والجماعية، ولتغطية الحاجة الى الاستهلاك بشكل أساسي.
وفي بلد ك العراق تتسارع فيه وتيرة الطلب على الاستهلاك، لا بد ان يخلق الطلب عرضاً. والعرض الكافي لا يمكن أن تقدّمه المصارف والمؤسسات المالية التقليدية، لما تتبعه من إجراءات وعمليات تعتبر معقّدة بالنسبة للأفراد، لأن طلبهم الاستهلاكي بسيط من الناحية النظرية، في حين ان العمليات المالية ومراعاة إجراءاتها القانونية، والحفاظ على هامش للمجازفة المالية، هي عملية واسعة بالنسبة للمصارف والمؤسسات المالية. والفجوة التي تتركها هذه العلاقة بين الطرفين، تستدعي بالضرورة خلق عملية مالية تغطي الطلب المتزايد، وهذه العملية تجد ضالتها لدى مؤسسات تقوم بما يعرف بـ “صيرفة الظل”.
الظل المرافق لهذا النوع من الصيرفة، لا يعني عمليات مالية خارجة عن القانون، بل هي دلالة على العمليات المالية التي تدور في ظل النظام المصرفي التقليدي، ولا تصل الى حد التطابق معه. وقد أطلق الاقتصادي بول مكايل هذه العبارة في العام 2007 خلال المنتدى المالي السنوي الذي استضافه بنك الاحتياطي الفيدرالي، في كانساس سيتي في الولايات المتحدة الأميركية ورأى مكايل ان نظام صيرفة الظل له ركيزة أميركية عبر مؤسسات مالية غير مصرفية، تعمل في ما يسميه الاقتصاديون “تحويل آجال الاستحقاق”. ويتبلور هذا التحويل من خلال حركة الديون التي تقوم بتغذيتها تلك المؤسسات إما بإعطاء ديون مباشرة أو بشراء ديون، وتراهن تلك المؤسسات على تحقيق أرباح بواسطة الفوائد المرتفعة، التي تكسبها عبر تجميع الأموال بوقت قصير، وعليه، فإن شراءها للديون يفرض ضرورة سداد الدين في وقت قصير.
العمليات المالية الداخلة في إطار صيرفة الظل تحمل في طياتها مخاطر اقتصادية على مستوى فردي وجماعي، تحديداً على مستوى زيادة السيولة في الأسواق، وإغراق الأفراد بالديون، والتلاعب بأسعار الأصول بطريقة غير منظمة فهذه الصيرفة بحسب ما يشير إليه رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه، تخلق “تأثيراً مباشراً على حجم الائتمان في الأسواق، بما يزيد من حدة تقلبات الدورات الاقتصادية فقد يزيد عرض الائتمان وبالتالي يرفع حجم السيولة، مما يؤدي الى ارتفاع أسعار الأصول في فترات الرواج الاقتصادي، ويساهم في خفض معدل الطلب على الأصول في أوقات التباطؤ الاقتصادي، وبالتالي تدهور أسعار الأصول، مما يؤدي الى انعدام الثقة بين المتعاملين”.
السوق المالية التي تخلقها مؤسسات صرافة الظل، هي سوق مشروعة من الناحية النظرية، وتشهد نمواً مرتفعاً، تحديداً منذ بداية الأزمة المالية العالمية الأخيرة مما يشير الى خطورة أنشطة نظام صيرفة الظل، لاسيما في حالة شح السيولة مع تحول المقرضين إليه هرباً من عمليات التدقيق والمراجعة. وان السوق المتنامية تعدّ مكاناً آمناً لإجراء عمليات تبييض الأموال والتهرب الضريبي… وما الى ذلك من عمليات مالية غير مشروعة خاصة وان العمليات المالية التي تقوم بها مؤسسات الظل، تموّل من أموال ذاتية غير داخلة في الحسابات المصرفية، وبالتالي غير مراقبة من المصارف المركزية. ويمكن النظر في هذا المجال الى ان المستثمرين الذين كانوا يضخون أموالهم في الأسهم، تحولوا الآن الى إقراض أموالهم ويعتبر هذا التحول محفوفاً بالمخاطر وتلجأ إليه البنوك أحياناً حتى لا تظهر الصفقات التي تشكل مخاطرة كبيرة في دفاترها.
وعمليات تبييض الأموال عبر صيرفة الظل – على سبيل المثال لا الحصر – أمر تصعب مكافحته إن لم تكن مستحيلة، لأن مراقبة هذه الصيرفة صعبة ومنعها مستحيل، اذ لا قانون يمنع عملية الدين، طالما ان الدائن والمدين يتفقان في علاقة تعاقدية رضائية، وفي اقتصاد مفتوح كالاقتصاد العراقي لا شيء يحدد الفائدة على الديون ولأن عملية الدين مفتوحة، والعمليات المالية لهذه المؤسسات حرّة، فإن تبييض الأموال قد ينتشر بسرعة من دون أي إمكانية لضبطه، لأن حجم التداول المالي في هذه السوق غير محدد، رغم امكانية ملاحظة توسعه وإعلانات القروض المنتشرة في العراق تظهر حجم سوق صيرفة الظل من الناحية النظرية، من دون أن يكون لهذا الحجم قياس مادي يساهم في معرفة حركة هذه السوق وكمية الأموال المتداولة فيها، مما يساعد في احتواء أي أزمة قد تنتج عن عملياتها المالية ,وفي هذا الشأن يستغرب بعض الاقتصاديون وجود هذا الكم من المؤسسات من دون رقابة من الدولة، ويرون ان “خطورة تلك المؤسسات لا يُنظر إليها بحسب حجم المؤسسة، لأن أصغر مؤسسة يمكن ان تؤثر على الاقتصاد وعلى القطاع المصرفي”، ويعزز هذا التأثير، “غموض بياناتها المالية وعدم عرض موازناتها”.
أما الحلول، فتكاد تكون مستحيلة نظراً لأمرين، الأمر الأول هو صعوبة حصر رؤوس الأموال المستعملة في الديون، وبالتالي حصر الأموال التي تخلقها الديون، فكل تلك العمليات قد يخلقها رأس مال فردي غير مسجل في أي عملية مصرفية, والأمر الثاني يتعلق بالسياسات المالية للطبقة الحاكمة (الاحزاب)، والتي تستفيد من صيرفة الظل لتتهرب هي من المراقبة المالية، فتحقق أكبر قدر من الأرباح ومن السيطرة على الرهونات العقارية وغيرها، بطريقة غير مكشوفة مالياً.
اعداد الخبر: م. مبرمج فاطمة نادي علي حسين