الاستاذ المساعد الدكتورعمار محمود الربيعي
كلية الادارة والاقتصاد/جامعة كربلاء
يتبادر الى الاذهان سؤال حول مدى قدرة التخفيض في انتاج النفط على رفع اسعاره في السوق الدولية لهذه السلعة في ظل عدم التيقن الذي يخيم على الاقتصاد العالمي بفعل جائحة كورونا . كما ان تعقد خيوط سوق النفط يصب في ذات الاتجاه الضبابي بشأن التوقعات . حيث يتألف هذا السوق تقليديا من مجموعة من المنتجين(جانب العرض) والمستهلكين(جانب الطلب) ، لكن هناك مجموعة كبيرة من الدول الصاعدة والمتقدمة المستهلكة دخلت حلبة الانتاج بفعل تكنولوجيا تطوير النفط غير التقليدي Unconventional Oil وهو نوع من النفوط اما ان يكون مستخلصا من الصخور ، او يستخرج من اعماق سحيقة في مناطق صعبة جيولوجيا .وهذا الامر رفع حدة التنافس ما بين المنتجين للتنافس على ضمان الحصص السوقية وهو ما ادى الى تهاوي اسعار النفط بسبب تخمة المعروض وحرب المنتجين او ما يسمى بحرب الاسعارPrice War. وفي هذا السياق تتكون مجموعة اوبك للدول المصدرة للنفط مع مجموعة اخرى من الدول المصدرة للنفط من خارج المنظمة فيما اصطلح على تسميته في الادب النفطي بأوبك بلس او اوبك+ ، حيث تتشكل هذه المجموعة الاخيرة من 23 بلدا (13 ضمن اوبك) و (10 دول ليست ضمن اوبك هي روسيا واذربيجان والبحرين وبروناي وكازاخستان وماليزيا والمكسيك وعمان والسودان وجنوب السودان) . وكنتيجة لذلك ، بالإضافة الى بروز جائحة فايروس كورونا وتأثيره على طلب النفط الخام بالانخفاض ، واللذان عملا معا باتجاه تخفيض كبير في سعر النفط تجاوز ثلثيه عن مستواه في الربع الاول من 2019 ، اجتمعت مجموعة دول اوبك+ في فينا في كانون الاول/ديسمبر 2019 وكان المطروح في اروقة الاجتماع هو العمل على اجراء تخفيض في الانتاج النفطي لدول المجموعة بمقدار 1.7 مليون ب/ي من اجل تدارك الاتجاه النزولي في الاسعار وهو ما رفضته روسيا العضو المهم ضمن المجموعة مما ادى الى فشله ، ومن هنا بدأت حرب شرسة ما بين روسيا والسعودية من خلال لوي الاذرع وإظهار كل طرف بأنه الاقدر على مواجهة الاسعار المنخفضة . وقد اثر ذلك على ارباح اسهم كبريات الشركات حول العالم وكذلك على هامش ربح النفط الصخري الامريكي . وازاء هذا الوضع ، ومع استمرار انتشار فايروس كورونا بمعدلات اسية مضاعفة ضاغطا باتجاه فعل المزيد من التخفيض في الطلب العالمي على النفط ، تدخل الرئيس الامريكي دونالد ترامب كوسيط بين روسيا والسعودية من اجل ان تتدارك اوبك + الوضع مرة اخرى . وبالفعل تم ذلك ، ففي 12 نيسان/ابريل من العام الجاري اجتمع ممثلو اوبك+ واتفقوا على تخفيض الانتاج بمقدار 10 مليون ب/ي ، رفضت المكسيك المقترح ، ليصبح المقدار المخفض 9.7 مليون ب/ي ، فيما بعد اتفقت المكسيك مع الولايات المتحدة الامريكية على انها هي التي تتحمل التخفيض بدلا من المكسيك بالفرق 300 الف ب/ي ، وبالتالي عادت الكمية المتفق عليها اولا لتكون هي المقدار الواجب تخفيضه . ويعد هذا التخفيض آلية عمل طويلة المدى نسبيا تمتد الى حدود سنتين ، ويدخل حيز التنفيذ بدءا من أيار/مايو 2020 . وحسب وكالة الطاقة الدولية IEAفانه يتوقع ان يسجل الطلب العالمي على النفط انخفاضا بمقدار 9.3 مليون ب/ي خلال عام 2020 ، وعلى وجه الخصوص فأن الطلب سيكون ادنى بمقدار 23.1 مليون ب/ي في الربع الثاني من العام نفسه عن مستواه في العام الماضي .اما في النصف الثاني فأنه من الممكن ان يستعيد الطلب عافيته بشكل تدريجي الى ان يصل الانخفاض في كانون الاول/ ديسمبر 2.7 مليون ب/ي . فيما تواصل منظمة الصحة العالمية تسجيل الاصابات بشكل مستمر ومتصاعد ، وبالرغم من ان بعض الدول تشهد معدلات نمو في الاصابة منخفضة ، الا ان الاتجاه العام الدولي مستمر في معدلاته المتصاعدة وتتأمل الكثير من الدول الموبوءة ان تصل الى مستوى الذروة قريبا لكي تجني ثمار الانخفاض تاليا . في هذا الاطار ، تطفو الى السطح مشكلة متعلقة بعدم اليقين حيال ابعاد كورونا وتأثيراته مما يفضي الى ما يمكن ان نسميه بفخ سعر النفط Oil Price Trap والذي يمكن ان نوضحه كما في الشكل البياني التالي:
اذ يتضح من الشكل في اعلاه ، ومن خلال جعل الكمية المعروضة كمتغير مستقل على المحور العمودي ، فيما الاسعار على المحور الافقي كمتغير تابع ، انه كلما انخفضت الكمية المعروضة من النفط (زادت اهميته النسبية) كلما ارتفعت اسعاره . ويصدق هذا القول في الفترة ما قبل تفشي وباء كورونا بشكل كارثي استنادا الى آليات سوق النفط في اطار المعالجة التقليدية لانحداره ، اما خلال تفشي وباء كورونا والذي من المتوقع ان يستمر في شل الطلب العالمي على النفط خلال عام 2020 حتى في ظل انخفاض اسعاره وامتلاء طاقات الخزن وارتفاع اجورها ، فان تخفيض الانتاج سوف لن يترك اثرا مهما في الاسعار باتجاه الارتفاع في مفارقة سعرية لم تحصل سابقا بهذا الحجم والاتجاه وهو ما يمثله الجزء BC من منحني السعر ،وهذا يعني انه من غير المنطقي التعويل بشكل كبير على اجراءات اوبك + في تخفيض المعروض النفطي في ظل وجود جائحة كورونا واحتمالية استمرارها لربما اكثر قوة من حيث التأثير وطول المسار الزمني . اما اذا صدقت التوقعات بشأن تحسن الاوضاع الصحية قبيل عام 2021 وخلالها وخف تأثير الجائحة فأن الجزء CD من منحني السعر يمكن ان يعمل ويجد اثره في سوق النفط .