بقلم ا.د.حمزة محمود شمخي
إذا وضعنا أثر(كورونا) في سياقها الصحيح فهي أسوء حدث عصف بالعالم،وإذا ربطنا ذلك الحدث بالاقتصاد وأضفنا عامل التشابك المذهل في الاقتصاد المعاصر ،نستطيع القول إنها أسوء حدث يصيب الاقتصاد العالمي منذ مئات السنين ،ونظرا لعدم وجود سوابق تاريخية للتعامل مع مثل هذا الحدث،نجد ان الاقتصاد العالمي تراجع بصورة مذهلة وتوقف نموه بسبب تعرضه(للمرض) وليس من السهولة شفاءه.
والسؤال ،هل يمرض الاقتصاد؟نعم هو كذلك فقد أصابت جائحة كورونا(الاقتصاد)في الصميم ولازالت في ذلك وبشكل لم يسبق له مثيل مما جعل الاقتصاد العالمي قعيد المرض.
ومرض الاقتصاد مصطلح مستخدم في الادبيات الاقتصادية يعرف بالمرض الهولندي( Dutch Disease)،وتحليله هو إختلال العلاقة( بين إزدهار التنمية الاقتصادية بسبب وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية). والمرض يعود في نشأته الى(حالة الكسل والتراخي الوظيفي التي أصابت الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 – 1950، بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال،حيث هجع الشعب للترف والراحة وإستلطف الانفاق الاستهلاكي البذخي، فكان أن دفع ضريبة)هذا الترف والبذخ.وبسبب استنزافه المفرط للابار ونضوبها وتوجهه نحو الاستهلاك غير المنتج ،فقد عرفت هذه الحالة في التاريخ الاقتصادي بالمرض الهولندي.
والمرض الهولندي يقصد به( تضرر أنشطة أو قطاعات خاصة إنتاجية، من جراء ازدهار او رواج سريع لنشاط آخر.وعكس ذلك ازدهار بعض الأنشطة على حساب أنشطة أخرى).
إن التحليل الاقتصادي لهذا المرض مشتق من تاكيد أن زيادة الايرادات المالية الناتجة عن الموارد الطبيعية ستؤثر على عملة الدولة وتجعلها أقوى من عملات الدول الأخرى، وهذا يسبب ارتفاع كلفة صادرات الدولة قياسا بالدول الاخرى، بينما تكون أسعار وارداتها أرخص،الامر الذي يجعل كلفة الصناعات التحويلية في الدولة مرتفعة مما يضعف قدرتها التنافسية قياسا بالسلع البديلة.
وفي بداية إنتشار جائحة كورونا تعرض الاقتصاد العالمي الى مرض جديد إختلف كليا عن المرض الهولندي للاقتصاد ،يمكن تسميته (مرض كورونا)الذي أصاب كافة القطاعات الاقتصادية بالشلل منذ بدء إنتشاره من الصين لتشمل كل دول العالم دون إستثناء حيث اوقفت التعليم والسياحة والسفر والمعامل والطيران والاهم سلاسل التوريد العالمية التي عطلت الانتاج في الاقتصاد وبالتالي أدى الى إنهيار الطلب والعرض،بمعنى اخرانهيار منظومة الاقتصاد الكلي،تلك المنظومة التي تبنى على(التبادل التجاري والترابط المالي والسياحة والنقل ) أما على مستوى الاقتصاد المحلي فان
مرضه يزداد بسبب(إعاقة النشاط الاقتصادي،وزيادة تكاليف التصدي والاحتواء، الثقة واليقين)وهذه ركائزالاقتصاد وبدونها يفقد الاقتصاد صحته وإزدهاره وإضطرابها يعني ان الاقتصاد مريض.
وعندما انتشرت الجائحة وما رافقها من حجر منزلي وتباعد اجتماعي وغلق الاقتصاد،كان الرأى العام لخبراء الاقتصاد الكلي أن(كورونا)شكلت (صدمة سلبية على جانب الطلب والتي يجب مواجهتها من خلال السياسات المالية والنقدية التوسعية لدعم الإنفاق الكلي)كمعالجة مماثلة لمواجهة الازمة المالية العالمية التي عصفت به عام 2008 وتمكنت الدول من ان تحد من الاثار السلبية لتلك الازمة.وسرعان ما أدرك خبراء الاقتصاد أن هذه الصدمة مختلفة عن مثيلاتها.فعلى النقيض من أزمة 2008 ،التي أدت إلى انهيار الطلب( فإن جائحة كورونا تشكل في المقام الأول صدمة على جانب العرض)ايضا وهو أمر غير العلاج الاقتصادي الذي يستند اليه اغلب خبراء الاقتصاد.
والتحليل الاقتصادي السائد حول تلك الثنائية ان انهيار انتاج الاقتصاد ممكن تحريكه من خلال الانفاق الذي تنهض به الدول والافراد،وكلما زاد الانفاق زاد الانتاج وتحرك الاقتصاد ،ولكن طبيعة المرض الاقتصادي الحالي غير مرتبطة بالانتاج وبالتالي غير مرتبطة بالطلب ولا بالعرض ،لان القطاعات المحركة قد تم غلقها وتعطيلها إحترازيا .حيث ان حركة الاقتصاد مشلولة بسبب غلق الجامعات والمدارس، والفن، والفنادق، وتوقف شركات الطيران والمسارح وغلق الحدود بين الدول لوقف إنتشار الجائحة، فإن إلانفاق لن يعيد الحياة لهذه القطاعات(فهي لا تفتقر إلى الطلب،إنها مغلقة كجزء من سياسات الصحة العامة التي يجري تنفيذها لتسطيح منحنى العدوى.وإذا كانت الشركات لا تنتج لأن عمالها)ضمن الحجرالمنزلي (فإن تعزيز الطلب لن يؤدي إلى ظهور السلع بطريقة سحرية).
ان إنتشار الجائحة سبب أضرار وخسائر غير مسبوقة في الاقتصاد العالمي بسبب صدمة العرض والطلب الناتجة عن(الاغلاق الكبير).
والحل هو ان يلجأ خبراء الاقتصاد الى ما يعرف
بالاقتصاد الجينـيGenetic Economy،وهو اقتصاد علاجـي للأمراض الاقتصادية يشتمل على عدة نماذج(تشخيصية تكتشف الأمراض الاقتصادية تلقائيا بمجـرد عرض الحالة على هذه النماذج ويقدم العلاج المناسب لهذه الأمراض بدون تدخل العنصر البشري الذي يصيب ويخطئ)
ويتحقق ذلك فقط عندما تنتهي كورونا.