سلوك القطيع في الاسواق المالية:
ا.د.حمزة محمود شمخي
من الامور التي تثير الاهتمام عند دراسة الاسواق المالية وسلوك المستثمرين فيها هو (سلوك القطيع). ومضمون هذا السلوك هو ان يتخلى فيه المستثمر عن قراره لصالح قرارات مجموعة من المستثمرين.
وسلوك القطيع (Herd Behavior) يعرف بانه (مجموعة من المستثمرين تتعامل في نفس الاتجاه خلال فترة زمنية معينة)فهو سلوك نفسي يدخل ضمن ما يعرف بعمليات(التعلم الاجتماعي Social Learning ويتمثل في المواقف التي يتعلم فيها الأفراد من خلال ملاحظة تصرفات الاخرين).
وسلوك القطيع ماخوذ من نظرية تشير ان كل عضو في مجموعة يخدم نفسه اولا وهو يسعى ان يقلل الخطر عنه بسلوكه سلوك الجماعة وهنا يتبع الفرد الأضعف من هم أقوى منه وأشد نفوذا.
وقد تناولت الدراسات هذا السلوك في أسواق المال تحت أكثر من مصطلح مثل إتبع القائد Follow-the-leader.
ولان سوق الاوراق المالية يستوعب سلوكيات غير متجانسة للمستثمرين ،لذلك وعلى وفق سلوك القطيع فان المستثمرين داخل السوق يميلون بحكم سلوكهم إلى اتخاذ تصرفات رشيدة اوعقلانية أو غير رشيدة او غير عقلانية تفرضها معلومات السوق وشكل القناعات في قراراتهم ولهذا فهم يميلون الى اتخاذ قرارات مجموعة من المستثمرين القريبين منهم.
والملاحظ ان سوق الاوراق المالية يتجلى فيه هذا السلوك بصورة واضحة خصوصا عند(هبوط الأسعار أو انهيارها فيتجه المستثمر مقلدا مجموعة من المستثمرين للتخلص مما يملكه من اوراق مالية خوفا من الخسارة والعكس ايضا عندما تتجه السوق نحو الصعود وهو ما يسمى ببيع القطيع).
ان هذا التوجه غير المدروس من المستثمر نحو تنفيذ عمليات البيع او الشراء الخارجة عن الرشد والعقلانية في الاستثمار هي جزء من(سلوك القطيع)التي استغلها (هوامير وحيتان) الاسواق لاستغلال بسطاء المستثمرين.
ان لجوء المستثمر الى هذا السلوك يحصل نتيجة عاملين:
الأول هو(الضغط الاجتماعي الذي يحث على مطابقة تصرفات الجماعة. وذلك لأن معظم الناس لهم الرغبة الطبيعية بأن يكونوا مقبولين من قبل المجموعة.
والثاني هو(الأساس المنطقي المشترك بأنه من غير المحتمل أن مثل هذه المجموعة الكبيرة يمكن أن تكون خاطئة).
هناك وجهتي نظر بالنسبة لسلوك القطيع في سوق الاوراق المالية:
الاولى ترى أنه سلوك غير رشيد irrational حيث ترتكز هذه الرؤية على التفسير السيكولوجي البحت لهذا السلوك.بمعنى أن المستثمرين يتبع كل منهم الآخر دون أي نظر(لاعتبارات تحليل المعلومات التي تصل من السوق).
اما الثانية فهي ترى أن هذا السلوك لا يخرج بالمستثمرين عن إطار الرشد (وإنما تعزى حدوثه لبعض العوامل الخارجية عن متخذ القرار والتي تؤدي للابتعاد عن الطريقة المثلى لاتخاذ القرار، مثل صعوبةالحصول على المعومات أو ارتفاع تكلفة الحصول عليها.
والسؤال لماذا يحصل التشابه في سلوكيات و تصرفات المستثمرين في السوق وفق نظرية سلوك القطيع؟ والجواب لان تلك السلوكيات و التصرفات تنشأ بسبب التعامل مع حالتين هما :
(الأولى:تجميع الصدمات المالية مثل التغير في المستوى العام لأسعار الأدوات المالية و تغاير أسعار الفائدة في وعاء واحد.
الثاني : العدوى المالية).
و هاتين الحالتين تظهران سوية في نشاط سوق الأوراق المالية وفق نظرية كفاءة السوق القائلة بأن أي صدمة مالية واحدة في سوق ما يمكن أن تخلق أزمة أخرى في سوق مماثل نتيجة ما يعرف بالعدوى المالية المكتسبة من سلوك المستثمر) والسوق المماثل ليس بالضرورة ان يكون حجم التداول فيه متساويا انما هي العدوى التي تنقل فيروسها الى جميع الاسواق.
ونظرا لان سوق الاوراق المالية هي سوق الصفقات لذلك نرى عدم استقرار السوق لتكون حركتها متذبذبة بين الصعود والنزول،فبعد كل ارتفاع هناك انخفاض والعكس في ذلك يحدث ،وفق تفسير نظرية داو جونز، حيث يلجأ المستثمرون إلى إجراء الصفقات بشكل غير عقلاني تحركهم العاطفة، فدخولهم للسوق بسبب رؤيتهم إقبال بقية المستثمرين عليه، وسيخرجون من السوق إن رأوا المستثمرين فروا منه دون تخطيط أو رأي شخصي لهم).
ولهذا عندما تحصل عمليات بيع وشراء مندفعة وشرسة بعدها تتوقف لفترة لتبدأ فترة أخرى من البيع والشراء المندفع والشرس، هنا نؤكد وبقوة تطبيق نظرية(سلوك القطيع).
قد ينظر البعض الى سلوك القطيع كاحد الظواهر الاستثمارية الشاذة فى الأسواق المالية ،ومع ذلك اخذ حيزا من الاهتمام لما له تأثير في ازدياد (کثافة التداول لأن المستثمرين يکونوا متماشيين مع المتوسط الجماعى فى السوق) و اداء السوق، وبسبب هذا التوجه اعتبر (سلوك القطيع) نظرية في المالية السلوكية تحدد توجهات المستثمرين في سوق الاوراق المالية،وقد جنب اعتماد هذا السلوك الكثير من المستثمرين مخاطر الاستثمار وتقليل الخسائر وايضا في تحقيق الارباح، الا اننا نوكد ان الاستثمار في الاسهم بشكل خاص يحتاج الى ثقافة استثمارية وقدرة في تحليل حركة الاسعار اضافة الى عدم الخشية من تحمل المخاطر والابتعاد عن الخوف وتحليل المعلومة.