spss وماقبل برنامج spss البنية التحتية التي يتطلبها برنامج التحليل الإحصائي
بقلم د. عبد الرزاق الهيتي
يسعى العديد من طلابنا الأعزاء في تخصص علم الاجتماع أو الخدمة الاجتماعية أو علم النفس لامتلاك واستخدام برنامج التحليل الإحصائي(spss) وهناك نوع من الشغف الكبير في تعلم هذا البرنامج، بل ويبذل البعض منهم مبالغ طائلة في سبيل ذلك، وكل ذلك من أجل معرفة أسراره وكيفية استخدامه؟ ويتعبون أنفسهم كثيرا من أجل الحصول على آخر إصدار لهذا البرنامج، وهذا بحد ذاته جيد بل وممتاز كونه يمثل سعي نحو بناء الذات وتطوير الإمكانات الفردية في مجالات مساعدة للتخصص وتعين الباحث أو طالب علم الاجتماع أو بعض العلوم الاجتماعية الأخرى، ولكن هل الحصول على هذا البرنامج ومعرفة كيفية إدخال البيانات وكيفية الحصول على المعاملات الإحصائية أو الرسوم والأشكال البيانية يكفي؟
لعل من نافلة القول أن الإحصاء بحد ذاته يستخدم لخدمة البحث العلمي وبالتالي فهو وسيلة وليس غاية بحد ذاته، لذا نرى من الضروري تذكير الباحث أو الطالب بأن البرنامج وحده ليس الحل السحري لمشاكل تحليل بيانات البحث والوصول من خلال ذلك إلى مرحلة النتائج المطلوبة، وينبغي القول كذلك أن الكثير من طلابنا وبعض الباحثين يهتمون بالبرنامج ( spss) أكثر من أي شيء آخر، والأحرى بهم أن يهتموا أولا وقبل كل شيء بالغاية وبالتالي يمكن بعد ذلك استخدام كل الوسائل العلمية التي تمكنهم من الوصول لتحقيق الأهداف المنشودة والغايات، وفي رأيي أن البرنامج بحد ذاته وسيلة وليس غاية، ومن خلال تجربتي المتواضعة مع طلاب الدراسات العليا والدراسات الأولية وبعض الباحثين استطيع القول أن بعضهم أو بمعنى أدق الكثير منهم يفتقدون لما يمكن أن أسميه البنية التحتية التي يتطلبها استخدام هذا البرنامج، والتي لابد من توافرها مع كل منهم لكي يمكنه أن يوظف هذا البرنامج الرائع في خدمة البحث والاستفادة القصوى من إمكانيات هذا البرنامج في تحليل بياناته الميدانية، ورب سائل يسأل وما هي هذه البنية التحتية؟ التي يتحدث عنها صاحب المقال، وأقول في هذا المجال أن هذا البرنامج يتطلب توافر العديد من المستلزمات لدى كل مستخدم له، وهذه المستلزمات هي كما يأتي:
1- معرفة كافية ووافية في مجال تصميم الاستبيان(الاستبانة) والمقاييس الاجتماعية أو النفسية.
وهنا يمكن القول أن مستخدم البرنامج عليه أن يكون ملماً بشكل كبير في وسائل وأساليب جمع البيانات في الدراسات الاجتماعية الميدانية، بخاصة منها كيفية تصميم الاستبيان أو المقاييس الاجتماعية والنفسية، وكيفية وضع وصياغة الأسئلة المناسبة التي تجمع المعلومة الدقيقة والوافية للوصول إلى نتائج البحث، وبشكل يحفز المبحوث على التعاون والاستجابة للباحث، بالوقت نفسه يكون الباحث قادراً على تحويل وترميز هذه البيانات والتي حصل عليها من المبحوث إلى أرقام ورموز لكي يتم إدخالها فتكون ما يسمى البيانات الخام(data)في البرنامج الإحصائي( spss). وأنا هنا لا أتهم مستخدمي البرنامج بالقصور والضعف في إتقان مناهج البحث الاجتماعي ولكني أجد أن هناك البعض ممن يهتم بالبرنامج بشكل أكبر من اهتمامه بأدوات جمع البيانات، فلا تجده يسأل عن البرنامج إلا بعد أن يكون قد جمع المادة الميدانية وهو لا يعرف شيئاً عن البرنامج، ليجد نفسه بعد ذلك في حيرة من أمره، بخاصة إذا كانت صياغته للأسئلة لا تراعي متطلبات البرنامج وشروطه التي ينبغي توافرها في الأسئلة أو في المتغيرات التي يستخدمها، وحينها لا هو قادر على ترك استمارات الاستبيان وإعادة النظر فيها وطبعها وتوزيعها وجمع البيانات من العينة من جديد، بسبب عدم توفر الوقت والإمكانات المادية، ولا هو قادر على الاستفادة مما جمعه من مادة ميدانية لأنها جمعت بطريقة غير دقيقة. وفي حينها سيكون في وضع لا يحسد عليه. فأحذر أخي العزيز من أن تصل إلى هذه المرحلة.
وعليك أن تتقن الشروط الواجب توافرها في الأسئلة التي تقوم بصياغتها في الاستبيان أو المقياس، وتكون قادر على وضع السؤال المناسب وبالصيغة المناسبة التي تعطيك قدرة أكبر في التعامل مع هذه الأسئلة في مرحلة الترميز وإدخال البيانات ببرنامج التحليل الإحصائي(spss) وعليك أن تكون قادراًُ على اختيار القرار المناسب في وضع أو اختيار السؤال المغلق أو السؤال المفتوح، ومن خلال وضع استبيان أو مقياس صحيح بكل مواصفاته ستكون قادراً على ترميزه وإدخال بياناته إلى البرنامج، وأنت مرتاح البال ومطمئناً إلى أنه سيكون خير عون لك في الوصول إلى النتائج المرجوة وتحقيق الأهداف.
2- معرفة كافية في الإحصاء(الاجتماعي أو النفسي أو التربوي) الوصفي والتحليلي.
من خلال خبرتي في المجال الأكاديمي بخاصة وأنا أقوم بتدريس مادة الإحصاء الاجتماعي الوصفي والتحليلي ومادة مناهج البحث الاجتماعي وتصميم البحوث الاجتماعية، توافرت لدي قناعة بأن على طالب علم الاجتماع أن يجيد ويتمكن من ثلاثة أركان أساسية، فإن تمكن منها أراه قد تمكن من علم الاجتماع، وإن لم يفعل ذلك أو أضاع أحد هذه الأركان أجده سيضيع في علم الاجتماع وسيبقى مثل التائه في مدينة كبيرة مترامية الأطراف ولم يسبق له أن دخلها من قبل. وهذه الأركان الأساسيةهي:
1- النظرية الاجتماعية.
2- مناهج البحث الاجتماعي.
3- الإحصاء الاجتماعي(الوصفي والتحليلي).
أما الركن الأول فهو أمر مفروغ منه بحكم كونه أساس لكل طالب علم اجتماع بل وتكاد النظرية الاجتماعية تكون الركن الأول والأهم في هذا المجال ولن أعلق على هذا الموضوع لأنه ليس مجال اهتمامنا هنا، أما مناهج البحث الاجتماعي فقد سبق وأن تحدثنا عنها في النقطة الأولى، وأما الإحصاء الاجتماعي فيمكنني أن أقول أن ملاحظتي حولها مستوحاة من أن البعض ( وربما أجزم أن هذا البعض كثير) لا يهتمون كثيراً في مادة الإحصاء الاجتماعي(الوصفي والتحليلي) إلا بالقدر الذي يؤهلهم للنجاح فقط، لذا تجد هذا البعض في السنة التالية لدراسة مادة الإحصاء (حتى وإن نجح فيها) لا يتذكر من المادة شيء بل ولا يقرأ فيها شيء، بخاصة وأنه درسها لكي ينجح فيها فقط، ولم يدرسها لكي يتعلمها، وهناك فرق بين من يدرس المادة لكي ينجح فيها ومن يدرس المادة لكي يتعلمها ويتقنها، فالأول سينسى المادة ولن يتذكرها بمجرد خروجه من قاعة الامتحان حتى وإن كان سينجح في الاختبار، بينما الثاني ستبقى المادة عالقة في ذهنه لفترة أطول وسيبقى متمكنا منها بخاصة إذا ما عاد إليها وقرأها بين فترة وأخرى وبحكم المؤكد سيكون النجاح مضمون تحصيل حاصل بالنسبة للثاني.
وعلى هذا الأساس نجد أن هناك عدم اهتمام بمادة الإحصاء من قبل طلابنا حتى أن بعضهم ربما تراوده تساؤلات حول أهمية المادة وفائدتها له بخاصة وانه يدرس علم الاجتماع الذي يتصوره لا يحتاج إلى الإحصاء!!!! وعليه تجده عندما يستخدم برنامج التحليل الإحصائي(spss) لا يعرف ماذا يستخدم في قياس النزعة المركزية هل يستخدم الوسيط أو المتوسط (الوسط)الحسابي أم المنوال مثلا؟ ولا يعرف ربما لماذا يستخدم هذه المعاملات الإحصائية. مع أنه درس الموضوع ولكنه أساسا لم يهتم بهذا الموضوع في وقت دراسة الإحصاء، وماذا يستخدم لقياس علاقة الارتباط بين متغيرين رقميين أو بين متغير رقمي وآخر اسمي، ولماذا يستخدم الارتباط بيرسون أو سبيرمان أو الاقتران أو التوافق. وماذا يستخدم لقياس التشتت مثلا هل يستخدم الانحراف المعياري أم الانحراف الربيعي أم أم ام؟
وكان من الممكن أن يتقن كل ذلك عندما درس مادة الإحصاء، لا بل كان يجب أن يتقن ذلك في حينه، فإن فعل ذلك وأتقن وتعلم يكون قد امتلك أحد أهم عناصر البنية التحتية لاستخدام برنامج التحليل الإحصائي(spss) وعندها سيكون متمكناً من التعامل مع البرنامج بشكل أكبر وأفضل. لذا أخي العزيز تمكن من الإحصاء قبل أن تتعامل مع البرنامج ولا تترك نفسك رهينة المحللين الإحصائيين الذين يستنزفون قدراتك المالية ولا يعطوك ما تريد تماماً كما يتطلبه منك البحث، وتعلم من الحكمة التي تقول ما حك جلدك مثل ظفرك.
3- معرفة كافية في قراءة نتائج وأرقام المعاملات الإحصائية التي حصل عليها من البرنامج.
يستعين الكثير من الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية بالبرنامج(spss) في تحليل بياناتهم التي يحصلون عليها من الميدان، وهذا أمر مطلوب ومهم بخاصة ونحن الآن نعيش مرحلة الثورة الرقمية وتكنولوجيا الكمبيوتر المتطورة كل يوم، ولكن المشكلة في أن البعض عندما يحصل من المحلل الإحصائي على نتائج الدراسة الميدانية وعلى الجداول التي تحوي الأرقام والنسب المئوية والأوساط الحسابية ومقاييس التشتت ومعاملات الارتباط ومربع كاي وغيرها تجده في حيرة من أمره، فلا يعرف ماذا يعني إذا كانت قيمة معامل الارتباط بيرسون مثلا(0.65)، ولا يعرف كيف يتعامل مع قيمة مربع كاي التي تمثل(17.78) مثلا، ومتى تكون هذه الأرقام دالة إحصائياً أو غير دالة، وكيف يمكن التعرف على أهمية هذه الأرقام وماذا تعني بالنسبة لنتائج البحث ومحاوره ومتغيراته المتعددة. ومتى يمكن أن يقبل فرضية البحث ومتى يجب عليه أن يرفضها.
وهذه النقطة نجد أهميتها كبيرة لكل طالب أو باحث اجتماعي، وهنا أريد أن أنوه على مسألة غاية في الأهمية وهي أن بعض (وأقول بعض)الأساتذة في الجامعات ممن يقومون بتدريس مادة الإحصاء الاجتماعي إنما يقومون بتدريس مادة الإحصاء النظري البحت، والتي يصعب على طلابهم أن يقوموا بربطها بالظاهرة الاجتماعية، كما أن البعض يركز في تدريسه على كيفية إجراء العمليات الإحصائية للحصول على المعاملات الإحصائية فقط دون تفصيل الحديث حول أهمية هذا المعامل أو ذاك ومتى يمكن استخدامه ومتى لا يمكن استخدامه، وما هي ميزات كل معامل وما هي عيوبه، وبالتالي نجد أن إعداد الطالب في هذا المجال يكون محدوداً وغير مجد أو كافٍ، وهنا لا أريد أن القي باللوم كله على من يقومون بتدريس مادة الإحصاء الاجتماعي في جامعاتنا، فالكثير منهم يتعبون كثيرا في هذا المجال، والصحيح أن بعضهم يشارك في ضعف تأهيل الطلاب، ولكن أيضاً وبنفس الوقت يقع اللوم على الطلاب أيضاً لأن بعضهم يشارك في المسئولية في هذا المجال، فلا يهتمون بالسؤال عن هذه الأشياء في المحاضرة أو لا يهتمون بما يقوله الأستاذ ولا يدونون الملاحظات التي تخص هذه الأشياء، أو يحضرون المحاضرة جسداً فقط وعقولهم مشغولة بمشاغل كثيرة ليس هذا مجال تناولها. ومن خلال مجموعة من العوامل التي تساهم في ضعف تأهيل الطالب في مادة الإحصاء الاجتماعي سواء منها ما يخص أستاذ المادة أو الطالب أو المنهج المقرر أو عدم توفر الإمكانات المادية والأجهزة والمعدات اللازمة لتدريس هذه المادة، كل ذلك يساهم في إعادة إنتاج الفقر العلمي لدى الكثير من طلبتنا وبالتالي عدم قدرتهم على التعامل مع البرامج الرقمية الحديثة وتعيق استخدامهم بدقة لمثل هذه البرامج، ولذلك أرجو من كل من يقوم بتدريس مادة الإحصاء الاجتماعي وأنا منهم أن يراعوا هذه القضايا في تدريسهم للطلبة وأن يتذكروا دائما أن الإحصاء وسيلة وليس غاية، وعلى طلبتنا زيادة الاهتمام بتدوين كل ما يقوله الأستاذ من ملاحظات حتى وإن اعتقدت أنها غير مهمة، ولا تترك صغيرة ولا كبيرة لا تعرفها إلا وتسأل أستاذك عنها، ولا تأتي إلى محاضرة الإحصاء الاجتماعي كما يأتي البعض بدون قلم ولا ورقة ولا آلة حاسبة شخصية، إن كنت حريصاً على بناء نفسك بالشكل الذي يأمله منك أهلك ومجتمعك وبلدك وأمتك.
في الختام أنوه أن هذه المقالة هي عبارة عن فكرة استوحيتها من كثرة ما سمعته من الأسئلة حول كيفية إدخال البيانات أو قبلها كيفية ترميزها أو بعدها كيفية التعامل مع النتائج الإحصائية التي يحصل عليها البعض من البرنامج، وقد قمت بكتابة هذا المقال على عجل، وهذا لا يعفيني من المسئولية إذا ما وقعت في بعض الأخطاء ولكن، إن أخطأت فالعذر منكم وانتم الكرماء، وأن أصبت فلله الحمد…ولكن في كل الأحوال أرجو من أخوتي وزملائي مدرسين مادة الإحصاء الاجتماعي في الجامعات ممن يطلعون على الموضوع أن يساهموا في إثراء ما ورد فيه وإضافة ما يرونه مناسباً وضرورياً وأن نتشارك في تبادل الخبرات والمعلومات، فتلاقح الأفكار هو الطريق الأنسب لنشرها وتطويرها. وكل ذلك في سبيل كسب رضا الله عز وجل، وخدمة الإنسان أينما كان.