إستراتيجية البنك المركزي وإمكانية تصحيح المسار
أ.م. د حيدر حسين آل طعمة
آذار / مارس 2016
التعويل على تعافي اسعار النفط في الاسواق العالمية لتوفير التمويل اللازم للموازنة والاقتصاد يشكل ركيزة هشة تهدد مجمل الانشطة الاقتصادية في العراق، خصوصاً مع ارهاصات ركود الاقتصاد العالمي وضعف التوقعات حيال عودة الأسعار لمستويات ما قبل الانهيار في ظل اغراق مستمر للأسواق النفطية.
ومن شأن استمرار الهبوط السعري لأسعار النفط ان يضاعف الاعباء على كاهل الاقتصاد الوطني، بالتزامن مع اعباء داخلية متعددة اهمها الاضطراب الامني والسياسي. الا ان اعتماد سياسات اقتصادية حصيفة قد تحول التحديات الى فرص لإعادة هيكلة الاقتصاد والانسلاخ عن النموذج الريعي في النمو لصالح تنويع القاعدة الانتاجية وتعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي المستدام.
وتناط بالمؤسسة النقدية في العراق مهمة استراتيجية غاية في الخطورة والتعقيد، تبدأ في ايجاد منافذ بديلة للتمويل الخارجي، دون التأثير في الاستقرار السعري الذي يشهده البلد منذ سنوات. كما تمارس السلطة النقدية ادواراً محورية اخرى أهمها بناء نظام مالي ومصرفي متطور وسليم يعمل كجسر للتمويل والاستثمار ويعزز من استقرار ونمو الاقتصاد الكلي.
في سياق ذلك، تبنى البنك المركزي العراقي مؤخراً اطارا جديدا ومعاصرا لاتجاه السياسة النقدية خلال الاعوام (2016-2020) عبر اعتماد استراتيجيات فاعلة تتضمن حلولا عاجلة واخرى متوسطة وطويلة الاجل تهدف الى ارساء الثقة بالاقتصاد العراقي وتوفير الممكنات اللازمة للنهوض الاقتصادي وتجاوز الازمة المالية الجارية. وقد استمدت الاستراتيجية المذكورة من وحي السياسة العامة للدولة الهادفة الى بناء اقتصاد حر قائم على مبادئ السوق والمنافسة وتمكين القطاع الخاص من لعب دورا اساس في التنمية الاقتصادية.
الملامح الرئيسة لاستراتيجية البنك المركزي.
تفصح استراتيجية البنك المركزي عن مقاربة جديدة في ادارة السياسة النقدية تعمل ضمن اطار تحفيز الاقتصاد وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي بما يكفل تحقيق الرخاء للمجتمع العراقي ويدعم النهوض والارتقاء بالقطاع المالي بشكل عام والجهاز المصرفي بشكل خاص لتقديم خدمات مصرفية متميزة عبر التركيز على تهيئة بنية تحتية سليمة وقوية، تتناسب مع ما تشهده المرحلة الحالية من تحديات، على وفق منظور استراتيجي يعكس رؤية وتطلعات البنك المركزي في الامد المتوسط والطويل.
ويمكن عموما اجمال اهم الملامح الرئيسة للأهداف التي بنيت عليها الاستراتيجية الجديدة وكالاتي([1]):
- vضبط الكتلة النقدية من خلال هيكلة اسعار الفائدة وتقليل دور سعر الصرف في عمليات تعقيم السيولة النقدية.
- v
- vتطوير واستحداث نظم رقابية ونظم مدفوعات تعمل كأدوات لتعزيز متانة واستقرار النظام المصرفي.
- vتعزيز الشمول المالي بشكل مدروس من خلال تحسين وصول الخدمات المصرفية الى جميع شرائح المجتمع العراقي وتوفير البنية التحتية اللازمة ونشر الثقافة المالية والمصرفية.
- vتوسيع نطاق الاشراف الاحترازي وتحديث التعليمات والضوابط وتطوير النظم المالية والادارية واللوائح والتعليمات.
- vوضع الاسس والضوابط والمعايير اللازمة لحماية عملاء المؤسسات المالية والمصرفية من الغش والاستغلال وضمان جودة الخدمات المقدمة.
- v
- vتطوير البنية التحتية للبنك المركزي واستحداث اقسام جديدة ولجان تخصصية داعمة تتناسب مع تحديات وتطورات المرحلة الراهنة.
استراتيجية البنك المركزي: الاهمية وفرص النجاح
انحسار تدفقات المورد النفطي كشف بوضح عمق الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي والناجمة عن عقود من سوء الادارة والحروب والادمان المفرط على النفط في تمويل الموازنة والاقتصاد. هذه الاختلالات كان لها دورا كبيرا في ابراز اهمية السياسات الاقتصادية في تصحيح نمط النمو الريعي والحد من دوره السلبي في تنمية وتطوير القطاعات الاقتصادية لصالح نمو القطاع النفطي.
في هذا السياق يتوقع ان يكون للسياسة النقدية دورا مركزا في عملية التصحيح وايجاد نموذج بديل يلائم التوجهات الجديدة للإصلاح الاقتصادي نظرا لما للمؤسسة النقدية من دور في توفير البدائل المالية اللازمة لتمويل الانشطة الحكومية وايجاد مظلة مناسبة للنمو عبر المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي وتطوير المؤسسات المالية والمصرفية بالشكل الذي يُمكن القطاع الخاص من الانطلاق. مع توخي الحيطة والحذر في تصميم نظام قانوني ورقابي محكم يؤطر عمل النظام المصرفي في البلد ويزيد من شفافية وجودة ادائه.
مع ذلك، ورغم ما تضمنته الاستراتيجية الجديدة من ركائز واهداف جذابة تنسجم وبرامج الاصلاح وتطلعات النخب، الا ان المخاوف تتركز في مدى قدرة ادارة البنك المركزي العراقي في تحقيق الاهداف المنشودة في ظل تفكك مؤسسات الدولة وهشاشة الامن والقانون وتفشي الفساد المالي والاداري وهيمنة الاحزاب السياسية على كافة المراكز الاقتصادية في الدولة، بما فيها البنك المركزي العراقي.