أسواق النفط بين تقرير منظمة اوبك ووكالة الطاقة الدولية
د. حيدر حسين آل طعمة
تراجعت اسعار خام برنت، خلال الأيام الماضية، الى قرابة 65 دولار للبرميل، بعدما فاقت الاسعار حاجز 77 دولار للبرميل في شهر تموز الماضي. فعلى الرغم من التعافي النسبي الذي شهدته اسواق النفط خلال النصف الاول من العام الجاري مقارنة بالعام 2020، الا ان تعافي الطلب على النفط الخام بقي رهينا بتطورات فيروس كورونا والاجراءات الصحية الاحترازية في مختلف بلدان العالم، مما أطر الافاق المستقبلية لأسعار النفط بالمخاطر وعدم اليقين، خصوصا مع ظهور سلالة متحور دلتا شديدة العدوى مؤخرا، بشكل تسبب بالمزيد من الإجراءات وتشديد القيود خشية خروج الموجة الثالثة عن نطاق السيطرة بعد تضاعف اعداد الاصابات في العديد من بلدان العالم، الامر الذي يعزز هشاشة الطلب على النفط خلال الأسابيع والشهور القادمة.
توقعات منظمة اوبك
تمسكت أوبك مؤخرا بتوقعاتها الماضية في تعاف الطلب العالمي على النفط خلال النصف الثاني من عام 2021 على الرغم من المخاوف بشأن انتشار سلالة المتحور دلتا عالميا. فقد افصح تقرير منظمة أوبك الصادر في شهر اب الجاري عن ارتفاع الطلب الى (5.95) مليون برميل يوميا هذا العام، أو ما يعادل (6.6%)، دون تغيير عن توقعات الشهر الماضي. اذ تتوقع المنظمة زيادة استخدام الوقود بمقدار (3.28) مليون برميل يوميا، دون تغيير أيضا عن التوقعات الصادرة الشهر الماضي. ورفعت أوبك توقعها لنمو الاقتصاد العالمي في 2021 إلى (5.6%) مقارنة بـ (5.5%)، على افتراض أن تأثير الجائحة سيجري احتواؤه، لكنها حذرت من “ضبابية كبيرة”. ورفعت التوقعات للعام 2022 بنفس القدر إلى (4.2%). وترى أوبك ان مسار جائحة كوفيد-19 سيكون العامل الرئيسي المؤثر على وتيرة التعافي في الأجل القريب، مع خطر يتمثل بوجه خاص في احتمال ظهور سلالات جديدة من كوفيد-19.
وتخفف أوبك وحلفاؤها، في إطار مجموعة أوبك+، تدريجيا تخفيضات قياسية لإنتاج النفط بدأت في العام الماضي عندما عصفت الجائحة بالطلب العالمي على النفط، واتفق الحلفاء في شهر تموز على زيادة الإنتاج تدريجيا بواقع (400) ألف برميل يوميا في الشهر اعتبارا من آب الجاري. وأظهر التقرير ارتفاع الإنتاج في تموز (640) ألف برميل يوميا إلى (26.66) مليون برميل يوميا، مع تراجع السعودية عن باقي تخفيضاتها الطوعية للإمداد التي قامت بها لدعم السوق. وفيما يلي أهم ما جاء في تقرير اوبك الشهري الاخير:
- رفع توقعات نمو الاقتصاد العالمي بـمقدار (0.1%) خلال النصف الثاني من عام 2021، مع رفع توقعات نمو الاقتصاد العالمي بمقدار ( 0.1%) خلال عام 2022.
- 2- الإبقاء على توقعات نمو الطلب العالمي على النفط عند (6) مليون برميل يوميا خلال النصف الثاني من عام 2021 مع الإبقاء على توقعات نمو الطلب العالمي على النفط عند (3.3) مليون برميل يوميا عام 2022.
- 3- رفع توقعات نمو الإمدادات من خارج أوبك بمقدار (270) ألف يوميا خلال النصف الثاني من عام 2021، مع رفع توقعات نمو الإمدادات من خارج أوبك (840) ألف برميل يوميا عام 2022.
- 4- خفض توقعات نمو الطلب على نفط أوبك بقرابة (200) ألف برميل يوميا خلال النصف الثاني من عام 2021، مع خفض توقعات نمو الطلب على نفط أوبك بـقرابة (1.1) مليون برميل يوميا عام 2022.
توقعات وكالة الطاقة الدولية
جاءت التوقعات المضمنة في احدث تقارير وكالة الطاقة الدولية بشكل يعاكس التقرير الأخير لمنظمة اوبك، ورغم تماثل العوامل التي تحرك اسواق النفط وتحدد اتجاهات الأسعار المستقبلية الا ان تقرير وكالة الطاقة الدولية يشير الى إن ارتفاع الطلب على النفط عكس مساره في شهر تموز ومن المنتظر أن يمضي بوتيرة أبطأ لبقية العام بعدما دفعت أحدث موجة من تفشي كوفيد-19 العديد من بلدان العالم لفرض القيود من جديد. وتتوقع الوكالة انخفاض النمو الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2021 بوتيرة حادة، نظرا لعودة القيود الصارمة من اجل مكافحة متحور دلتا في كبرى البلدان المستهلكة للنفط، على الأخص في آسيا، مما يفضي الى تراجع التنقلات واستخدام النفط. وأضاف تقرير الوكالة “تقديراتنا الآن تشير إلى أن الطلب هبط في تموز نتيجة الانتشار السريع لسلالة المتحور دلتا مما قاد إلى تعطيل عمليات تسليم النفط في الصين وإندونيسيا وأجزاء أخرى في آسيا”. وحددت الوكالة انخفاض الطلب خلال الشهر بمعدل (120) ألف برميل يوميا وتوقعت أن يكون نمو الطلب في النصف الثاني من هذا العام أقل بواقع نصف مليون برميل يوميا مقارنة مع تقديرها الصادر في الشهر الماضي.
اين تتجه الاسعار
شهدت اسعار النفط عام 2020 تأرجحا مستمرا ما بين (60-70) دولار للبرميل حتى أواخر شهر أيار حين تعافت الأسعار وبدأت بالزحف صوب حاجز (77) دولار للبرميل في تموز بسبب انتشار التطعيمات العالمية للقاحات مضادة لفيروس كورونا وبشكل متزايد في مختلف ارجاء العالم. وتوقع الكثير من المراقبين استمرار الارتفاع لحين بلوغ معدل (80) دولار وربما ملامسة حاجز (100) دولار مطلع العام القادم اذا عجزت الامدادات عن مسايرة الطلب العالمي المتزايد على النفط خصوصا في شتاء 2021 وارتفاع الطلب على الوقود.
مع ذلك، تناست تلك الآراء العديد من العوامل، والتي ذكرناها في مقالات سابقة، منها ظهور متحورات جديدة واكثر فتكا وانتشارا من كوفيد-19، والاحتياطات الضخمة التي تراكمت بالنفط الرخيص عام 2020 وقيام العديد من البلدان بالسحب منها توقعا لهبوط اخر في أسعار النفط نتيجة اغلاق اخر للاقتصاد. وتقلص تلك العوامل من فرص ارتفاع الطلب العالمي على النفط كما يرى المتفائلون، إضافة الى ان تقويض الاتفاق المتين (لأوبك+) بالتريث في فتح صنابير النفط في الوقت الراهن، أعاد المخاوف بعودة تخمة الإنتاج. فعلى الرغم من تبني السعودية نهج أكثر حذرا والتشديد على ضرورة ضبط الإنتاج، ضغطت اطراف أخرى، كالإمارات على فتح الصنابير وزيادة الحصص السوقية تناسقا مع ارتفاع الأسعار. وقد مُرر الاتفاق الجديد لأوبك+ اواخر تموز الماضي بزيادة الإنتاج شهريا بمقدار (400) ألف برميل يوميا، وبشكل شهري، ابتداءا من شهر آب الجاري ولغاية التصفية التدريجية لتخفيضات إنتاج اوبك+ الحالية والبالغة (5.8) مليون برميل يوميا.
وقد حثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أوبك وحلفاءها (أوبك+) مؤخرا على زيادة إنتاج النفط لمواجهة ارتفاع أسعار البنزين الذي تراه تهديدا لتعافي الاقتصاد العالمي. وترى إدارة بايدن إن زيادات الإنتاج التي تم الاتفاق عليها مؤخرا لن تعوض تماما تخفيضات الإنتاج السابقة التي فُرضت خلال الجائحة.
تُلزم تلك الحقائق تحالف اوبك+ اعادة النظر في اتفاق الشهر الماضي وعدم الانجرار مجددا لقفزات مؤقتة في أسعار النفط، نظرا لحساسية اسعار النفط لآفاق النمو والاستقرار الاقتصادي. مع التمعن جيدا في عواقب انتعاش انتاج النفط الخام كما ترغب الولايات المتحدة الامريكية، حيث تفصح اساسيات اسعار النفط بأن أسواق النفط ليست بحاجة لنفوط جديدة، خلافا للذي يُخطط تحالف اوبك+ ضخه الى الأسواق في الأشهر المقبلة.
من جانب اخر، تفيد تقارير جديدة بارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي إلى (8.1) مليون برميل يوميا في ايلول القادم، وهو أعلى مستوى يبلغه انتاج النفط الصخري منذ ايار عام 2020، وفقا للتقرير الشهري للحفر الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية. كما ان فرض الصين، ودول اخرى، لقيود جديدة، في ظل سياستها الخاصة بفيروس كورونا والتي تقضي بعدم السماح بأي حالات إصابة، يؤثر على سلاسل الشحن والتوريد العالمية، وينذر بانكماش اخر في الطلب العالمي على النفط في الامد المنظور.