بقـلــــم حسام عباس علي
طالب دكتوراه في العلوم المالية والمصرفية
يرتبط استقرار القطاع المصرفي بنوعية الاقتصاد فالاقتصاديات التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل يتأثر قطاعها المصرفي بأسعار النفط العالمية ، اذ حدد صندوق النقد الدولي الية التأثير عبر قناتين الأولى هي القناة المباشرة ، فزيادة أسعار النفط تؤثر على ربحية البنوك بشكل مباشر من خلال زيادة قدرتها على منح الائتمان المرتبط بتغير اسعار بالنفط أو النشاط التجاري أو السيولة الزائدة في النظام المصرفي، نظرًا لأن عائدات النفط تشكل جزءًا كبيرًا من الدخل الخارجي للدول النفطية، في حين أن القناة الثانية هي القناة غير المباشرة وتعمل من خلال توقعات الافراد في تلك البلدان، اذ يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع الطلب المحلي الذي سيعود إلى زيادة ثقة المصارف وزيادة قدرتها على منح الائتمان الذي يؤدي بدوه الى توسيع القدرة الإنتاجية من خلال الاستثمارات العامة والخاصة الجديدة التي تغذيها الإيرادات النفطية نتيجة لارتفاع أسعار النفط ، وبالتالي دفع معدلات النمو نحو الارتفاع .أن اعتماد اقتصاديات الدول على النفط يمكن ان يؤدي الى صدمات معاكسة ، لاسيما عند حدوث تقلبات مرتفعة في أسعار النفط فإن تلك الصدمات المعاكسة ستدفع القطاع المصرفي إلى توحيد وتشديد سياسات الائتمان وتنويع مصادر الدخل واستكشاف أسواق جديدة، كما إن الاعتماد على سلعة واحدة يجبر القطاع المصرفي في مثل هذه الاقتصادات على أن يكون متجانساً في نموذج أعماله ويضمن استجابة مماثلة لتقلب أسعار النفط. و يتأرجح سعر النفط الخام صعوداً وهبوطًا متأثراً بالعديد من المحددات الاقتصادية كعوامل العرض والطلب ومرونتها ، وكذلك معدل النمو العالمي ومعدلات التضخم والبطالة ، وكذلك المحددات والعوامل السياسية ويبين الشكل (1) مقدار اعتماد كل دولة عربية على النفط كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ، ان اعلى اعتماد على الإيرادات النفطية كان للعراق بمتوسط (47.4%) في حين فإن اقل اعتماد على الإيرادات النفطية لدولة البحرين بمتوسط(3.4%) اذ يلحظ من الشكل ان اتجاه الاعتماد على الإيرادات النفطية اتخذ مسارا تنازليا أي ان بعض الدول العربية تحاول خفض اعتمادها على الإيرادات النفطية وزيادة تنمية باقي القطاعات الاقتصادية (كالجزائر والسعودية وعمان والامارات وقطر ) في حين فأن فان العراق والكويت وليبيا هي من الدول التي اتخذت سلاسلها الزمنية اتجاها تصاعدياً في السنوات الأخيرة .
اما عن تطور القطاع المصرفي في الدول العربية النفطية تم استخدام المؤشرات التي وضعها( Beck, et al :2000) لقياس تطور القطاع المصرفي وهي مقياس وساطة السوق او التمويل ويمكن قياسه عبر الائتمان المحلي المقدم الى القطاع الخاص والكفاءة والتي يمكن قياسها عبر هامش سعر الفائدة ومؤشر نسبة اجمالي التكاليف الى الموجودات والتركيز والتي يقاس عبر تركيز موجودات اكبر ثلاث مصارف
ويبين شكل (2) مقدار التمويل الذي تقدمه القطاعات المصرفية الى القطاع الخاص في الدول العربية النفطية بالمقارنة مع العالم ، اذ يلحظ ان جميع الدول لديها اتجاه تصاعدي في زيادة تمويل القطاع الخاص ماعدا العراق الذي اتخذ فيه الائتمان المحلي المقدم الى القطاع الخاص مساراً مستقراً كما انه من اقل الدول العربية تقدمياً للائتمان المحلي بمتوسط (5.8%)، ثم يليه ليبيا والجزائر بمتوسط (17.1%) (17.8%) على التوالي الامر الذي يعكس ضعف دور القطاع المصرفي في هذا الدول في تمويل القطاع الخاص في حين فإن الكويت والامارات والبحرين هي من اكثر الدول العربية النفطية تقديما للائتمان بمتوسط بلغ (75.4%) (74%) (62.9%) على التوالي ، اما بقية دول العالم فقد بلغ متوسط نسبة الائتمان المحلي الممنوح الى القطاع الخاص لجميع سنوات الدراسة (121%) في حين بلغ متوسط النسبة في الدول العربية النفطية (45.2%) أي ان القطاعات المصرفية في الدول النفطية تمنح ائتمان اقل من متوسط الائتمان الممنوح في بقية دول العالم .
اما عن نسبة الكفاءة فالمخطط (3) يبين ان هامش أسعار الفائدة بين الدول العربية يكاد يكون متقارباً اذا بلغ متوسط هامش سعر الفائدة للعراق لجميع سنوات الدراسة (5.3% ) وبذلك فانه تميز بنسبة هامش مرتفع بالمقارنة مع بقية الدول العربية في حين كانت ليبيا هي اقل الدول من حيث هامش سعر الفائدة بمتوسط (1.3%) ، اما متوسط هامش سعر الفائدة للعالم فقد بلغ (%5.9) في حين بلغ متوسط هامش سعر الفائدة للدول العربية النفطية عينة الدراسة(3%) وعليه يمكن القول ان هوامش سعر الفائدة في جميع الدول عينة الدراسة منخفضة بالمقارنة مع دول العالم وهذا يمكن ان يعكس في زيادة كفاءتها .
اما عن نسبة التكاليف العامة الى اجمالي التكاليف فيبين شكل (3) ان النسبة تكاد تكون متقاربة بين الدول عينة الدراسة ، فهي لم تتجاوز (3%) من اجمالي الموجودات ماعدا العراق الذي تجاوزت فيه النسبة سنة 2007 (7.8%) وعليه يمكن القول ان القطاع المصرفي العربي يتميز بكفاءة عالية من ناحية قدرته على تخفيض اجمالي التكاليف الى الموجودات.
اما عن تركيز الموجودات لأكبر ثلاث مصارف فيمكن القول ان القطاع المصرفي العربي تميز بارتفاع نسبةتركيز المصارف، اذ نرها تقترب من الواحد في العراق والبحرين والكويت وقطر وليبيا اذا بلغ متوسط تركيز الموجودات لأكبر ثلاث مصارف لجميع سنوات الدراسة (84%) (84%) (86%) (88%) (83%) على التوالي ، وهذا يبين ان هناك تركيز كبير في هذه الدول الامر الذي يؤدي الى تخفيض حدة المنافسة ، وشيوع ظاهرة احتكار القلة ، الذي ينعكس سلباً على تطور القطاع المصرفي في تلك الدول في حين فإن السعودية والامارات العربية المتحدة هي اقل الدول تركيزاً بنسبة (55.6) (58%) على التوالي .
لذلك وجب ضرورة تنويع هيكل الاقتصاد للدول العربية النفطية بالشكل الذي يؤدي الى اقحام القطاع المصرفي في تمويل القطاع الخاص بشكل فاعل وزيادة منح الائتمان المخصص الى القطاع الخاص بغرض تحقيق النمو الاقتصادي و العمل على تخفيض حجم التركيز الكبير في القطاع المصرفي بغرض تشجيع المنافسة المصرفية من جهة ومن جهة أخرى زيادة متانة القطاع في تحمل مخاطر الاقتصاد الكلي لاسيما المخاطر المرتبطة بتقلب أسعار النفط العالمية .
انظر:
Chumpeter, J., (1911)The Theory Of Economic Development. Oxford: Oxford University https://link.springer.com/content/pdf/10.1007/0-306-48082-4_3.pdf
Beck, T., Demirgüç-Kunt, A., & Levine, R. (2000). A new database on the structure and development of the financial sector. The World
Bank Economic Review, 14(3), 597-605. https://academic.oup.com/wber/article-abstract/14/3/597/1674828
Tongurai, J., & Vithessonthi, C. (2018). The Impact Of The Banking Sector On Economic Structure And Growth. International Review Of Financial Analysis, 56, 193-207.