القطاع الخاص وتحديات بيئة الاعمال
أ.م.د حيدر حسين آل طعمة
ايلول / سبتمبر 2015
اخفقت معظم التجارب الاقتصادية التي يقودها القطاع العام في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي منذ النصف الثاني من القرن الماضي ولغاية الان، نظرا لانعدام كفاءة الحكومة في استغلال الموارد الاقتصادية بشكل امثل وتفشي مظاهرة الفساد والبيروقراطية في معظم الحلقات الادارية، مما افرغ عملية التنمية الاقتصادية في هذه البلدان من مضامينها الاقتصادية والاجتماعية لصالح تولد اقتصاد موازي (اقتصاد ظل) يبتلع الموارد والاموال ويزيد من قوة ونفوذ وبطش السلطة. وفي العراق لم ينجز القطاع العام دوره المأمول، خلال العقود الاخيرة من القرن المنصرم، وفقا لما رسمته الخطط الاقتصادية الخمسية التي اعدت منذ نهاية السبعينات، مرة لظروف البلد السياسية ومرة اخرى لاتكال هذا القطاع على الدعم الحكومي المستمر والحماية من المنتج الاجنبي المماثل. مما ولد قطاعا عاما متكاسل ومترهل بالبطالة المقنعة معتمدا في تمويله على موارد الحكومة بعيدا عن مبدأ (الكلفة – العائد) في الانتاج.
وبعد تغير النظام السياسي في العراق عام 2003 توجهت الانظار نحو القطاع الخاص ودوره في تغير النظام الاقتصادي القائم ليكون قاطرة للنمو والاستقرار الاقتصادي في البلد بدلا من الادمان المزمن على المورد النفطي. وفي هذا السياق انشأت الكثير من المؤسسات واتخذت جملة من الاجراءات لأجل التمهيد الى تحول سلس نحو القطاع الخاص والتصفية التدريجية لمنشآت القطاع العام دون الاضرار بالقوى العاملة فيه عبر زجهم في مشاريع متوسطة وصغيرة تلقى الدعم الحكومي . لكن للأسف لم تغادر هذه الامنيات قاعات المؤتمرات وبطون الكتب والمجلات وبقيت حبرا على ورق نظرا لعدم واقعيتها كونها كانت وصفات جاهزة للتحول نحو القطاع الخاص بعيدة عن الواقع الاقتصادي في العراق ومتطلباته.
وتفاقمت محنة القطاع الخاص في العراق مع تدهور الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي، وسياسة الاستيراد المفتوح، وعدم ملاءمة مناخ الاستثمار، وغياب الأدوات المالية الفعالة، وتدهور البنية التحتية، وهروب رأس المال. وأدت هذه العوامل، مترافقة مع تصاعد إيرادات النفط، إلى انحسار مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني وفي الناتج المحلي الإجمالي.
ان القطاع الخاص في العراق يعاني من مجموعة من المشاكل والعوائق التي تحول دون تطوره بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الافتقار إلى سياسات واستراتيجيات فعالة لدعمه وتقادم وتعقيد الإطارين القانوني والتنظيمي الذين صمما لاقتصاد مخطط مركزياً، وعدم كفاية مصادر التمويل المتاحة فضلا على تضرر البنية التحتية المادية وعدم كفاية إمدادات الطاقة وشحة الموارد البشرية المؤهلة، لاسيما العمالة الماهرة. وقد اسهمت الاوضاع السياسية والامنية وتدهور البنية التحتية وسوء ادارة الملف الاقتصادي من لدن صناع القرار وتعقيد الحلقات البيروقراطية وتفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري الى انكفاء هذا القطاع وهروب رؤوس الاموال المحلية الى الخارج وانصهار الطبقة البرجوازية في البلد.
وفي اواخر شهر اب الماضي شكلت الحكومة العراقية خلية ازمة لمتابعة الوضع الاقتصادي والمالي ورسم السياسات القادرة على التكييف مع الهبوط المتواصل في أسعار النفط، من خلال اطلاق مبادرة جديدة لتطوير القطاع الخاص في سياق المنهاج الحكومي للإصلاح الاقتصادي. مع ذلك، يشار الى اخفاق عدد كبير من البرامج الحكومية التي نُفذت خلال العقد المنصرم لدعم القطاع الخاص في العراق وتذليل عقبات انطلاقه، لأنها كانت مجزأة ولا تندرج ضمن استراتيجية مترابطة أو خطة تتضمن إجراءات متعاقبة يمكن أن تستخدمها الحكومة في معالجة المشاكل التي تعرقل ظهور قطاع خاص فاعل.
ان تطوير مكانة وأداء القطاع الخاص يعتبر قضية جوهرية يتوجب أن ترتكز عليها السياسات الاقتصادية من خلال تبني استراتيجية مثلى لتطوير القطاع الخاص تعكس الفهم الصحيح والتصور الواضح لآليات وسبل تفعيل دوره في النشاط الاقتصادي، لذا ينبغي على الحكومة اطلاق حزمة من السياسات والاجراءات المناسبة لتحفيز وتعزيز هذا القطاع في المرحلة الراهنة لعل ابرزها:-
1- البدء بحوار بين الحكومة والقطاع الخاص، حيث تتشاور الحكومة (مجلس الوزراء ومجلس النواب) مع القطاع الخاص عند وضع سياسات أو قوانين أو أنظمة أو تعليمات تخص الأخير من خلال لقاءات وندوات مشتركة لمراجعة وتبسيط الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بنشاط القطاع الخاص تذليل العراقيل التي تعيق انطلاقه.
2- توفير التمويل الكافي للقطاع الخاص عبر إصدار قوانين جديدة وإزالة التعقيدات الروتينية وتحسين فرص هذا القطاع في الحصول على تمويل ملائم يتناسب والفرص الاستثمارية في البلد، والعمل على استحداث آليات تمويل جديدة تكون متاحة لمعظم الشركات والمؤسسات الخاصة، لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
3- ضرورة توفير مناخ ملائم ومحفز يساعد على تنشيط القطاع الخاص من خلال توفير البنية التحتية اللازمة والحماية الامنية للمشروعات والمؤسسات العاملة في البلد.
4- تبني برامج متقدمة للتدريب والتأهيل تساهم في تمكين قوة العمل العراقية ورفع مستوى مهارتها بحيث تكون هذه البرامج متجانسة ومتناغمة مع متطلبات سوق العمل العراقي، لأجل رفد القطاع الخاص بأيدي عاملة متنوعة المهارات تتلائم واحتياجات السوق.
5- العمل على تسهيل اجراءات منح اجازات الاستثمار وتخصيص الاراضي اللازمة للمشروعات الاستثمارية ومنح اعفاءات ضريبية وحماية جمركية من السلع المماثلة لأجل تمكين القطاع الخاص من النفاذ الى الاسواق المحلية ومنافسة المنتج الاجنبي والاستحواذ على الاسواق المحلية.
6- إحداث شراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التكامل في النشاط الاقتصادي وبما يخدم كلا القطاعين، ويؤسس لنمو ديناميكي للقطاع الخاص يمكنه من الحصول على فرص أفضل لتوسيع نشاطه ومن ثم تعزيز مكانته وأدائه بما يعود بالفائدة على النشاط الاقتصادي ككل.