ا.د.حمزة محمود شمخي
سببت الجائحة وطريقة انتشارها وما خلفته من أرقام مخيفة من الموتى وتوقف العمل باضطرابات نفسية وسلوكية هائلة على المجتمعات والافراد،فهي حدث فريد من نوعه في الموت وتوقف الحياة،حتى إنها إستهدفت قدسية المسلمين هذا العام في عدم حج بيت الله الحرام وهو حدث لم يحصل في التاريخ، حتى الهواء الذي نتنفسه اصبح قاتل مما خلق حالات من الاضطراب المهوس داخل المجتمعات ،ساعدت في ذلك(السوشيال ميديا) بكل وسائلها في هلع الناس لتكون(من أكبر وسائل تصدير الطاقة السلبية في المجتمع) بسبب نشرها لاعداد وشخصيات قد أصيبت وإنتهى أمرها الى الموت مما تسبب في تفاقم الخوف والهلع(وإستهلاك حيز كبير من التفكير في هذه الجائحة،وعكس نتائج سلبية على الصحة النفسية)وفي خلق مزيد من الاضطرابات الامر الذي ساعد على خلق جو سلوكي مضطرب نفسيا ومعقد للغاية هو ما يعرف (بالوسواس القهري).والوسواس القهري او الاضطراب الوسواسي القهري obsessive – compulsive (هو نوع من الاضطرابات المرتبطةبالقلق (Anxiety) يتميز بأفكار ومخاوف غير منطقية وسواسية تؤدي
الى تصرفات قهرية)بسبب الفيروسات المعدية،قد تكون مميته لدى الافراد. فهو اضطراب تهديد للاوبئة(تكون لدى مريض الوسواس القهري أفكار إستحواذية تؤدي إلى سلوكيات قهرية، لدرجة تتعارض بشكل كبير مع الحياة اليومية).
ووفق موقع الخدمة الصحية الوطنية البريطاني، يمكن وصف الوسواس القهري(بالهوس، سواء الهوس بفكرة أو صورة أو رغبة أو الخوف من شيء يلح على عقلك باستمرار، مما يسبب التوتر والقلق، ويدفعك للقيام بشيء لتخفيف المشاعر السيئة كأن تكون سببا في وفاة عائلتك أو رضيعك).
اذا هو مرض سلوكي نفسي أساسه القلق والبؤس والاضطراب والخوف من الامراض المعدية وللوسواس القهري أنواع أهمها(وسواس التلوث،والاجترار الوسواسي،التدخل والاقحام،التفقد القهري،الأكتناز القهري،ووسواس الترتيب).
واخطر هذه الانواع هو(وسواس التلوث)الذي يعاني صاحبه من(القلق والخوف الشديد على نفسه وعلى أفراد عائلته من التلوث والتقاط الأمراض، ويظهر عليه ذلك من خلال القيام بغسل اليدين والجسم مرارا وتكرارا.وتعقيم الأسطح وتعقيم مكان النوم ،ولكي يشعرالناس بأنهم في مأمن من الجائحة يقومون بغسل أيديهم وأيدي أولادهم (بشكل قهري،إلى درجة إنهم يسببون الجروح والندوب الجلدية)في أيديهم رغم ان منظمة الصحة العالمية(تنصح بغسيل الأيدي حتى 20 ثانية كلما لمسنا الأسطح في أماكن يشاركنا فيها الغير). ويتوقع علماء النفس الاجتماعي عن زيادة إحتمالات الوسواس القهري إذا إستمرت الجائحة وتحولت عملية(غسل اليدين من وسيلة لحماية نفسك إلى رغبة ملحة غير مبررة،وأن تصبح كورونا هو كل ما نفكر فيه).
إن التوصيات المتعلقة(بغسل اليدين خلال فترة الوباء ستكون محفزا رئيسيا للوسواس القهري، حيث يصبح هذا السلوك هوسا)كلما زاد إنتشار الجائحة. ومن هنا يتوقع الخبراء أن تزداد الحالات المصاحبة للوسواس القهري.
وبالطبع، طالما أن غسل اليدين ليس مفرطا فهو ضروري لتقليل خطر إنتشار الفيروس،لكن في حالة الوسواس القهري،فإن هذا(التنظيف ليس عقلانيا، والفرق يكمن في الهدف من مثل هذا السلوك). والحقيقة أن الأشخاص المصابين بالوسواس القهري لا(يغسلون أيديهم لتقليل خطر إنتشار الجائحة بل لتخفيف العبء الذهني لهوسهم، وإيجاد الراحة باتباع طقوس معينة)لكنهم يزيدون من إضطرابهم الوسواسي،بعد ان اصبحت العملية مباهات مفرطة.
ومن ضمن العلامات التي تشير إلى حدوث تفاقم في حالة المصاب ما يلي:
■حدوث زيادة في الوقت الذي يقضيه المصاب بممارسة السلوكات القهرية.
■تأثير السلوكات القهرية في عوامل أخرى من حياة الفرد، منها العوامل المرتبطة بعلاقاته مع الآخرين ومع عمله.
■عدم انخفاض مستويات القلق لدى الافراد حتى بعد قيامه بالسلوك القهري.
■ملاحظة الآخرين لتغيرات واضحة في سلوكيات لمن يصاب.
■تراجع قدرة المصاب على النوم، وممارسة الرياضة، وتناول الطعام، وغير ذلك.
ان الضرورة تقتضي(عدم التهويل من الجائحة، حيث يشعر البعض بالخوف الزائد والذعر وتضخيم الأمور، فالأمر يحتاج إلى التوازن اي تعريف الناس بالفيروس ومخاطره)والاحتياط منه.
ولعلاج إضطراب الوسواس القهري هناك طرق سلوكية ونفسية كما يشير الى ذلك علماء النفس الاجتماعي والطب النفسي مثل(ممارسة طريقة الاستفادة من القلق LEan into The anxiety، ومختصرها LETوهي طريقة لتشجيع المصابين باضطراب الوسواس القهري على التركيز تحديدا في اللحظات التي تثير القلق)والاضطراب. وطريقة علاج اخرى هي
(التعرض ومنع الاستجابة Exposure and response prevention)التي تعرف اختصارا بـ ERP،والتي تقوم على تعريض المصاب بشكل تدريجي لبعض المثيرات والمحفزات التي تسبب له الاضطراب، وذلك بحسب حالته، كما يتم تعليم الشخص بعض المهارات التي تساعده على تخلص من الاضطراب.
ورغم اننا لا نعترض على حكم الله بالبشر الا اننا نقول حماكم الله وعوائلكم من الجائحة والوسواس