بقلـــــم ا.د.حمزة محمود شمخي
في سلسلة من المقالات السابقة تناولنا فيها شكل الاضطرابات النفسية والسلوكية التي أحدثتها جائحة كورونا على المجتمعات المدنية،ولازالت تساهم في خلق المزيد من تلك الاضطرابات فيها. ومن ضمن أهم الامراض النفسية التي عززتها كورونا عند إنتشارها هو مرض النرجسية وإضطرابها.
والنرجسية Narcissistic هي(إهتمام إستثنائي بالذات أو الإعجاب بها خاصة المظهر
الجسدي للذات)او هي(الأهتمام المفرط أو المثير لتقدير الذات).اي الإفراط في حب الذات، والاهتمام (بالمظهر وتضخيم الفرد من أهميته وقدراته).وكلمة(النرجسية)نسبة إلى إسطورة يونانية، ورد فيها أن (Narcissus كان آية في الجمال وقد عشق نفسه حتى الموت عندما رأى وجهه في الماء). وقد جسد عالم النفس المشهور Freud هذه القصة وإستعرضها في كتابه الذي نشر عام 1914 بعنوان Introduction on Narcissim(والذي يعد نقطة تحول في التحليل النفسي)وتاكيده ان(النرجسي يتميز بالغيرة من الآخرين والعجرفة عليهم).
ورغم كون(النرجسية)مرض نفسي ،الا انها إتسمت بالانتشارخلال فترة إنتشار الجائحة وقبلها ايضا حيث يشير علماء النفس الاجتماعي وخبراء الصحة العقلية على أن (النرجسية كمرض باتت أكثر إنتشارا ووضوحا في الحياة اليوميةللمجتمعات المدنية في العالم (وليس من الغريب الانتشار الهائل لصور السيلفي في مواقع التواصل الاجتماعي حتى بات أمرا اعتياديا)يوميا بين افراد المجتمع.
والنرجسية تعني حب النفس أو الأنانية، وهذا الحب المتفرد هو(اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين).وبما ان الشخصية تعد بمثابة أُطر عامة شاملة لكل(خصائص الشخص في صورة ديناميكية ،وتشتمل على كل صفات الفرد وتجعله فريدا مميزا عن الآخرين مع الاعتراف بوجود قدر من التشابه بين الخصائص العامة للشخصية بين الأفراد،فهي تعتبر الخصائص الجسدية والعقلية والفسيولوجية أي الجانب البنائي والنفسي أي الأجهزة العضوية والنفسية في صورة تكاملية).
واضطراب الشخصية النرجسية Narcissistic personality disorder)، هو إضطراب مزمن وشامل في الشخصية وله صفاته وملامحه السلوكية، ويصنف كواحد ضمن عشرة إضطرابات للشخصية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الذي تصدره الجمعية الامريكية للاطباء النفسيين والذي يعد المرجع الاول في تصنيف الامراض النفسية.
في هذا الاضطراب يتضخم فيه(شعور الشخص بأهميته وتتولد لديه حاجة ماسة لأن يكون موضع الإعجاب عند الجميع، ويستعمل المصطلح أيضا بمعنى حب الذات الطبيعي والاعتيادي).
كما أنه يعاني من فرط الحساسية تجاه آراء الآخرين وعدم تقبلها والسخرية منها، ويعتقد أنه فريد متميز عن غيره، إذ يمتلك شعورا متضخما بأهميته ويستحوذ عليه وهم النجاح والتألق والانشغال في المبالغة بإنجازاته.
وللشخصية النرجسية سمات تميز أصحابها منها:
1-السطحية فى تناول الأمور
2-محاولة إستغلال نقاط الضعف.
3-حرص دائم على تجميل صورة الذات بشتى الطرق.
4- الشعور بأهمية الإنجازات والمواهب التى يمتلكها الى حد الأعتقاد بأنه فريد من نوعه.
5-الشعور بالأستحقاق أي توقعات غير معقولة من معاملة خاصة.
6-حب إستغلال الأخرين والأستفادة منهم لتحقيق أهداف خاصة.
7-الأفتقار إلى التعاطف مع الأخرين وانكار إحتياجاتهم والغيرة من نجاحات الأخرين.
وعلى وفق هذه السمات تصبح الشخصية النرجسية شخصية معقدة نفسيا وسلوكيا ولهذا يشار الى انها من أكثر( الشخصيات التى يصعب إرضائها أو التعامل معها حتى ولو من خلال الخضوع لها ولطلباتها) لذا ينصح علماء النفس الاجتماعي بتجاهلها وعدم الخضوع لها او لمطالبها الزائدة عن الحد التى تثير(فيها حبها لذاتها، فلتتعلم هذه الشخصية العطاء قدر الأخذ)
يقول عالم النفس Craig Malkin،مؤلف كتاب “إعادة النظر في النرجسية(إنها القدرة على رؤية أنفسنا والآخرين عبر عدسة وردية اللون، قد يكون ذلك صحيا لأن الشعور بشيء من التميز مفيد لنا جميعا).
لقد غيرت الجائحة من سلوكية الافراد، بسبب العزلة الإلزامية التي فرضتها،واتعبتنا بكثرة الاضطرابات النفسية وامراضها ومنها مرض (النرجسية)التي غدت منهجا منتشرا بسبب العزلة والحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي وإنعدام التعبير عن الذات فازداد(النرجسيون) نرجسية من خلال إفراطهم وإهتمامهم بالمظهر الخارجي وإجراء جراحة التجميل وتضخيم قدراتهم وهو ما يساعدهم في الاستمرار بخداع الناس من انهم أصحاب الذكاء والتفوق،وتكون ردة(فعلهم الصراخ من انهم هم الذين يتعرضون لسوء المعاملة )و إذا تمت الإشارة إلى ذلك سينكرون أنهم إرتكبو أي خطأ ،ويصرون على أنهم يتعرضون لسوء المعاملة.
سوف يشكل النرجسيون خطرا إضافيا على المجتمعات المدنية لا يقل عن خطر إنتشار الجائحة لما يحملوه من إضطراب نفسي ومن أمراض قد تصنف كامراض عقلية مما يؤدي الى زيادة المشاعر السلبية عند أفراد المجتمع ،خصوصا العلاقات الوظيفية في منظمات الاعمال.